السعودية – السابعة الإخبارية
عبدالعزيز آل الشيخ.. فقدت المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي مساء اليوم علمًا من أعلام الشريعة الإسلامية، بوفاة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة وعضو هيئة كبار العلماء، بعد مسيرة زاخرة امتدت لعقود من العطاء في ميادين الفقه والدعوة والتعليم.
جاء إعلان الوفاة ليمثل لحظة حزن عميقة بين الأوساط الدينية والرسمية والشعبية داخل المملكة وخارجها، حيث نعاه العلماء وطلبة العلم والمواطنون، مستذكرين ما قدمه من إسهامات كبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين.
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ.. النشأة والجذور العلمية
وُلد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبداللطيف آل الشيخ يوم الأربعاء 6 صفر 1362هـ، الموافق 10 فبراير 1943م، في مكة المكرمة. وينتمي إلى أسرة آل الشيخ العريقة، التي تعود في نسبها إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب، مجدد الدعوة السلفية في شبه الجزيرة العربية.
فقد بصره في سن مبكرة، لكنه لم يفقد بصيرته، فوجه جهوده نحو تحصيل العلم الشرعي، حتى غدا من كبار علماء المملكة وأكثرهم تأثيرًا في العصر الحديث. وقد تلقى تعليمه على يد نخبة من العلماء المعروفين في المملكة، أبرزهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمهما الله.

بداية المسيرة التعليمية والدعوية
بدأ الشيخ عبدالعزيز مسيرته العلمية كمدرس في معهد إمام الدعوة العلمي في الرياض بتاريخ 1 رجب 1384هـ، حيث برزت قدراته العلمية والشرعية منذ وقت مبكر. وبعد خمس سنوات فقط، في عام 1389هـ، تولى الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم في حي دخنة بمدينة الرياض، خلفًا لشيخه ومعلمه.
في الجانب الأكاديمي، حصل الشيخ على درجة أستاذ مساعد بكلية الشريعة عام 1399هـ، ثم رُقي إلى مرتبة أستاذ مشارك عام 1400هـ، وهو ما يعكس مكانته العلمية المبكرة وثقة المؤسسات الدينية في كفاءته.
إمام يوم عرفة لعقود
من أبرز محطات الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، توليه إمامة وخطابة مسجد نمرة بعرفة خلال موسم الحج، وذلك ابتداءً من عام 1402هـ. وقد استمر في أداء خطبة يوم عرفة، التي تُعد من أهم وأشهر الخطب في العالم الإسلامي، لمدة 35 عامًا متواصلة، حتى عام 1436هـ.
ويُعد بذلك من أطول من تولى خطبة هذا اليوم في التاريخ الإسلامي الحديث، حيث شكّل حضوره في هذا المنبر الديني البارز محطة سنوية ينتظرها المسلمون من أنحاء العالم لسماع كلمته الجامعة في مسائل العقيدة والفقه والشأن العام.
مناصب عليا في الشأن الديني
عُيِّن الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عضوًا في هيئة كبار العلماء في شهر شوال عام 1407هـ، ثم عُيِّن عضوًا متفرغًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة ممتازة في 15 رجب 1412هـ، وهو الجهاز الشرعي الرسمي المعني بالإفتاء في المملكة.
وفي عام 1414هـ، وبعد وفاة المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز، تولى الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية، وهو أعلى منصب ديني رسمي في البلاد. ومن خلال هذا المنصب، كان صوتًا مرجعيًا للمجتمع والدولة في قضايا الشريعة، حيث أصدر مئات الفتاوى التي أثرت في السياسات والتوجهات الدينية والاجتماعية.
مواقف مؤثرة وإرث خالد
اتسمت فتاوى ومواقف الشيخ عبدالعزيز بالحكمة والاتزان، وكان حريصًا على وحدة الصف وتماسك المجتمع، ودائمًا ما دعا إلى الالتفاف حول ولاة الأمر، وحذر من الغلو والتطرف. كما كان له دور بارز في التصدي للأفكار المنحرفة والتنظيمات المتطرفة، وبيّن بالحجة والدليل خطرها على الدين والمجتمع.
كما عُرف بدعمه للوسطية والاعتدال، وتمسكه بمبادئ الدعوة السلفية في صورتها العلمية والدعوية، بعيدًا عن العنف أو التشدد.

ردود الفعل على وفاته
نعى عدد من العلماء وطلبة العلم في المملكة وخارجها الشيخ الراحل، وأشادوا بإرثه العلمي الكبير، وأثره في الدعوة والإفتاء، كما صدرت بيانات تعزية رسمية من جهات دينية وحكومية، أكدت جميعها على أن وفاته تمثل خسارة كبيرة للأمة الإسلامية.
وتصدّر وسم #وفاة_الشيخ_عبدالعزيز_آل_الشيخ منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المغردون عن حزنهم، وسردوا مآثر الشيخ ومواقفه المؤثرة، داعين له بالرحمة والمغفرة.
الختام
برحيل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، تطوي المملكة صفحة مشرقة من صفحات علمائها الكبار، الذين جمعوا بين العلم والعمل والدعوة والإصلاح، وتركوا وراءهم إرثًا لا يُنسى. فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
