ألمانيا – السابعة الإخبارية
روبوت .. دخلت التكنولوجيا مجال البناء في ألمانيا خطوة كبيرة نحو المستقبل، حيث بدأ الروبوت الجديد الذي طوّرته جامعة ميونخ التقنية في العمل جنبًا إلى جنب مع البشر على مواقع البناء.
هذه المبادرة تأتي في إطار سعي الباحثين لتطوير تقنيات حديثة تعزز من قدرة الإنسان في مواجهة التحديات المختلفة في مجال الإنشاءات، بما في ذلك تحسين دقة العمل وزيادة كفاءة الإنتاج.
الـ روبوت جديد أثبت قدرته على التعاون مع الحرفيين بشكل فاعل، حيث ساهم في بناء جدار محسّن مناخيًا داخل حرم الجامعة، في تجربة تعتبر الأولى من نوعها في مجال البناء المتكامل بين الإنسان والآلة.

روبوت: تصميم مميز وآلية عمل متطورة
يتميز الروبوت الذي طوّرته جامعة ميونخ التقنية بذراع آلية تحمل ممسكًا مخصصًا للبناء. كما أنه مثبت على قاعدة متحركة تسمح له بالتحرك أفقياً، مما يمكنه من الوصول إلى أي نقطة داخل الجدار الذي يعمل عليه. حجم الجدار الذي تم بناؤه في هذه التجربة كان حوالي 4 أمتار عرضًا و2.5 متر ارتفاعًا. هذه الأبعاد تعتبر مثالية لتحديد مدى قدرة الروبوت على التحرك في بيئة بناء حقيقية، حيث يمكنه الوصول إلى الأماكن الدقيقة التي يصعب على الإنسان الوصول إليها بشكل سهل.
ما يميز هذا الروبوت أكثر هو أنه يحتوي على نظام رقمي متطور يتيح له تخزين نسخة رقمية من الجدار الذي يبنيه. هذا النظام يُعَدُّ خطوة هامة في عملية التصميم والبناء، حيث يمكن اعتبار عملية التجميع جزءًا من عملية التصميم منذ البداية. بهذا الشكل، يتكامل الروبوت بشكل مباشر مع عملية التفكير التصميمي للحرفيين، ويضيف عنصراً رقميًا يسهم في رفع الكفاءة وزيادة دقة البناء.
روبوت: تكامل مع الحرفيين لا استبدال لهم
رغم أن بعض الناس قد يعتقدون أن الروبوتات قد تحل محل العاملين البشر في البناء، إلا أن التجربة في جامعة ميونخ تؤكد أن الروبوت لا يهدف إلى استبدال الحرفيين، بل إلى تكملة مهاراتهم. كما أوضح ماركوس بروكنر، مدرب عمال البناء في نقابة ميونيخ-إيبرسبيرغ، فإن الروبوت يوفر دقة عالية في العمل، خاصة في المواقف التي قد تصل فيها مهارات البشر إلى حدودها. يتيح الروبوت للحرفيين القدرة على تنفيذ أعمال دقيقة تتطلب مستوى من التركيز والمهارة يتجاوز قدرات الإنسان في بعض الأحيان.
في تجربة بناء الجدار، شارك ثلاثة متدربين من جامعة ميونخ التقنية في العمل جنبًا إلى جنب مع الروبوت، حيث أوضح أحدهم أن العمل مع ذراع آلية كان غريبًا في البداية، ولكن مع مرور الوقت أصبح التعاون بين البشر والروبوت أمرًا مألوفًا. هذه التجربة تدل على أهمية تأقلم الحرفيين مع التقنيات الجديدة وكيف يمكن للإنسان والآلة أن يعملوا معًا بشكل متكامل.

دقة وضع الطوب: تأثير الضوء والظل
واحدة من النقاط التي ركزت عليها التجربة كانت تحسين وضع الطوب داخل الجدار باستخدام حسابات رقمية تأخذ في الاعتبار الظروف البيئية مثل الإضاءة والظل. كل زاوية ووضعية تم تحديدها بدقة عالية باستخدام حسابات رقمية لتحديد المواضع المثالية للطوب بناءً على البيئة المحيطة. وقد أشارت البروفيسورة كاثرين دورفر، من جامعة ميونخ التقنية، إلى أن هذه التقنية توسّع من مهارات الحرفيين وتفتح آفاقًا جديدة في عالم البناء.
وأضافت دورفر أن هذه التجربة تُمثل تطورًا هامًا في مجال البناء المستدام، حيث أنها تدمج بين التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات البناء التقليدية، بما يعزز من جودة العمل ويقلل من الأخطاء البشرية. فهي تعتبر بمثابة “نقطة تحول” في كيفية تعاملنا مع المواد الخام والتصميم في مشاريع البناء الكبيرة.
مزايا البناء المستدام: نحو تصميمات مناخية محسنة
التجربة لم تقتصر على استخدام الروبوت فقط، بل كانت تتبع أيضًا مبادئ البناء المستدام. الجدار الذي تم بناؤه في التجربة يتكون من طبقات متعددة من الطوب، حيث تم تصميم الجدار بسمك وصل إلى 55 سنتيمترا، وهو أكبر من السمك المعتاد بحوالي 20 إلى 25 سنتيمترا. في الخارج، تم استخدام طوب الكلنكر ليتحمل العوامل الجوية القاسية، بينما تم استخدام الطوب العازل في الداخل لتحسين الكفاءة الحرارية للجدار. هذا التصميم لا يهدف فقط إلى تحسين جودة البناء، بل يساعد أيضًا في الحد من استهلاك الطاقة داخل المبنى، مما يعزز الاستدامة في المباني المستقبلية.
ويعتبر هذا الأسلوب في البناء فرصة كبيرة لتحقيق مباني مقاومة للمناخ. إذ أن تجميع المواد بذكاء وتصميمها بشكل يتناسب مع البيئة المحيطة يُعتبر خطوة أساسية نحو تصميم أغلفة مباني صديقة للبيئة، من خلال استخدام تكوينات هندسية مدروسة تضمن الأداء الممتاز للمباني في مواجهة التغيرات المناخية.

مستقبل البناء: الإنسان والآلة في تكامل مستدام
التجربة التي أُجريت في جامعة ميونخ التقنية لا تمثل مجرد تجربة تقنية جديدة، بل هي جزء من رؤية مستقبلية تهدف إلى تطوير منهجيات تصميم مبتكرة تواكب احتياجات المدن الحديثة. تكامل الإنسان مع الآلات في هذا السياق ليس هدفًا لتحسين الكفاءة فقط، بل لتطوير أساليب بناء أكثر استدامة وقابلة لإعادة الاستخدام. هذا التوجه سيفتح آفاقًا جديدة للقطاع الإنشائي في المستقبل القريب، حيث ستصبح الروبوتات جزءًا أساسيًا من الفرق العاملة على مواقع البناء، مما يساهم في رفع مستوى الإنتاجية وتقليل التكلفة على المدى الطويل.
إن هذه الابتكارات، مثل تلك التي نشهدها في جامعة ميونخ، تشكل علامة فارقة في مستقبل صناعة البناء. فمن خلال هذا التعاون بين الإنسان والآلة، سيزداد التركيز على البناء الذكي والمستدام، وهو ما يتماشى مع أهداف الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة في عالمنا المعاصر.