متابعات- السابعة الإخبارية
في هذا الأسبوع توفيت إيماهوي تسيغي مريم غيبرو، عن عمر يناهز 99 عاما،بعدأنعاشت الملحنة والراهبة وعازفة البيانو حياة غير عادية، إذ كانت رائدة في مجال مساواة المرأة والمشي حافية القدمين لمدة عقد في الجبال المعزولة في شمال إثيوبيا.
قد يكون الاستماع لأعمالها الموسيقية مربكاً، ويشعر المستمع بأنه يتقلّب في مركب صغير وسط البحر فاقداً لتوازنه، في حين لا يجد ما يتمسك به، إذ يتقلب إيقاع الوقت فيما تتغيّر مجريات الأحداث بشكل كبير خارج سياق المألوف.
عكس صوت عازفة البيانو الرائدة الطريقة التي تأرجحت بها حياتها بين عوالم متوازية.
تم تدريبها على الموسيقى الكلاسيكية الغربية ولكنها تأثرت أيضا بالتراتيل والألحان المسيحية الأرثوذكسية التقليدية.
دفع انتاجها الموسيقي الفريد الناقدة، كيت موليسون، إلى القول بأنه يجب تضمين إيماهوي جنباً إلى جنب مع أسماء أكثر شهرة عند التفكير في ملحني القرن العشرين العظماء.
كانت إيماهوي في فترة الشباب، امرأة عصرية حرة الروح لكنها أمضت معظم حياتها اللاحقة منعزلة.
أصبحت راهبة متدينة عاشت حياة متواضعة في دير في منطقة نائية من بلدها. لكن في وقت سابق كانت جزءا المجتمع الراقي في العاصمة أديس أبابا، حيث قدمت عروضها في بلاط آخر إمبراطور في البلاد، هيلاسيلاسي الأول.
جاءت معظم أعمالها الموسيقية المهمة – التي يمكن التعرف عليها من خلال تعقيدها والمجهود المبذول الواضح – في الستينيات والسبعينيات.
كان هذا خلال الوقت الذي كان فيه معاصروها في أديس أبابا يمزجون الإيقاعات الغربية مع المقياس الخماسي الإثيوبي – أو الخمس نغمات – لإنشاء مزيج فريد من الأصوات والأنماط التي سيطلق عليها لاحقا اسم “إيثيو جاز” Ethio-jazz.
يتميز هذا النوع بخلط الروح والموسيقى غير التقليدية بالإضافة إلى امقطوعات السّوينغ Swing (هي نمط من موسيقى الجاز Jazz راج في الولايات المتحدة الأميركية خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين) مع فرقة كبيرة.
لكن مؤلفات إيماهوي وأسلوبها كانا متميزين. لقد كانت بمفردها مع آلة البيانو ينتجان موسيقى تبعث على الحزن والتأمل في آن معنا وربما على الكآبة، لكنها موسيقى مصبوغة بحياة رائعة تتخللها الأحداث الهامة التي شهدتها بلدها خلال القرن الماضي.
لم تستطع تحمل الحرارة الشديدة، ونتيجة لذلك، عادت إلى الأجواء الأكثر برودة في أديس أبابا مع معلمها، الذي تم تعيينه رئيسا لفرقة الحرس الإمبراطوري.
بينما بدت وكأنها تستمتع بخدمة الإمبراطور الذي عزفت من أجله موسيقاها، لم يكن جميع أفراد الطبقة الأرستقراطية معجبين بها.
وعندما أتيحت لها الفرصة لمواصلة دراستها في الأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن، لم يُسمح لها بالسفر – وهو قرار ألقت عائلتها باللوم فيه على بعض كبار المسؤولين.
كانت إيماهوي حزينة ومريضة لدرجة نقلها إلى المستشفى، وبعد ذلك، غاصت بعمق في الدين. حتى تخلت عن الموسيقى – والمدينة – لتصل إلى دير على قمة تل في جزء بعيد من شمال إثيوبيا، وأصبحت راهبة وحلقت رأسها وتوقفت عن ارتداء الأحذية.
تقول موليسون إن وفاة رئيس أساقفة المجتمع الرهباني ومشاكل في باطن قدميها دفعتها إلى العودة إلى العاصمة في الثلاثينات من عمرها بعد 10 سنوات من العزلة.
استأنفت عزف الموسيقى، واستمرت في تجنب الأضواء لكن مؤلفاتها انتشرت في هذا الوقت تقريبا.
انعكست سنواتها من التأملات الانفرادية – والحلقات الدرامية في حياتها المليئة بالأحداث – على مؤلفاتها.
وألمحت عناوين مثل ” المتجول المشرد” The Homeless Wanderer و”حب الأم” Mother’s Love و “الحنين للوطن” Homesickness إلى ما كان يدور في خلدها.
ونُقل عن إيماهوي قولها في كتاب شقيقها: “كان الحزن دائما يرافقني كصديق”.
ووصفت المعلقة الموسيقية الإثيوبية سيرتس فريسيفات أعمالها المبكرة بأنها “عميقة ومدروسة، ومؤلفة في سن مبكرة” ولكنها تلقت الثناء الذي تستحقه بعد عقود.
واصلت إنتاج تسجيلات في ألمانيا في الستينيات وأوائل السبعينيات لجمع الأموال للجمعيات الخيرية المعنية بمساعدة المشردين، لكنها اكتسبت شهرة في الغرب مؤخرا فقط.
وتماما مثل موسيقيي الجاز المعاصرين، تم تقديمها إيماهوي للجمهور الأوسع من قبل عالم الموسيقى الفرنسي فرانسيس فالسيتو. وكانت سلسلتها من ألبومات “إثيوبكس” عبارة عن مجموعات من موسيقى الأرشيف من الستينيات والسبعينيات.
حصلت مجموعتها، التي صدرت في عام 2006، على الإشادة وأدت إلى استخدام أعمالها في الأفلام والإعلانات.
ولكن بحلول ذلك الوقت كانت تعيش في دير الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية في مدينة القدس.
في عام 1984، عندما كانت إثيوبيا في خضم حرب أهلية وفي قبضة نظام عسكري ماركسي، غادرت إلى الأرض المقدسة وعاشت ما تبقى من حياتها هناك.
واصلت التدرب والتأليف ورحبت بعلماء الموسيقى والنقاد لمناقشة عملها، كما وقامت بتوظيف عازفة البيانو الإسرائيلية مايا دونيتز لأخذ مخطوطاتها ونشرها.
غالبا ما يشار إليها في وطنها باسم “ملكة البيانو”.
ألحانها موجودة في كل مكان – يتم تشغيل بعضها خلال فترات الحداد الوطني، بينما يضعها البعض الآخر خلفية للكتب الصوتية والبرامج الإذاعية.
لكن من المحتمل أن لا يدرك الكثيرون أنها مؤلفاتها، ولديهم إحساس بالخلود الذي سيستمر بلا شك في العثور على آذان مُصغية وجمهور متحمس لمعرفة المزيد عن حياتها التي امتدت لنحو 100 عام.