الإمارات – السابعة الاخبارية
حوبة، في خطوة تُعدّ علامة فارقة في مسار السينما الإماراتية والعربية عمومًا، أعلن المخرج العراقي ياسر الياسري فوز الفيلم الإماراتي حوبة بجائزة أفضل فيلم ضمن مسابقة أفلام الرعب في مهرجان فانتاستيك 2025، والذي أُقيم بمدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية. هذا الإنجاز يعكس تطور الصناعة السينمائية في المنطقة، وقدرتها على المنافسة في أعرق المهرجانات العالمية.
حوبة.. تقدير نقدي وجماهيري في المحافل الدولية
كشف الياسري، عبر حسابه الرسمي على موقع “إنستغرام”، عن ردود الفعل الإيجابية التي رافقت عرض الفيلم داخل المهرجان. حيث حظي “حوبة” بإشادات واسعة من لجنة التحكيم والجمهور، الذين اعتبروا الفيلم تجربة نادرة في مجال الرعب النفسي، تجمع بين السرد العاطفي العميق والجرأة البصرية في الطرح والمعالجة.
وأكد الياسري أن هذا التكريم العالمي ليس فقط انتصارًا لفيلم “حوبة”، بل هو بداية واعدة لمسار جديد للسينما الإماراتية والعربية، وفتح باب لعروض جماهيرية أوسع، بدءًا من إطلاق الفيلم في صالات السينما الإماراتية يوم 30 أكتوبر المقبل، مع توقّعات بأن يحظى بإقبال كبير على المستوى الإقليمي.
ماجد الأنصاري يعود بفيلم جريء بعد “زنزانة”
يعود المخرج الإماراتي ماجد الأنصاري من خلال “حوبة” إلى الواجهة بعد النجاح الذي حققه بفيلمه السابق “زنزانة”، والذي لفت الأنظار عالميًا عند عرضه على منصة “نتفليكس”. وقد أثبت الأنصاري منذ ظهوره أنه لا يخشى خوض مغامرات سينمائية معقدة، ويُعرف بقدرته على توظيف أدوات التشويق النفسي، ودمجها بلمسة ثقافية محلية أصيلة.
في “حوبة”، يستمر الأنصاري في استكشاف مناطق جديدة داخل تصنيفات الرعب، لكن من زاوية أكثر نضجًا، تعتمد على التوترات النفسية والعناصر الخارقة للطبيعة، بدلًا من الاعتماد التقليدي على المؤثرات المرئية أو مشاهد العنف المباشر. وهو بذلك يخلق تجربة رعب داخلية، تُخاطب المشاهد على مستوى اللاوعي والخوف الداخلي، وتؤسس لنوع خاص من السينما العربية.
السرد المحلي والهوية الثقافية في خدمة الرعب
ما يجعل “حوبة” مميزًا، ليس فقط اعتماده على الرعب النفسي، بل الطريقة التي يوظّف بها البيئة المحلية والرموز الثقافية لخلق تجربة عالمية. القصة، وفق ما تم تداوله، تستلهم أجواءها من الموروث الشعبي الإماراتي، وتُعيد تشكيله في قالب سينمائي عصري، بعيدًا عن الفلكلور التقليدي.
تمتاز البنية السردية للفيلم بتعدد الطبقات؛ إذ يقدّم قصة ظاهرها أحداث خارقة، لكن في العمق يعكس توترًا داخليًا مرتبطًا بالذنب، والخوف، والعقاب، وكلها مفاهيم لها جذورها في الثقافة العربية، ما يمنح العمل بعدًا نفسيًا وأخلاقيًا متشابكًا.
محمد حفظي: منتج عربي في ساحة السينما العالمية
من أبرز الأسماء المرتبطة بإنتاج الفيلم هو المنتج المصري محمد حفظي، المعروف بدوره في دعم مشاريع سينمائية جريئة ومستقلة في العالم العربي. يشكّل حفظي، من خلال دوره كمنتج تنفيذي لـ”حوبة”، جسرًا جديدًا يربط بين السينما المصرية والخليجية، ويُرسّخ فكرة التعاون العربي في مجال الإنتاج السينمائي الحديث.
وقد ساهم حفظي في السنوات الماضية في إنتاج أعمال عربية وصلت إلى مهرجانات كبرى مثل “كان” و”برلين”، ويُعد وجوده في “حوبة” إشارة على قيمة العمل ومكانته ضمن مشهد السينما العربية الجديدة.
إيمج نيشن أبوظبي: مظلة الإنتاج والدعم
يأتي فيلم “حوبة” ضمن سلسلة أعمال دعمتها مؤسسة إيمج نيشن أبوظبي، والتي أصبحت خلال العقد الأخير من أبرز الكيانات الإنتاجية في العالم العربي. تتبنى المؤسسة سياسة إنتاجية تُشجع على المغامرة الفنية وتقدّم محتوى يحمل هوية عربية واضحة مع قدرة تنافسية على الساحة العالمية.
وقد سبق للمؤسسة إنتاج عدد من الأفلام التي حققت صدى دوليًا، وتسعى من خلال “حوبة” إلى التأسيس لنمط جديد من أفلام الرعب، لا يعتمد على التكرار أو الاستنساخ، بل يتغذى على الأصالة والتجديد الفني.
الرعب النفسي في العالم العربي: بداية تحوّل
تُعد تجربة “حوبة” واحدة من المحاولات القليلة في السينما العربية التي تستثمر بشكل ناضج في تصنيف الرعب النفسي، والذي طالما كان غائبًا أو مهمشًا لصالح أنماط أكثر تجارية. ويأتي الفيلم في وقت يشهد فيه الجمهور العربي تطورًا ملحوظًا في الذوق العام، ورغبة متزايدة في مشاهدة محتوى مختلف، ينأى عن القوالب الكوميدية أو الدرامية التقليدية.
وبفوزه في مهرجان فانتاستيك، يثبت “حوبة” أن السوق العربية جاهزة لتقبل هذا النوع من الأعمال، بل وربما تقود حركة إقليمية لصناعة سينما رعب بمرجعية ثقافية عربية.
مهرجان فانتاستيك: بوابة الاعتراف العالمي
يُعد مهرجان Fantastic Fest واحدًا من أبرز المهرجانات العالمية المتخصصة في أفلام الرعب والخيال العلمي والإثارة، ويقام سنويًا في مدينة أوستن بولاية تكساس. ويمثّل المهرجان منصة مهمة للمخرجين والمنتجين الذين يسعون لتقديم أعمال خارج النمط السائد.
وقد شهدت دورة عام 2025 منافسة قوية بين مجموعة من الأفلام المستقلة القادمة من مختلف دول العالم، ما يجعل فوز “حوبة” ضمن هذه البيئة التنافسية إنجازًا كبيرًا، يعكس القيمة الفنية للفيلم، وقدرته على الوصول إلى جمهور عالمي، ليس فقط من خلال الترجمة، بل من خلال قوة الفكرة وسحر السرد.
من الإنجاز إلى التوزيع التجاري
مع الإعلان عن بدء عرض الفيلم في دور السينما داخل الإمارات في 30 أكتوبر المقبل، يُتوقع أن يحظى “حوبة” بإقبال كبير، خاصة في ظل الضجة الإعلامية التي رافقت فوزه بالجائزة، والتشويق المحيط بالقصة.
وقد تكون هذه الخطوة بداية لسلسلة عروض تجارية في الأسواق الخليجية والعربية، وربما يتم لاحقًا توزيع الفيلم عبر المنصات الرقمية العالمية، مما يمنحه حضورًا مستمرًا يتجاوز العروض المحدودة في المهرجانات.
مستقبل السينما الإماراتية: هل يبدأ من هنا؟
فوز “حوبة” يطرح سؤالاً مهمًا حول مستقبل السينما الإماراتية: هل يمكن أن يتحول هذا الإنجاز الفردي إلى بداية موجة جديدة من الأعمال الجريئة التي تحمل توقيعًا إماراتيًا واضحًا؟
الإجابة ترتبط باستمرارية الدعم المؤسسي، ووجود كفاءات فنية مؤمنة بضرورة صناعة محتوى مختلف، وهو ما يبدو متوفرًا حاليًا في ظل نشاط مؤسسات مثل “إيمج نيشن” وعدد من صنّاع الأفلام الشباب.
ما يميز هذه الموجة الجديدة هو توجهها نحو العالمية دون التخلي عن الهوية المحلية، وهي معادلة ليست سهلة، لكنها ممكنة كما أثبت “حوبة”.
الخاتمة
“حوبة” ليس مجرد فيلم رعب نفسي نال جائزة عالمية، بل هو علامة على تحوّل جذري في طريقة إنتاج وتناول السينما في الإمارات والعالم العربي.
إنه مشروع يُراهن على العمق والهوية بدلًا من التقليد والمجانية، ويعكس طموح جيل جديد من المخرجين والمنتجين الذين يسعون لإعادة تعريف السينما العربية على المسرح العالمي.
فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فانتاستيك لا يعني فقط نجاح تجربة فنية فردية، بل يُعزز قناعة أن السينما العربية تمتلك الإمكانات والمواهب التي تخوّلها للعب دور مؤثر في الصناعة العالمية، إذا ما وُفّرت لها البيئة المناسبة والدعم الكافي.
ومع قرب عرضه في صالات السينما، سيكون الجمهور العربي على موعد مع تجربة فنية مختلفة، قد تكون نقطة الانطلاق لمرحلة جديدة من الإبداع السينمائي في المنطقة.