متابعات- السابعة الإخبارية
بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، قضى السوري عبد الرحمن كيوان نحو شهرين حين تقطعت به السبل في الغابات.. يتحدث الرجل في هذا المقال عن معاناته خلال رحلته من بيلاروسيا إلى أوروبا طلبًا للجوء، قائلا: “عندما أتذكر تلك الأيام المظلمة في الغابة، أشعر بصدمة نفسية”.
فقبل بضعة أشهر فقط، وفي يوم بارد من أيام ديسمبر/ كانون الأول، كان عبد الرحمن محاطًا بالثلوج الكثيفة وقد انهار من الإرهاق يحدوه أمل ضئيل في النجاة.
يقول عبد الرحمن: “لم أستطع تحمل ذلك الوضع. لم تعد ساقي المصابة قادرة على حملي”.
كان يسير لأسابيع في الغابات التي تفصل بيلاروسيا عن لاتفيا، العضو في الاتحاد الأوروبي. استمر حرس الحدود من كلا الجانبين في دفعه ذهابًا وإيابًا بين البلدين الواقعين في أوروبا الشرقية.
يقول إن الوصول إلى أوروبا كان بمثابة “رحلة موت”، لكنها كانت رحلة يجب عليه القيام بها أثناء فراره من الحرب في سوريا.
ومع محدودية الحركة بسبب إصابة حرب في ساقه، احتاج عبد الرحمن إلى طريق سهل نسبيًا إلى أوروبا.
وتعلن مجموعة كبيرة من المنشورات على موقع فيسبوك من حسابات باللغة العربية، لم يتم التحقق منها، عن تأشيرات دخول إلى روسيا وطريق سهله يديرها مهربون عبر بيلاروسيا.
لقد قام أصدقاؤه بالرحلة بالفعل. وأخبروه أن هذا هو أفضل خيار له، لكن الواقع أثبت أنه أكثر قسوة.
“فقدان الأمل”
بعد ثلاث محاولات فاشلة للعبور بشكل غير قانوني من بيلاروسيا إلى بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، حاول عبد الرحمن وعدد من الأشخاص الآخرين في نوفمبر/ تشرين الثاني، الوصول إلى لاتفيا.
ساروا عشرات الكيلومترات فوق حوالي 30 بوصة من الثلوج عبر الغابات، مزودين بالقليل من الطعام والشراب.
ويقول عبد الرحمن: “كنا نرتعد من البرد. عندما كنا نمشي، نشعر بالدفء قليلاً. لكن عندما كنا نجلس نشعر أن ملابسنا مبللة تماما بسبب الثلج”.
عندما نفد منهم الماء، امتصوا ما تساقط من كرات الثلج ليحافظوا على رطوبة أجسامهم.
ويضيف: “لقد فقدنا الأمل. لقد أرسلنا رسائل إلى عائلاتنا نطلب منهم مسامحتنا، لأننا لم نعتقد أننا سنبقى على قيد الحياة”.
عصام شاب سوري آخر كان مع عبد الرحمن في أجزاء من رحلته.
قضى كلاهما أسابيع عالقين في الغابة. بمجرد عبورهم إلى لاتفيا، دفعهم حرس الحدود للعودة إلى بيلاروسيا، والعكس صحيح.
ويقول عصام “ظللنا نقول (للضباط اللاتفيين): حرس الحدود البيلاروسيين لا يسمحون لنا بالعودة إلى مينسك، وأنتم لا تسمحون لنا بالدخول إلى لاتفيا، ماذا تريدون منا أن نفعل؟”
في لاتفيا، احتجزهم حرس الحدود في خيمة وصفها كل من عصام وعبد الرحمن بأنها “قذرة” و”مزدحمة”.
يقدر عبد الرحمن أنه كان على بعد ساعات قليلة من مكتبهم الرئيسي باتجاه حدود بيلاروسيا.
ويضيف أن الناس يمكن أن يقضوا في أي مكان من بضع ساعات إلى يومين، أو حتى أشهر في الخيمة قبل مرافقتهم عبر الحدود.
ويقول عصام، الذي وصف معاملتهم بأنها “مهينة”، “لم تكن بها مراحيض ولا ماء ولا أي شيء. لم يُسمح لنا بمغادرة الخيمة بدون إذن”.
مزاعم العنف
يقول عبد الرحمن إن الضباط ضربوه بهراوات الصعق على ساقه المصابة في الخيمة في لاتفيا، ثم تم إعادته عبر الحدود. وفي محاولته الثالثة للعبور فقد وعيه.
عندما أفاق عبد الرحمن، قال إن الجنود في الخيمة “ثبتوه وأطفأوا ست سجائر في ساقه المصابة”.
ويضيف أنه احتُجز قرابة أسبوعين في الخيمة. وعندما تدهورت صحته في أوائل يناير/ كانون الثاني، نقل في النهاية إلى مستشفى قريب في لاتفيا.
ويقول عصام أيضًا إنه تعرض للضرب على أيدي ضباط الحدود، مضيفا أنه رأى جنودًا من لاتفيا يضربون صبيًا يبلغ من العمر 16 عامًا وشابة ناشدتهما السماح لهما بدخول البلاد.
ويستطرد قائلا: “عندما واجهتهم وسألتهم لماذا يضربون (المرأة)، ضربوني. ركلني أحد الحراس بقدمه”.
حرب هجينة؟
كانت قضية الهجرة في الاتحاد الأوروبي المكون من 27 عضوا مثيرة للانقسام لسنوات.
الحدود بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا هي أحدث بؤرة التوتر.
فمنذ أن فرضت بروكسل عقوبات على مينسك بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2020، تدهورت العلاقات.
وتتهم دول الاتحاد الأوروبي مينسك وحليفتها روسيا باستخدام المهاجرين كأدوات “للحرب الهجينة”.
وتعتبر لاتفيا المهاجرين “سلاح حرب” يجب إعادتهم عبر الحدود لأسباب أمنية. وتقول إنها منعت 10524 محاولة من المهاجرين للعبور بشكل غير قانوني من بيلاروسيا، منذ أغسطس/ آب عام 2021.
وقالت وزارة الداخلية في لاتفيا في بيان لبي بي سي: “حماية الحدود الخارجية للاتفيا والاتحاد الأوروبي هو واجبنا الأساسي”، مضيفة أنها ليست ملزمة بقبول كل من يعبرون بشكل غير قانوني.
وتنفي الوزارة ارتكاب أي مخالفات أو إساءة معاملة للمهاجرين الممنوعين من دخول البلاد.
وجاء في البيان أن “المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المساعدة الطبية اللازمة، تقدم لمن يمنعون من عبور حدود الدولة بشكل غير قانوني”.
دعوى جنائية ضد متطوعين
على الرغم من أن الكثيرين في لاتفيا يؤيدون قرار الحكومة صد من يصفونهم بـ”المهاجرين غير الشرعيين” القادمين من بيلاروسيا، إلا أن البعض يحاول إيقاف ذلك.
إيفا راوبيشكو هي واحدة من هؤلاء. إنها تساعد المهاجرين من الشرق الأوسط، وخاصة أولئك الذين يجدون أنفسهم عالقين بمنطقة الحدود بين لاتفيا وبيلاروسيا.
وعندما كان عصام ومجموعته يائسين، اتصلوا بالمتطوعين للحصول على المساعدة، والذين رفعوا بعد ذلك قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وأصدرت المحكمة إجراءً مؤقتًا أو عاجلاً، يجبر لاتفيا على استقبال المهاجرين مؤقتًا وتزويدهم بالمساعدة الإنسانية. هُرعت إيفا وزميلتها إلى الحدود للتأكد من عدم طرد عصام ومجموعته من البلاد.
وتقول إيفا: “انتظرنا ساعتين. لم نكن متأكدين مما إذا كانوا سيفعلون ذلك، لكنهم فعلوا. سقط المهاجرون على الثلج، وكان أحدهم يرتجف. لقد صدمنا”.
لكن حالة الطوارئ المفروضة في المنطقة منذ عام 2021 تعني أنه لا يُسمح للمتطوعين، أو الصحفيين أو المنظمات الدولية، بالدخول إلى المنطقة الحدودية دون إذن خاص. كانت إيفا وزميلها إيغلز هناك بشكل غير قانوني.
الآن، يواجه كلاهما دعوى جنائية تتهمهما بمساعدة المهاجرين على العبور إلى لاتفيا بشكل غير قانوني.
وتعتقد إيفا أن هناك جانبا جيدا للدعوى. “قضيتنا الجنائية جعلت المزيد من الناس يتحدثون لدعم المهاجرين … الأشخاص الذين كانوا صامتين حتى الآن”.
وتضيف: “إذا لم نمنح هؤلاء الأشخاص الفرصة لتقديم طلب لجوء بشكل قانوني، فإن الاتجار غير المشروع سيزداد”.
لقد نجح عبد الرحمن الآن في الوصول بأمان إلى بلد أوروبي، لكنه لا يريد الكشف عن مكانه بالضبط لأسباب أمنية.
وبدأ عصام إجراءات اللجوء في لاتفيا، لكنه سرعان ما غادر إلى هولندا حيث يعيش شقيقه. إنه ممتن إلى إيفا لمساعدتها لكنه لا يريد العودة.
ويقول “كيف يمكنني العودة إلى بلد عاملني بقسوة شديدة؟ لقد ضربونا وعاملونا بطريقة وحشية للغاية”.
ويقول كل من عصام وعبد الرحمن إنهما يندمان الآن على قيامهما بالرحلة الصعبة عبر بيلاروسيا.
ويقول عصام: “أقسم أننا كنا سعداء في سوريا. لكنني هربت من الحرب والحياة الصعبة. أين كان يجب أن أذهب؟ رحلة الموت هذه كانت فرصتي الوحيدة”.