الصين – السابعة الإخبارية
الأمعاء.. كشفت دراسة علمية حديثة أن صحة الأمعاء لا ترتبط فقط بعملية الهضم والمناعة، بل تلعب أيضًا دورًا مهمًا في جودة النوم، حيث أظهرت النتائج أن هناك علاقة مباشرة بين تكوين الميكروبيوم المعوي (مجتمع البكتيريا في الأمعاء) وبين الإصابة باضطراب الأرق.
بيانات واسعة النطاق
الدراسة التي أجرتها الباحثة شانغيون شي من جامعة نانجينغ الطبية في الصين اعتمدت على تحليل بيانات أكثر من 386 ألف شخص يعانون من الأرق. وتمت مقارنة هذه البيانات مع نتائج دراستين أخريين حول الميكروبيوم شملتا أكثر من 26 ألف مشارك، حيث تم تحديد 71 مجموعة بكتيرية مشتركة بين العينات.

ميكروبيوم الأمعاء والأرق: علاقة ثنائية الاتجاه
بحسب ما نقل موقع MSN Health، أوضحت النتائج أن أنواعًا معينة من البكتيريا المعوية قد ترفع أو تقلل من خطر الإصابة بالأرق. كما تبين أن الأرق نفسه يؤدي إلى تغييرات في وفرة بعض أنواع البكتيريا، ما يعني أن العلاقة بين الطرفين ثنائية الاتجاه ومعقدة.
• أظهر التحليل وجود ارتباط إيجابي بين 14 مجموعة بكتيرية وزيادة احتمالات الإصابة بالأرق بنسبة تراوحت بين 1% إلى 4%.
• في المقابل، وُجد ارتباط سلبي بين 8 مجموعات بكتيرية وانخفاض احتمالات الإصابة بالأرق بنسبة 1% إلى 3%.
• كما ارتبط الأرق بانخفاض أعداد 7 مجموعات بكتيرية بنسبة تتراوح بين 43% إلى 79%، وزيادة وفرة 12 مجموعة بكتيرية أخرى بأكثر من أربع مرات.
تداعيات طبية مهمة
تقول الباحثة شي إن نتائج دراستها تعزز الفرضية التي تشير إلى أن “الأرق يؤثر على ميكروبيوم الأمعاء، والعكس صحيح”. وهو ما قد يفتح الباب أمام استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف تعديل بكتيريا الأمعاء كوسيلة للحد من اضطرابات النوم.
ويؤكد الخبراء أن هذه النتائج تسلط الضوء على أهمية التعامل مع الأرق باعتباره حالة صحية معقدة لا ترتبط فقط بالدماغ أو الحالة النفسية، بل تشمل أيضًا الصحة الهضمية وتوازن البكتيريا النافعة في الجسم.
اختلافات بين الشعوب
أشارت الدراسة أيضًا إلى أن تكوين الميكروبيوم يختلف تبعًا للأعراق والمناطق الجغرافية، ما يعني أن تأثيراته على النوم قد تختلف بين المجتمعات. وهذا يستدعي مزيدًا من الأبحاث المتخصصة التي تراعي هذه الفروق عند البحث عن حلول علاجية موجهة.
كيف يمكن تعزيز صحة الأمعاء لتحسين النوم؟
يقترح الباحثون أن تحسين توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء يمكن أن يساعد على الحد من الأرق. ومن بين الوسائل التي أوصت بها الدراسة:
• مكملات البروبيوتك: وهي مستحضرات تحتوي على بكتيريا نافعة تساهم في إعادة التوازن إلى الميكروبيوم.
• الأطعمة الغنية بالألياف: مثل البقوليات، الشوفان، والخضروات الورقية.
• الخضروات المعروفة بدعم البكتيريا النافعة: مثل الأرض شوكي (الخرشوف) والبصل والثوم.
• نمط حياة صحي: يشمل تقليل التوتر، ممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على روتين نوم ثابت.

تفتح هذه الدراسة الباب أمام فهم جديد لعلاقة النوم بصحة الجهاز الهضمي، وتطرح سؤالًا مهمًا: هل يمكن أن يكون الحل لمشكلة الأرق موجودًا في الأمعاء أكثر مما هو في الدماغ؟
وبينما ما زالت هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وتطوير علاجات عملية، إلا أن المؤشرات الحالية توضح أن الاعتناء بصحة الأمعاء قد يكون خطوة فعالة نحو نوم أفضل وحياة أكثر توازنًا.
وتشير الباحثة شي إلى أن التحدي المقبل هو إجراء تجارب سريرية مباشرة على أشخاص يعانون من الأرق، لمعرفة مدى فعالية البروبيوتيك أو التعديلات الغذائية في تحسين النوم.
اختلافات جغرافية وثقافية
ولفتت الدراسة إلى أن تكوين الميكروبيوم يختلف بين الشعوب حسب العادات الغذائية والمناخ. فمثلاً، الأنظمة الغذائية الغنية بالخضروات والفواكه في شرق آسيا تدعم تنوعًا بكتيريًا أفضل من الأنظمة الغربية التي تكثر فيها اللحوم والدهون المشبعة. وهذا قد يفسر اختلاف معدلات الأرق بين المناطق.
تؤكد هذه الدراسة أن النوم الجيد يبدأ من الأمعاء. فإذا كان الدماغ يحتاج إلى راحة ليلية منتظمة ليعمل بكفاءة، فإن الأمعاء تحتاج إلى تغذية صحية ومتوازنة للحفاظ على بيئة ميكروبية داعمة لهذا النوم.
وبينما لا تزال الأبحاث في بدايتها، إلا أن النتائج تمنح الأمل لملايين الأشخاص الذين يعانون من الأرق المزمن، بأن الحل قد يكون أقرب مما يتصورون، يبدأ من طبق غني بالألياف أو مكمل بروبيوتيك بسيط.
