مصر – السابعة الإخبارية
كشف الفنان المصري حمزة نمرة عن تجربة إنسانية عميقة شكّلت ملامح شخصيته ومسيرته الفنية، حين فقد والدته في سن الطفولة، مؤكدًا أن هذا الحدث ترك بصمة لا تُمحى في وجدانه، وكان نقطة التحول الكبرى في طريقه نحو الفن والتأمل الإنساني.
وخلال لقاء تلفزيوني مؤخرًا، تحدث حمزة نمرة بصراحة وهدوء عن تلك المرحلة الصعبة من حياته، قائلاً:“ربما الحزن جزء من طبيعتي، لكنه لا يعني أنني أعيش في كآبة. هو نوع من التأمل في الحياة. وفاة والدتي في طفولتي أثرت فيّ وأعطتني إحساسًا بالشجن منذ صغري.”
كلماتٌ بسيطة حملت بين طياتها وجعًا قديمًا وصدقًا نادرًا، فالفنان الذي اعتاد جمهوره على موسيقاه المفعمة بالدفء، كشف عن الجرح الأول الذي صاغ صوته الداخلي وأشعل في قلبه رغبة التعبير بالموسيقى لا بالكلام.

حادثة غيّرت مسار الطفولة
روى حمزة نمرة أن والدته توفيت عندما كان في المرحلة الابتدائية، إثر مضاعفات خطيرة أثناء الحمل، أدخلتها في غيبوبة طويلة استمرت قرابة عام كامل، قائلاً:
“كنت في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي. أتذكر أن والدتي توقّف قلبها ثم عاد للعمل، لكن خلايا المخ تعرضت لتلف، فظلت في غيبوبة لمدة سنة كاملة.”
وأضاف بأسى: “كنا نقيم في بلد عربي بعيد عن أهلنا، فكنّا وحدنا تمامًا، وكان ذلك حدثًا كبيرًا بالنسبة لي ولإخوتي، ترك فينا أثرًا لا يُمحى.”
ويروي حمزة نمرة مشهدًا لا يُنسى من تلك الأيام قائلاً:
“عندما علمت أن والدتي حامل، شعرت بخوف غريب، كأن شيئًا في داخلي يخبرني بأنها قد تفارق الحياة بسبب هذا الحمل. بعد الولادة، انتظرت عودتها مع الطفل، لكن والدي جلس معي صباح اليوم التالي وأخبرني أن قلبها توقّف، وأن خلايا المخ لن تتجدد إلا بمعجزة من الله.”
طفل ينتظر المعجزة
عاش الطفل الصغير عامًا كاملًا يدعو الله في كل صلاة أن تتحقق تلك المعجزة. قال:
“كنت أدعو كل يوم أن تعود إلى الحياة، لكنها لم تعد. تلك التجربة جعلتني أخاف من الأفكار السلبية لأنها قد تتحقق بالفعل.”
وأوضح أنه أدرك لاحقًا من خلال جلسات العلاج النفسي أن ذلك الخوف الدائم والقلق المزمن كانا انعكاسًا لصدمته الأولى في الحياة، حين فقد الأمان والحنان في لحظة واحدة.
حنان الأب وقوة العائلة
ورغم قسوة التجربة، لم يكن حمزة وحده. فوالده، الطبيب الراحل، لعب دورًا محوريًا في احتواء أبنائه وتخفيف آلامهم. يقول الفنان بتأثر:
“بعد وفاة والدتي، منحنا والدي حنانًا مضاعفًا. كان يحاول بكل طاقته أن يخفف عنا الألم، وأن يزرع فينا حب الحياة رغم الحزن الذي يسكننا.”
ويرى نمرة أن فقدان الأم في الغربة كان كفيلاً بتحطيم أي طفل، لكنه في المقابل شكّل بدايات وعيه بالمعنى الحقيقي للرحمة والإنسانية، وهي القيم التي انعكست لاحقًا في موسيقاه وأغانيه التي تمسّ القلوب قبل الآذان.
من الألم إلى الإبداع
كشف نمرة أن جلساته مع الطبيب النفسي لاحقًا كانت كاشفة لطبيعة العلاقة بين الحزن والفن في حياته، حيث قال:
“أخبرني الطبيب أنه ربما لو لم تقع تلك الحادثة، لما أصبحت فنانًا. لأنني بطبيعتي شخص كتوم لا يعرف كيف يعبّر بالكلام، لكن بعد ما حدث امتلأت بمشاعر كثيرة لا أستطيع إخراجها إلا بالموسيقى والغناء.”
ويضيف: “ربما كانت تلك الطاقة المكبوتة هي الوقود الذي جعلني أسعى لأن أكون فنانًا، وأن أعبّر عن كل ما لم أستطع قوله بالكلمات.”
هكذا تحوّل الألم إلى نغمة، والفقد إلى لحن، لتولد من بين ركام الوجع موهبة صادقة جعلت من حمزة نمرة أحد أكثر الفنانين قربًا من وجدان الناس، بموسيقاه التي تمزج بين الحزن والأمل، وبين التأمل والإيمان.
رحلة من الحزن إلى الرضا
في ختام حديثه، تأمل نمرة معنى ما جرى قائلاً:
“هي تدابير الله سبحانه وتعالى. كثيرًا ما نظن أن ما يصيبنا شر، لكنه في الحقيقة قد يكون الخير كله.”
تلك الجملة تختصر فلسفة الفنان في الحياة؛ فالحزن لم يعد عبئًا عليه، بل صار لغة تواصل مع العالم، وطريقًا لفهم الذات والآخر.
وبين نغمات عوده الهادئة وصوته المفعم بالصدق، يواصل حمزة نمرة رحلته في نشر موسيقى إنسانية تُداوي القلوب، مستمدًا من فقده القديم إيمانًا عميقًا بأن الجمال يولد أحيانًا من الألم، وأن الفن الحقيقي لا يصدر إلا عن روحٍ عرفت الفقد فاختارت الحب