واشنطن – السابعة الإخبارية
توصلت دراسة طبية حديثة أجراها باحثون في جامعة ميشيغان الأمريكية إلى أن تدخين التبغ يرتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، في حين يمكن لاختبار بسيط للبول أن يساعد الأطباء على التحقق بدقة من حالة التدخين لدى المرضى وتقييم احتمالية تعرضهم لهذا الخطر.
الدراسة التي نُشرت في مجلة Hypertension Research in Humans، وأوردها موقع Medical Xpress، كشفت عن صلة أوضح مما كان يُعتقد سابقًا بين التدخين ومشكلات ضغط الدم، بعد سنوات من الجدل في الأوساط الطبية حول طبيعة هذا الارتباط.

التدخين وضغط الدم.. علاقة معقدة تتضح ملامحها
من المعروف أن التدخين يمثل عاملًا رئيسيًا في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن العلاقة الدقيقة بينه وبين ارتفاع ضغط الدم كانت محل نقاش واسع منذ عقود. فبينما أشارت بعض الدراسات القديمة إلى أن التدخين يسبب ارتفاعًا مؤقتًا في ضغط الدم أثناء التدخين فقط، ذهبت أخرى إلى أنه لا يترك تأثيرًا طويل الأمد.
غير أن الدراسة الجديدة قدّمت أدلة بيولوجية قوية تشير إلى أن التدخين — سواء كان خفيفًا أو كثيفًا — يرفع احتمالية الإصابة بارتفاع ضغط الدم بمرور الوقت، حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون من أمراض مزمنة أخرى.
ويقول الباحث نيكولاس هانتر، المشرف على الدراسة:
“الاختلاف بين دراستنا وما سبقها هو أننا اعتمدنا على المؤشرات الحيوية الفعلية للتعرض للتبغ، وليس فقط على ما يبلّغ به المشاركون، وهذا ما كشف فجوة كبيرة في دقة الأبحاث السابقة.”
منهجية الدراسة
اعتمد فريق جامعة ميشيغان على بيانات أكثر من 3300 شخص بالغ شاركوا في دراسة جماعية أُجريت في هولندا، بلغ متوسط أعمارهم 49 عامًا، ولم يكن لديهم أي تاريخ سابق للإصابة بارتفاع ضغط الدم عند بدء الدراسة.
جرى تصنيف المشاركين إلى أربع فئات:
1. لم يدخنوا أبدًا،
2. مدخنون سابقون،
3. مدخنون خفيفون حاليًا،
4. مدخنون بكثافة.
ولم يكتفِ الباحثون بالاعتماد على الإبلاغ الذاتي — أي ما يقوله الأشخاص عن عاداتهم في التدخين — بل استخدموا اختبار البول للكشف عن مادة “الكوتينين”، وهي ناتج ثانوي من تحلل النيكوتين في الجسم، وتُعد من أكثر المؤشرات الحيوية دقةً في تحديد ما إذا كان الشخص يتعرض فعليًا للتبغ أو لا.

نتائج لافتة بعد سبع سنوات من المتابعة
على مدى سبع سنوات من المتابعة الطبية، أصيب أكثر من 800 مشارك بارتفاع ضغط الدم.
وأظهرت نتائج التحليل أن التدخين الحالي، سواء كان بمعدلات خفيفة أو عالية، ارتبط بزيادة كبيرة في خطر الإصابة، سواء تم قياسه عبر التقارير الذاتية أو من خلال مستويات الكوتينين في البول.
كما كشفت النتائج أن الاعتماد على الإبلاغ الذاتي فقط يقلل من تقدير الخطر الحقيقي، لأن بعض الأشخاص يقللون عمدًا أو نسيانًا من ذكر مقدار تدخينهم، مما يؤدي إلى بيانات مضللة.
وأكد الباحثون أن اختبار البول يوفر صورة موضوعية ودقيقة تساعد الأطباء في تقييم حالة المرضى بشكل أكثر واقعية، مشيرين إلى أنه يمكن أيضًا أن يكشف عن التعرض غير المباشر لدخان السجائر، أو ما يُعرف بالتدخين السلبي.
مفارقة علمية: مدخنون سابقون ما زالوا في دائرة الخطر
ومن المفارقات التي أظهرتها الدراسة، أن أكثر من نصف المشاركين الذين صنّفهم اختبار البول كـ”غير مدخنين” وصفوا أنفسهم بأنهم “مدخنون سابقون”، وهو ما يشير إلى أن آثار التدخين تبقى في الجسم لفترات طويلة حتى بعد التوقف عنه، وربما تظل تؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية.
وقال الباحثون إن هذه النتيجة تؤكد ضرورة دمج اختبار الكوتينين مع مناقشة تفصيلية حول تاريخ التدخين الشخصي عند تقييم مخاطر القلب، بدلًا من الاعتماد على البيانات السطحية.
مستقبل الفحوص الحيوية والتقنيات الذكية
وفي ضوء النتائج، دعا فريق البحث إلى تعميم اختبار الكوتينين كجزء من الفحوص الروتينية للمدخنين أو من يشتبه في تعرضهم للتبغ، معتبرين أنه وسيلة فعالة للكشف المبكر عن عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب مستقبلاً.
كما أشاروا إلى أن التطورات الحديثة في مجال التقنيات القابلة للارتداء مثل الأجهزة الحيوية الذكية، قد تتيح في المستقبل رصدًا مستمرًا للتعرض للتبغ في الوقت الفعلي، ما يفتح آفاقًا جديدة لمتابعة المرضى وتحسين سبل الوقاية.
ويقول هانتر في ختام الدراسة:
“نحن نتحرك نحو عصر جديد في الطب الوقائي، حيث لن نعتمد فقط على ما يخبرنا به المريض، بل على بيانات حيوية دقيقة تُسجّل استجابته الفعلية للبيئة من حوله.”
الرسالة الأهم: الإقلاع لا يعني الأمان الفوري
خلصت الدراسة إلى أن الإقلاع عن التدخين يظل القرار الأهم لصحة القلب، لكنه لا يلغي الخطر بشكل فوري، إذ تبقى آثار النيكوتين والمواد السامة الأخرى تؤثر على الأوعية الدموية لفترات طويلة.
ولذلك، توصي الأبحاث بضرورة متابعة المدخنين السابقين طبياً بنفس دقة المدخنين الحاليين، مع اعتماد أساليب موضوعية مثل اختبارات البول والدم لمراقبة مؤشرات الخطر على المدى البعيد.
وفي النهاية، تُعيد نتائج جامعة ميشيغان فتح ملف قديم في علم القلب الوقائي، لتؤكد أن التدخين ليس مجرد عادة ضارة بالرئتين، بل هو عامل خطر صامت يهاجم ضغط الدم وصحة الشرايين، حتى بعد أن تنطفئ آخر سيجارة.
