أمريكا – السابعة الإخبارية
سرطان الثدي.. كشفت دراسة علمية حديثة، أجراها فريق بحثي من المركز الطبي بجامعة تكساس ساوثويسترن، عن نتائج وُصفت بأنها قد تُحدث تغييرًا جذريًا في أسلوب علاج سرطان الثدي الإيجابي الهرموني في مراحله المبكرة. ووفقًا لما نشره موقع “Medical Xpress” نقلًا عن دورية JAMA Network Open، فإن جرعة واحدة عالية ومُوجهة من الإشعاع تُعطى قبل أي علاج آخر، قد تكفي للقضاء الكامل على الورم لدى غالبية المريضات اللاتي يستطعن الخضوع للجراحة.
وتأتي أهمية هذه النتائج من كون هذا النوع من السرطان هو الأكثر شيوعًا بين النساء، وغالبًا ما يتطلب مسارًا طويلًا من العلاج يبدأ بالجراحة، ثم يتدرج بين الإشعاع والعلاج الهرموني وربما الكيميائي، ما يجعل أي اختصار في زمن العلاج أو خفضًا في آثاره الجانبية خطوة محورية في تحسين جودة حياة المريضات.

تقدم طبي يعيد ترتيب أولويات العلاج
الدكتور أسال رحيمي، المدير الطبي لمكتب الأبحاث السريرية في مركز هارولد سي. سيمونز للسرطان، وقائد الفريق البحثي، أكد أن هذه النتائج تمثل “تقدمًا مهمًا في طريقة علاج هذا النوع من السرطان”. وأوضح أن بروتوكول الجرعة الواحدة الموجهة يوفر على المريضات وقتًا طويلًا كنّ يقضينه سابقًا في جلسات العلاج الإشعاعي، ويمنحهن فرصة الخضوع لجراحات تجميلية أو إعادة بناء للثدي دون أن يتعرضن لخطر تأثير الإشعاع على نتائج تلك الجراحات.
وأشار رحيمي إلى أن هذا التغيير في تسلسل العلاج يخلق مساحة أكبر من المرونة، ويقلل من العبء النفسي والجسدي على المريضات، خصوصًا أن العلاج الإشعاعي التقليدي يتطلب ترددًا يوميًا على المستشفيات لمدة قد تصل إلى ستة أسابيع ونصف.
كيف يختلف الإشعاع الموجَّه عن الأسلوب التقليدي؟
عادةً ما يحصل مرضى سرطان الثدي على الإشعاع بعد الجراحة عبر جرعات يومية صغيرة تتراوح بين 1.8 و2.67 جراي، وهو ما يتطلب من 16 إلى 33 جلسة. أما في التجربة الجديدة، فقد اعتمد الباحثون نهجًا مختلفًا تمامًا يقوم على إعطاء جرعة واحدة عالية ومركزة بدقة في منطقة الورم، ما يقلل مساحة الأنسجة المتعرضة للإشعاع بما يزيد على مئة مرة مقارنة بالعلاج التقليدي.
وتتميز هذه المقاربة بأنها لا توفر الوقت فقط، بل تخفض بشكل كبير من المضاعفات المحتملة، كما تُسهِم في تقليل مقدار الضرر الذي يلحق بالأنسجة المحيطة، مما يفتح الباب أمام خيارات جراحية تجميلية متقدمة دون تعقيدات.
تفاصيل الدراسة: جرعة واحدة تغيّر المعادلة
شملت الدراسة 44 مريضة مصابة بسرطان الثدي الإيجابي الهرموني في مراحله المبكرة، وهو النوع الذي يمثل ما بين 60% و75% من إجمالي حالات سرطان الثدي عالميًا. قام الباحثون بتقسيم المشاركات إلى ثلاث مجموعات حصلت كل منها على جرعة واحدة من الإشعاع بقوة 30 أو 34 أو 38 جراي.
وبعد تلقي الجرعة، بدأت المريضات برنامجًا من الأدوية الهرمونية المثبطة للسرطان، كما تم تأجيل الجراحة لفترة متوسطة بلغت 9.8 أشهر كي يتسنى تقييم تأثير الجرعة الإشعاعية بوضوح قبل إزالة أي بقايا ورمية محتملة.

نتائج مبهرة: 72% بلا أي ورم متبقٍ
أظهرت النتائج أن 72% من المريضات حققن “استجابة مرضية كاملة”، بمعنى أن الجراحين لم يجدوا أي أثر للورم عند إجراء العملية. أما 21% من المشاركات فقد حققن “استجابة شبه كاملة”، أي أن الأورام اختفت بنسبة تزيد على 90%، ما يشير إلى فعالية قوية للغاية لهذا النهج.
وتعزز هذه النتائج فرضية أن الإشعاع الموجه يمكن أن يكون أكثر من مجرد خطوة علاجية مساندة؛ بل ربما يتحول في المستقبل إلى إجراء قد يغني عن الجراحة في بعض الحالات، في حال أثبتت الدراسات الأكبر قدرة الجسم والمناعة على التخلص من بقايا الخلايا السرطانية بعد الجرعة الأولى.
التوقيت هو العامل الأهم في نجاح العلاج
ومن النتائج اللافتة التي أظهرتها الدراسة أن العامل الأكثر ارتباطًا بحدوث الاستجابة الكاملة لم يكن الجرعة نفسها ولا حجم الورم، بل الوقت الذي انتظرته المريضة قبل الخضوع للجراحة. فكلما امتدت الفترة بين الجرعة الإشعاعية والعملية، زادت احتمالية اختفاء الورم بالكامل.
ويفسر الدكتور رحيمي هذا الأمر بأن الخلايا السرطانية تحتاج وقتًا لتدمير نفسها بعد التعرض للإشعاع، بينما يقوم الجهاز المناعي خلال الأسابيع اللاحقة بإزالة البقايا الميتة تدريجيًا، مما يعزز نسب الشفاء.
آفاق مستقبلية قد تغير قواعد العلاج
تفتح هذه النتائج الباب واسعًا أمام مرحلة جديدة في علاج السرطان، حيث يمكن تقليل عدد الجراحات وربما الاستغناء عنها في بعض الحالات المستقبلية. كما أن تقليل عدد جلسات الإشعاع يُعد عاملًا مهمًا لخفض التكلفة وتسهيل الوصول للعلاج في المجتمعات التي تعاني من نقص في مراكز الأورام.
ويؤكد الباحثون أن الخطوة المقبلة هي إجراء دراسات سريرية أوسع تضم أعدادًا أكبر من المريضات، وذلك لتقييم فعالية البروتوكول على نطاق أوسع، وتحديد أي مخاطر طويلة الأمد محتملة.

