بريطانيا – السابعة الإخبارية
الصدمات النفسية.. في دراسة حديثة أُجريت في جامعة أبردين البريطانية، أظهرت نتائج مثيرة أن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال في مرحلة الطفولة تزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية مزمنة تؤثر على حياتهم حتى سن الخمسين. ووفقًا للبحث، فإن تأثير هذه الصدمات لا يتوقف عند الآثار النفسية فحسب، بل يمتد ليشمل مشاكل جسدية مثل الألم المزمن والاضطرابات الهضمية، حيث أظهرت الدراسة أن النساء هن الأكثر تأثرًا بالصدمات النفسية مقارنة بالرجال.
ما هي التجارب السلبية في الطفولة؟
التجارب السلبية في الطفولة (ACEs) هي تلك الأحداث التي تترك أثرًا نفسيًا وجسديًا عميقًا على الطفل. تتضمن هذه التجارب أشكالًا متنوعة من الصدمات مثل الإساءة البدنية أو النفسية، الإهمال العاطفي، الصراعات الأسرية العميقة، التنمر، التحديات المالية، أو الأمراض المزمنة التي قد يعاني منها أحد الوالدين. على الرغم من أن هذه الصدمات تكون في كثير من الأحيان مرتبطة بحالة الطفولة، إلا أن آثارها قد تستمر لعقود وتؤثر على صحة الفرد في مراحل متقدمة من حياته.

تفاصيل الدراسة وأسلوب البحث
قام الفريق البحثي في جامعة أبردين بتحليل بيانات شاملة لأكثر من 16,000 شخص وُلدوا في المملكة المتحدة في عام 1958، وتم تتبع صحتهم على مدار عقود من الزمن حتى بلوغهم سن الخمسين. هدفت الدراسة إلى قياس تأثير التجارب السلبية في مرحلة الطفولة على الصحة الجسدية والنفسية للأفراد في مرحلة الرشد. ولتنفيذ الدراسة، تم جمع بيانات عن 14 نوعًا من التجارب السلبية في الطفولة (ACEs) من خلال متابعة الأشخاص الذين وُلدوا خلال أسبوع واحد في عام 1958 في إنجلترا، اسكتلندا، وويلز.
بمجرد بلوغ المشاركين سن الخمسين، أُجريت معهم مقابلات شاملة عن حالتهم الصحية الحالية باستخدام قائمة تضم 16 حالة مرضية متنوعة. كما فحص الباحثون أيضًا تأثير التجارب السلبية على ما يُعرف بالألم المزمن، الذي يُعد من الأسباب الرئيسة للإعاقة في جميع أنحاء العالم. ويُعد هذا النوع من الدراسات المقيّمة للألم المزمن من الدراسات النادرة التي تبحث في التأثيرات طويلة المدى للصدمات النفسية على صحة الجسم.
نتائج الدراسة: علاقة قوية بين الطفولة والأمراض المزمنة
توصلت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية في الطفولة أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية نفسية وجسدية عند بلوغهم سن الخمسين. وقد كانت أبرز النتائج التي توصل إليها الباحثون هي العلاقة القوية بين الطفولة الصادمة والألم المزمن، بالإضافة إلى مشاكل صحية نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
علاوة على ذلك، وجد الباحثون أن العلاقة بين عدد الصدمات التي تعرض لها الشخص في طفولته وبين المخاطر الصحية تزداد قوة بمرور الوقت. أي أن الأشخاص الذين مروا بأربع تجارب أو أكثر من التجارب السلبية في طفولتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية في سن الخمسين. وجاءت النتائج لتؤكد أن هذه الصدمات لا تقتصر فقط على التأثير النفسي ولكن أيضًا على صحة الأعضاء الداخلية، حيث تم رصد تأثيرات على الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي والربو والتهاب الشعب الهوائية بشكل ملحوظ بين النساء اللواتي تعرضن لصدمات الطفولة.

دور الصدمات في زيادة الإصابة بالأمراض المزمنة
الصدمات النفسية التي تحدث في الطفولة قد تكون أحد الأسباب الجذرية لظهور العديد من الأمراض المزمنة. على سبيل المثال، فقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين تعرضوا لمشاكل نفسية في طفولتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالألم المزمن في مراحل لاحقة من حياتهم، وهذا النوع من الألم لا يقتصر فقط على الجوانب الجسدية بل يضاف إليه التأثيرات النفسية مثل الاكتئاب الذي يزداد مع مرور الوقت. كما كشف البحث عن العلاقة القوية بين الصدمات في الطفولة والأمراض المزمنة مثل التهابات المفاصل، الأمراض القلبية الوعائية، ومرض السكري.
التأثير الأكبر على النساء
من بين نتائج الدراسة المثيرة هي تأثر النساء بشكل أكبر بالصدمات النفسية مقارنة بالرجال. ففي حين أظهرت نتائج البحث أن كلا من الرجال والنساء الذين تعرضوا لعدد أكبر من الصدمات النفسية في الطفولة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالألم المزمن والصحة النفسية الضعيفة، كان التأثير أكبر على النساء، حيث أظهرت الدراسة ارتباطًا قويًا بين الصدمات الطفولية وبين مشاكل صحية أخرى مثل اضطرابات الجهاز الهضمي والربو.
دور التدخل المبكر في الوقاية
تُبرز هذه النتائج أهمية التدخل المبكر في حالات الصدمات النفسية لدى الأطفال، وتوفير بيئة داعمة للطفل من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي. وعليه، فإن تمويل برامج الوقاية والدعم النفسي للأطفال قد يكون له تأثير كبير في تحسين الصحة العامة للأفراد على المدى الطويل. يمكن أن تساعد هذه البرامج في تقليل تعرض الأطفال لصدمات نفسية، وتخفيف آثارها السلبية المحتملة على الصحة في مراحل لاحقة من الحياة.

خاتمة: نحو بيئة أكثر دعمًا للأجيال القادمة
تُعد هذه الدراسة دليلاً إضافيًا على أن الصدمات النفسية في الطفولة لا تقتصر على تأثيراتها الفورية، بل قد تمتد لفترات طويلة تؤثر على صحة الفرد في مراحل لاحقة من حياته. ولذا، فإن تحسين الصحة النفسية للأطفال من خلال الدعم العائلي والمجتمعي، فضلاً عن اتخاذ إجراءات وقائية للتعامل مع هذه الصدمات، يعد أمرًا بالغ الأهمية. من خلال التدخل المبكر، يمكن الحد من الآثار السلبية لتجارب الطفولة الصعبة، وبالتالي تحسين نوعية حياة الأفراد وزيادة رفاههم في المستقبل.