سوريا – السابعة الاخبارية
ريما القادري، في خطوة غير مسبوقة، أوقفت السلطات السورية، يوم الجمعة، الوزيرتين السابقتين للشئون الاجتماعية والعمل، ريما القادري وكندة الشماط، وذلك ضمن تحقيقات مستمرة تتعلق بملف «أطفال المعتقلين»، وهو الملف الذي أثار العديد من التساؤلات حول مصير مئات الأطفال الذين فُقدوا في أثناء احتجاز آبائهم أو أمهاتهم في سجون النظام السابق أو أثناء إقامتهم في دور الرعاية الحكومية.
تأتي هذه التوقيفات على خلفية تشكيل لجنة تحقيق خاصة بموجب القرار الوزاري رقم 1806 لعام 2025، والذي منح وزارة الشئون الاجتماعية والعمل صلاحية متابعة ملف الأطفال المفقودين بالتنسيق مع وزارة الداخلية. ويرى كثير من المراقبين أن هذه الخطوة قد تكون بداية لتحقيقات أوسع ستطال عددًا من الأسماء والجهات الأخرى المرتبطة بهذا الملف الشائك، لا سيما في ضوء الاتهامات الموجهة إلى بعض موظفي الحكومة السورية والجهات الأمنية والمنظمات الإنسانية بالضلوع في عمليات اختفاء الأطفال وتستّر على اختفاءهم.
ريما القادري تحت التحقيق: توقيف وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في ملف «أطفال المعتقلين»
يتعلق ملف «أطفال المعتقلين» بمصير الأطفال الذين فقدوا على خلفية اعتقال آبائهم أو أمهاتهم من قبل قوات النظام السوري. فمئات الأطفال الذين كانوا في عهدة أسرهم في وقت وقوع الاعتقالات اختفوا عن الأنظار دون أي أثر، وهو ما جعل هذا الملف يثير الكثير من القلق داخل المجتمع السوري. وتجد بعض الأسر نفسها أمام أسئلة محيرة: هل تم اختطاف أطفالهم؟ أم أنهم تعرضوا للاستغلال في شبكات مافياوية؟ وما هو الدور الذي تلعبه بعض الجمعيات الحكومية والمنظمات الإنسانية في هذا السياق؟
وفي إطار التحقيقات الجارية، تم توجيه الاتهام إلى العديد من الجمعيات والمؤسسات الحكومية، مثل جمعية “المبرة” ودار “لحن الحياة”، حيث يشكك الكثيرون في تورط هؤلاء في تسهيل عمليات الاستغلال والتغطية على اختفاء الأطفال. وكانت هذه الجمعيات تعمل على رعاية الأطفال اليتامى والمفقودين، لكن تساؤلات حول مصير الأطفال المفقودين من عائلات المعتقلين لم تجد إجابات واضحة حتى الآن.
التوقيفات الأخيرة: خطوة في الاتجاه الصحيح؟
التوقيفات التي طالت الوزيرتين السابقتين، ريما القادري وكندة الشماط، لاقت اهتمامًا كبيرًا في وسائل الإعلام السورية والعالمية. فقد كانت القادري والشماط على رأس وزارة الشئون الاجتماعية والعمل خلال فترة حساسة، وتحديدًا خلال الأحداث التي تزامنت مع بدء النزاع في سوريا وما صاحبه من عمليات اعتقال واسعة النطاق. حيث تم اتهامهن بعدم الاهتمام الكافي بمعالجة ملف الأطفال المفقودين ولم تكن لديهن آليات فعّالة لضمان رعاية هؤلاء الأطفال بطريقة قانونية وآمنة.
وبجانب الوزيرات السابقتين، شمل التحقيق أيضًا توقيف ندى الغبرة ولمى الصواف، المديرتين السابقتين لدار “لحن الحياة”، بالإضافة إلى رنا البابا، مديرة جمعية “المبرة”، إلى جانب عدد من الأفراد الآخرين الذين كانوا على صلة مباشرة بهذا الملف. وتستمر السلطات السورية في التحقيق مع هؤلاء الأفراد لمعرفة مدى تورطهم في اختفاء الأطفال وكيفية انتقالهم بين مؤسسات رعاية الأيتام.
البحث المستمر: المفقودين وأطفال المعتقلين
مع أن هذه التحقيقات قد تكون في بداياتها، إلا أن الحكومة السورية كانت قد بدأت في العام الجاري اتخاذ خطوات للبحث عن الأطفال المفقودين. في مطلع عام 2025، دعت وزارة الشئون الاجتماعية والعمل المواطنين الذين فقدوا أطفالهم في أثناء الاعتقال أو في دور الرعاية الحكومية إلى التوجه إلى المديريات التابعة للوزارة لتقديم المعلومات المتعلقة بمواقع الأطفال أو أي تفاصيل قد تساعد في عمليات البحث والتحقيق. وقد كانت الوزارة تأمل أن تساعد هذه الدعوات في تسهيل مهمتها في إحصاء الحالات بشكل دقيق وتحديد مصير الأطفال المفقودين.
أعلن المكتب الإعلامي لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل في وقت لاحق عن اكتشاف “كتب سرية” أرسلت من قبل الفروع الأمنية التابعة للنظام المخلوع، والتي تضمنت تفاصيل حول إحالة أطفال، لا سيما المعتقلين، إلى جمعيات رعاية الأيتام، ما أثار جدلاً واسعًا حول إمكانية وجود شبكة من التستّر على مصير هؤلاء الأطفال.
وقد كشف المكتب الإعلامي عن احتفاظ الوزارة بعدد من الوثائق السرية التي تتضمن إحالات أطفال إلى جمعيات معنية بتربية الأيتام، وهو ما يثير مخاوف جديدة حول دور المؤسسات الحكومية في تسهيل عمليات الاستغلال التي قد تكون تعرض لها هؤلاء الأطفال في ظروف غير قانونية. وقد طالبت الوزارة ذوي الأطفال المفقودين بمواصلة تقديم المعلومات المتعلقة بهم لمساعدة السلطات في جمع كافة الأدلة المتعلقة بالاختفاء.
تحديات التحقيقات القادمة
من المرجح أن تثير هذه التحقيقات العديد من الصعوبات والتحديات، خاصة في ظل الوضع الأمني والسياسي المتقلب في سوريا. فمعظم القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في فترة النزاع تواجه تحديات كبيرة في جمع الأدلة والشهادات، إذ قد يكون العديد من المعنيين بالملف إما في المنفى أو يواجهون قيودًا قانونية.
إضافة إلى ذلك، ستظل هناك عقبات كبيرة في التعاون مع المنظمات الإنسانية، خاصة تلك التي كانت تعمل داخل مناطق كانت خاضعة لسيطرة النظام أو كانت تحت سلطة الفروع الأمنية. هذه الأوضاع قد تؤثر في شفافية التحقيقات وتقيّد قدرة الحكومة السورية على إتمام هذا التحقيق بشفافية كاملة.
وفي النهاية، يبقى الأمل في أن تحقق هذه التحقيقات في ملف «أطفال المعتقلين» نتائج مهمة تساهم في كشف الحقيقة حول مصير هؤلاء الأطفال، وتوفير إجابات لعائلاتهم التي لا تزال تعيش في حالة من الانتظار المأسوي، في ظل انعدام الأمل في معرفة مصير أبنائهم.