تركيا – السابعة الإخبارية
آيا صوفيا.. في حادثة أثارت صدمة واستياء واسعَين، أكدت السلطات التركية وقوع حريق محدود داخل مسجد آيا صوفيا في إسطنبول، تبين لاحقًا أنه ناتج عن عمل متعمد نفذه أحد زوار المكان. ورغم أن الأضرار كانت طفيفة، فإن الحادثة أثارت تساؤلات كبيرة بشأن الإجراءات الأمنية المتبعة لحماية أحد أبرز المعالم التاريخية والدينية في تركيا والعالم.
ووفق ما أعلنته المديرية العامة للأوقاف في بيان رسمي، فإن الواقعة تعود إلى مساء 11 يوليو الماضي، عندما تسلل أحد الزوار إلى داخل المسجد في وقت متأخر من الليل، مستغلًا انخفاض عدد الموجودين في الموقع. وأوضح البيان أن الحادثة وقعت تحديدًا عند الساعة 11:50 مساءً، وهو توقيت يقل فيه الإقبال على المسجد مقارنة بفترات النهار.

آيا صوفيا : مشاهد وثقتها الكاميرات
وثّقت كاميرات المراقبة اللحظة التي اقترب فيها رجل مجهول من أحد الأعمدة الداخلية في مسجد آيا صوفيا ، ثم أشعل النار في إحدى السجادات المفروشة على الأرض. وأظهرت اللقطات المصورة أن الفاعل تصرف بهدوء لافت، حيث أشعل الحريق وغادر الموقع بهدوء دون أن يثير شكوك الحاضرين.
غير أن الحادثة لم تمر دون تدخل سريع؛ فقد لاحظت إحدى السيدات التي كانت في المكان تصاعد الدخان، فبادرت إلى إبلاغ إمام المسجد، الذي سارع بدوره إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإخماد الحريق، وتمكنت فرق المسجد من السيطرة على النيران قبل أن تنتشر وتُلحق أضرارًا جسيمة بالموقع.
إلقاء القبض على المشتبه به
لم تمضِ ساعات قليلة حتى أعلنت مديرية أمن إسطنبول أنها تمكنت من إلقاء القبض على المشتبه به، والذي كان يرتدي قبعة حمراء كما ظهر في تسجيلات الفيديو. وتم توقيفه في إحدى الساحات القريبة من المسجد، حيث تعرفت عليه الفرق الأمنية بسهولة، وتمت إحالته مباشرة إلى التحقيق.
وكشفت مصادر أمنية لاحقة أن الرجل يعاني من اضطرابات نفسية، وله سجل سابق في تلقي العلاج من مستشفى للأمراض العقلية، ما يفتح الباب أمام احتمالات أن تكون دوافعه غير واضحة أو مرتبطة بحالته الصحية، وهو ما ستحدده التحقيقات القضائية الجارية حاليًا.
تساؤلات حول دوافع الفعل وخطورته
ما تزال الجهات القضائية تتابع التحقيق في الحادث، وسط تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت الحالة الصحية للمشتبه به ستؤثر على مسار القضية قانونيًا، أو ما إذا كانت ستُعتبر عاملًا مخففًا في حال ثبوت ارتكابه للجريمة عمدًا.
وتبقى السلطات حذرة في الكشف عن تفاصيل إضافية، بينما تُرجح التحقيقات الأولية أن الفعل كان معزولًا وغير مرتبط بأي دوافع أيديولوجية أو سياسية.

الإجراءات الأمنية قيد التقييم
الحادثة أعادت إلى الواجهة ملف الإجراءات الأمنية المتبعة في حماية آيا صوفيا، خاصة وأن المبنى، الذي يُعد من أهم رموز التاريخ العثماني والبيزنطي، يستقطب يوميًا آلاف الزوار من مختلف الجنسيات. ومع ذلك، فإن بعض الفترات، خصوصًا في ساعات الليل المتأخرة، تشهد تراجعًا في التواجد الأمني مقارنة بالذروة في النهار.
وأكدت مديرية أمن إسطنبول أن المسجد يخضع لمراقبة دائمة، لكن توقيت الحادث وقلّة التواجد البشري في اللحظة ذاتها سمحا للمشتبه به بتنفيذ فعلته قبل أن يتم اكتشافه وإيقافه لاحقًا.
مكانة آيا صوفيا التاريخية والدينية
ويُعد مسجد آيا صوفيا من أبرز المعالم الأثرية في تركيا، وتاريخه الممتد لأكثر من 1500 عام يجعله شاهدًا على تحولات حضارية وثقافية كبرى. فقد بدأ ككنيسة أرثوذكسية بيزنطية في القرن السادس الميلادي، ثم تحول إلى كاتدرائية كاثوليكية لفترة قصيرة، قبل أن يُعاد إلى الكنيسة الأرثوذكسية، ومن ثم تحوّل إلى مسجد بعد الفتح العثماني عام 1453.
وفي عام 1935، قررت الحكومة التركية تحويله إلى متحف، ليظل كذلك لعقود طويلة، إلى أن أُعيد فتحه كجامع للصلاة في عام 2020 بقرار من الحكومة الحالية، ما أعاد إليه مكانته الدينية مع المحافظة على هويته التاريخية كموقع جذب سياحي وثقافي.
الحريق لم يخلف أضرارًا تُذكر
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الأوقاف، فإن الحريق لم يتسبب في أي أضرار مادية تذكر للمسجد أو مقتنياته، مشيرًا إلى أن سرعة التدخل أسهمت في احتواء الموقف، والحيلولة دون تفاقم الحريق أو انتشاره إلى أجزاء أخرى من المسجد.

دعوات لتعزيز الأمن
الحادث أثار موجة من القلق العام والدعوات إلى تعزيز التدابير الأمنية داخل وحول المسجد، لا سيما خلال الفترات الليلية. كما طالب البعض بتركيب أجهزة إنذار إضافية وأنظمة إطفاء تلقائي لضمان التدخل الفوري في حال تكرار حوادث مشابهة.
وتؤكد الجهات الرسمية أنها تأخذ الأمر على محمل الجد، مشيرة إلى أن التحقيقات لا تزال جارية، وأن حماية المعالم الدينية والتاريخية تمثل أولوية قصوى لدى الدولة.