سوريا – السابعة الاخبارية
دريد لحام، في أولى حلقات برنامجها الجديد “أوه لا لا”، استضافت الفنانة السورية شكران مرتجى أسطورة الكوميديا العربية دريد لحام، الذي فتح صندوق ذكرياته الغني بالأحداث الفنية والإنسانية، متحدثًا عن تجاربه الطويلة، وعلاقاته بزملائه في الوسط الفني العربي، ومن بينهم الزعيم المصري عادل إمام والراحل زياد الرحباني.
وبأسلوبه الهادئ والمفعم بالحنين، قدّم دريد لحام خلال اللقاء صورة عن مرحلة ذهبية من الفن العربي، تميّزت بالالتزام والإبداع والتجريب، وكشف عن عمل سينمائي كان من المفترض أن يجمعه بعادل إمام قبل أن يُطوى المشروع دون أن يرى النور.
دريد لحام يكشف فكرة فيلم لم تُنفذ تجمع بينه وعادل إمام
من أبرز لحظات اللقاء، حديث دريد لحام عن الصورة القديمة التي جمعته بعادل إمام على غلاف مجلة “الموعد” الشهيرة، والتي كانت في حينها إعلانًا عن مشروع سينمائي عربي مشترك بين النجمين بعنوان “وطن في السماء”.
قال لحام بابتسامة يغلبها الأسف:
“كانت الفكرة أن نعمل هذا الفيلم، لكنني تكاسلت ولم أكتبه.”
وأضاف أن فكرة الفيلم كانت تدور حول ضياع جوازي سفر البطلين، فيجدان نفسيهما في موقف عبثي، حيث لا تستطيع أي دولة في العالم استقبالهما، فيتم إعادتهما إلى الطائرة في كل مرة يحاولان النزول فيها إلى أي بلد، حتى يظلا يعيشان داخل الطائرة إلى ما لا نهاية.
وأوضح لحام أن القصة كانت تحمل رمزية سياسية وإنسانية، إذ تعبّر عن حال المواطن العربي الذي يشعر بأنه لا ينتمي إلى أي وطن محدد، وأن الحدود والفوارق السياسية تفصله عن إنسانيته قبل أن تفصله عن أرضه.
ورغم بساطة الفكرة، فإنها كانت تنطوي على رسالة عميقة عن العزلة والهوية والانتماء، وهي موضوعات طالما تناولها دريد لحام في أعماله المسرحية والسينمائية مثل “الحدود” و”التقرير”، ما جعل الجمهور يأسف لعدم تنفيذ المشروع الذي كان سيجمع اثنين من عمالقة الكوميديا في العالم العربي.
احترام متبادل رغم غياب التعاون الفني
لم يلتقِ دريد لحام وعادل إمام في أي عمل فني مشترك، رغم التشابه الكبير في تجربتيهما ومسيرتيهما الطويلتين في المسرح والسينما. ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما اتسمت بالاحترام العميق والتقدير المتبادل.
يروي لحام أن بداية التعارف جاءت بعد أن شاهد عادل إمام فيلم “الحدود” الذي أخرجه ولعب بطولته دريد لحام عام 1984، وأبدى إعجابه الكبير بالعمل، معتبرًا أنه من أجمل الأفلام التي تناولت قضايا العرب بروح ساخرة وعقل ناقد.
وبعدها، عبّر إمام عن رغبته في التعاون مع لحام، فبدأ الحديث عن مشروع فيلم مشترك، لكن انشغالهما بأعمال أخرى حال دون تنفيذ الفكرة.
ويقول دريد لحام:
“عادل إمام فنان كبير ومبدع، لديه قدرة مذهلة على الجمع بين الكوميديا والدراما، وأنا أقدّره جدًا وأحترم مسيرته.”
أما عادل إمام، فسبق له في مقابلات سابقة أن وصف دريد لحام بأنه “رمز للكوميديا الهادفة”، وأن أعماله تمثل “مدرسة في النقد الاجتماعي والسياسي الراقي”.
هذا الاحترام المتبادل جعل الجمهور العربي يرى فيهما وجهين لعملة واحدة، يمثلان مدرسة الكوميديا الهادفة التي تجمع بين الضحك والتفكير، وبين الفن والرسالة.
أوراق من الذاكرة: دريد لحام يتحدث عن زياد الرحباني
في سياق الحلقة، تحدث دريد لحام أيضًا عن الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني، واصفًا إياه بأنه “فنان لا يُعوَّض، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل”.
وقال لحام إنه لم يلتقِ زياد شخصيًا، لكنه كان على صداقة وثيقة مع والده الفنان الكبير عاصي الرحباني وعمّه منصور الرحباني، وإن العلاقة بين العائلتين كانت قائمة على المحبة والتقدير المتبادل.
وأضاف دريد:
“كنت أقدّم عروضنا المسرحية في بيروت، وكان زياد يحضرها. وبالمقابل، كنت أحرص على حضور مسرحياته. كان فنانًا منتمياً لقضاياه، جريئًا في أفكاره، وصادقًا في فنه.”
ووصفه بـ”المنتمي”، في إشارة إلى التزام زياد الرحباني السياسي والفكري والفني بقضايا الإنسان العربي، معتبرًا أن رحيله ترك فراغًا لا يمكن أن يُملأ، لأن فنه تجاوز حدود الزمان والمكان.
ذكريات فنية وإنسانية لا تُنسى
لم يكن اللقاء مقتصرًا على الحديث عن الأسماء اللامعة، بل غاص دريد لحام في ذكرياته الخاصة عن رحلته الطويلة في الفن التي امتدت لأكثر من ستة عقود، قدّم خلالها أعمالاً خالدة في المسرح والسينما والتلفزيون، ما جعله أيقونة فنية على مستوى الوطن العربي.
تحدث عن بداياته المتواضعة، وعن المراحل الصعبة التي مرّ بها قبل أن يسطع اسمه، وعن علاقته بزملائه الذين شكّل معهم ثنائيات ناجحة مثل نهاد قلعي ورفيق سبيعي، مشيرًا إلى أن تلك الفترة كانت مليئة بالشغف، حيث كان الفن بالنسبة لهم “قضية قبل أن يكون مهنة”.
ولم يخلُ اللقاء من لحظات عاطفية، إذ تذكر لحام بعض الراحلين من رفاق دربه، قائلاً:
“كنا نعمل بحب، ولم نكن نحسب الربح أو الشهرة. كان همّنا أن نقدم فناً يعبر عن الناس ويشبههم.”
عن الفن والرسالة والواقع
تطرق لحام خلال الحوار إلى رؤيته للفن اليوم، معتبراً أن الفن الحقيقي هو الذي يحمل همّ الناس ويعبر عن وجعهم وأحلامهم، مشيرًا إلى أن الكوميديا ليست ترفًا أو لهواً، بل أداة فكرية لنقد الواقع.
وقال:
“حين تضحك الناس على مشكلتها، تكون قد خفّفت عنها الألم وفتحت باب الأمل. الضحك الواعي هو مقاومة أيضاً.”
وتابع أن أعماله القديمة مثل “غوار الطوشة”، و”كاسك يا وطن”، و”الحدود” لا تزال تُشاهد لأنها كانت نابعة من قلب الواقع العربي، ومبنية على قضايا حقيقية مثل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
علاقته بشكران مرتجى: بين الأجيال والفكر
أظهرت الحلقة انسجامًا واضحًا بين دريد لحام ومقدمة البرنامج شكران مرتجى، التي عبّرت عن فخرها باستضافته في أولى حلقات برنامجها، معتبرة أن ظهوره يمثل “فاتحة خير” لمسيرتها الإعلامية الجديدة.
وقدمت شكران الحلقة بلغة مليئة بالحب والاحترام، مؤكدة أن دريد لحام ليس مجرد فنان، بل رمز وذاكرة وطنية. وردّ عليها لحام قائلاً:
“سعادتي كبيرة بأن يكون جيلي قد ترك أثراً يراه الجيل الجديد، وأن هناك من يكمل المسيرة بشغف وإخلاص مثلكم.”
هذا التبادل الإنساني بين الجيلين جعل اللقاء يتجاوز حدود الحوار التلفزيوني ليصبح درساً في الوفاء للفن والذاكرة والتاريخ.
رمزية “وطن في السماء”… حلم مؤجل
الحديث عن الفيلم الذي لم يُنفذ بين دريد لحام وعادل إمام فتح الباب أمام تأملات حول رمزية القصة التي كتبها الزمن ولم تُكتب على الورق.
فالفكرة التي تدور حول شخصين بلا هوية ولا جواز، يعيشان في طائرة لا تستقر في أي مطار، تُعيد للأذهان الكثير من معاني الاغتراب التي يعيشها الإنسان العربي اليوم، وسط الحدود والقيود والانقسامات.
ويبدو أن “وطن في السماء” كان ليكون صرخة فنية فلسفية عن فكرة المواطنة والانتماء، وعن الحلم بوطن يجمع الجميع دون حواجز سياسية أو فكرية.
لكن رغم غياب الفيلم، فإن مجرد الحديث عنه اليوم يعيد التأكيد على عمق تفكير دريد لحام وقدرته على تحويل المواقف اليومية إلى رموز إنسانية عالمية.
إرث دريد لحام الفني… ذاكرة لا تُنسى
من خلال اللقاء، بدا واضحًا أن دريد لحام لا يزال يحتفظ بوهجه الإنساني والفني، رغم تجاوزه الثمانين من عمره، إذ يتحدث بحيوية وشغف كأنه لا يزال في بداية الطريق.
لقد بنى لحام خلال مسيرته مدرسة فنية قائمة على الفكر والضحك والرسالة، فكان فنانًا ملتزمًا بقضايا وطنه وإنسانيته، ونجح في أن يُضحك الجمهور ويبكيه في الوقت نفسه.
ولعل حديثه عن عادل إمام وزياد الرحباني يؤكد أنه يرى الفن جسرًا يوصل بين الشعوب، لا حدودًا تفصل بينها، وأن القيم الفنية الكبرى لا تتأثر بالسياسة أو الزمن.
أعاد لقاء دريد لحام في برنامج “أوه لا لا” إلى الأذهان الزمن الجميل للفن العربي، حين كان الفن رسالة وحلمًا مشتركًا. وبينما تحدّث عن فيلم لم يُصوَّر وعن فنانين رحلوا، بدا واضحًا أنه يتحدث عن فن لم يمت ولن يموت، لأن جوهره باقٍ في ذاكرة الشعوب.
وربما لم يُكتب لـ”وطن في السماء” أن يُنفذ كفيلم، لكنه ظلّ رمزًا لوطن في القلب والفكر، وطن يصنعه الفن والإنسان معًا.
وهكذا، يبقى دريد لحام واحدًا من أعمدة الفن العربي الأصيل، الذي علّم أجيالاً أن الضحك يمكن أن يكون أداة وعي، وأن الكوميديا يمكن أن تحمل أعمق الرسائل السياسية والإنسانية.
فهو الفنان الذي عاش عمره “في الطائرة”، يحلم بوطن واحد في السماء، يجمع الجميع على ضوء الإبداع والكرامة والإنسانية.