لبنان – السابعة الاخبارية
ستيفاني عطالله، في عالم التمثيل، ليس سهلاً أن تُقنع الجمهور أنك لا “تؤدي” بل “تعيش” دورك. هذه المسافة الرقيقة بين الواقع والخيال، بين الممثل والشخصية، لا يعبرها إلا فنان يملك شجاعة الغوص في الأعماق. هذا ما فعلته ستيفاني عطالله في شخصية “ميرنا” في مسلسل “سلمى”، الدور الذي أخرج منها طاقات دفينة، وأعاد تشكيل وعي الجمهور تجاه الشخصية الشريرة.
ستيفاني عطالله.. “ميرنا ليست دوراً… ميرنا أنا”
بهذه العبارة، يمكن اختصار التجربة التي عاشتها ستيفاني. فعندما تصل شخصية تمثيلية إلى حد أن تُربك المتفرج، فلا يعرف إن كان ما يراه أداءً أم واقعًا، فإننا أمام لحظة فنية نادرة.
ستيفاني وصفت أجمل ما سمعته من الجمهور خلال عرض المسلسل، بقولهم: “لم نعد نعرف إن كانت تمثل أم هذه هي طبيعتها فعلاً”. حتى والدتها – التي تعرفها منذ طفولتها – تفاجأت بها، في تعبير يكشف عن مدى اندماجها الكامل في الشخصية.
الشرير… الذي يجعلك تفكر مرتين
في كل عمل درامي، هناك شخصية تتحكم في مسار الأحداث. في “سلمى”، هذه الشخصية هي “ميرنا”، الفتاة التي تُمثل محور الشر، بل كما قالت ستيفاني ساخرة: “لو اختفت ميرنا، لكان كل شيء في ألف خير”.
لكن ما يجعل هذا الدور مميزًا ليس الشر بذاته، بل كيف تم تقديمه. لم يكن الشر في شخصية ميرنا مجرّد كاريكاتير سطحي، بل كان شرًا يحمل في طيّاته أبعادًا نفسية وإنسانية. ستيفاني أوضحت أن الشخصيات الشريرة ليست دائمًا سيئة بطبيعتها، بل هي في كثير من الأحيان ضحايا لظروف قاسية، أو أشخاص لم يجدوا من يفهمهم في وقت مبكر.
هذه الرؤية الفلسفية أعطت لــ”ميرنا” عمقًا، وحوّلتها من مجرّد محرك للأحداث إلى كائن إنساني يستحق التأمل، وربما حتى التعاطف.
الجمال في التحدي: إرهاق نفسي وجسدي… ومتعة لا تُنسى
عندما سُئلت ستيفاني عن الصعوبات التي واجهتها، لم تُخفِ حجم الإرهاق الذي سبّبته لها الشخصية. فـ”ميرنا” لم تكن فقط مستفزّة في أدائها، بل أيضًا مستنزفة نفسيًا وجسديًا.
هذا النوع من الشخصيات يُطلب من الممثل أن يخرج من ذاته، أن يتخلى عن منطقه وهدوئه وتوازنه، ويعيش في طاقة مقلقة مستمرة. لكن ستيفاني قبلت التحدي، ليس فقط من باب الاحتراف، بل لأنها – كما يبدو – وجدت في هذا التحدي فرصة لا تُعوّض.
قالت: “الشخصيات الثقيلة تمنح الممثل مساحة واسعة للإبداع”. وهنا تكمن المعادلة الصعبة: كلما ازدادت قسوة الشخصية، ازدادت المساحة التي يمكن للفنان أن يثبت فيها براعته.
ميرنا على السوشيال ميديا: من كراهية الجمهور إلى ترند التفاعلات
من الطريف أن يتحول “الشر” إلى مادة ضاحكة. هذا ما حدث تمامًا مع ميرنا. فقد انتشرت على مواقع التواصل مقاطع طريفة تسخر من تقلبات وجهها وتعابيرها المتناقضة. بعض ردود الفعل ركزت على المبالغات، والبعض الآخر على الأداء الانفعالي، لكن في الحالتين، بقيت الشخصية في الواجهة.
قالت ستيفاني بابتسامة: “حتى تعبيراتي أصبحت ترند!”. وهنا تظهر المفارقة الجميلة: شخصية مكروهة دراميًا، لكنها محبوبة فنيًا. شخصية “تُستفزّ” منها كمشاهد، ولكنك لا تستطيع أن تتجاهلها.
التحضير… والانغماس الكامل
لا يأتي هذا النوع من الأداء العميق بالصدفة. ستيفاني كشفت أنها قرأت النص أكثر من مرة، ودرست شخصية ميرنا بتمعن. لم تكتفِ بقراءة السطور، بل ذهبت إلى ما بين السطور، إلى المناطق الرمادية، إلى نقاط الضعف والقوة، إلى الطفولة المتروكة والمشاعر المعقدة التي تصنع هذا النوع من الأشخاص.
قالت: “ميرنا أصبحت جزءًا مني”. وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث للممثل – وأجمله في الوقت نفسه – أن تتحول الشخصية إلى شريك داخلي، أن تعيش معه، وتنام معه، وتفكر من خلاله.
الفن… كمرآة للصحة النفسية
واحدة من أهم النقاط التي شددت عليها ستيفاني كانت أهمية التوعية بالصحة النفسية. فهي ترى أن الشخصيات الشريرة لا تأتي من فراغ، بل من ماضٍ مليء بالخذلان، أو من اضطرابات لم تجد علاجًا في الوقت المناسب.
قالت: “في كثير من الأحيان، الشرير هو أول من يؤذي نفسه”. وهذا التصريح يحمل بين طياته نضجًا فكريًا يُحسب لها. فهي لا تنظر إلى الفن كوسيلة للعرض فقط، بل كأداة لتسليط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة، وعلى رأسها التوازن النفسي والذهني.
متعة الأداء… حتى في الشر
رغم أن الشخصية مرهقة، إلا أن ستيفاني لم تُخفِ متعتها الخاصة أثناء مشاهدة الحلقات. قالت: “أضحك أحيانًا على ردات فعلها، وأستمتع بالنتيجة”. هذا يدل على أن التمثيل بالنسبة لها ليس مهنة فقط، بل تجربة وجودية عميقة، تعيشها بكل تفاصيلها، وتترك فيها بصمتها الخاصة.
“سلمى”… والمسلسل الذي لم يبدأ بعد!
في ختام حديثها، فتحت ستيفاني شهية الجمهور على المزيد. حيث أشارت إلى أن التحولات الكبرى في شخصية ميرنا ستبدأ فعليًا من الحلقة 50، وأن ما تم عرضه حتى الآن هو مجرد تمهيد.
قالت بثقة: “لن يتوقف شر ميرنا إلا في الحلقة 90… وما زلنا في البداية”. هذا التشويق يُظهر إدراكها العميق للمسلسل، وللإيقاع الدرامي، ويؤكد أن ما ينتظر الجمهور ليس فقط صراعًا دراميًا، بل رحلة نفسية ممتعة – ومؤلمة في آن.
ستيفاني عطالله… بين الممثلة والمرأة
ما يميز ستيفاني عطالله في هذه التجربة، هو توازنها الدقيق بين الحس الفني والوعي الإنساني. فهي لا تؤدي أدوارًا من أجل الظهور، بل تعيش الشخصيات لتوصل رسائل، تفتح قضايا، وتحرك الأسئلة الصعبة.
في شخصية ميرنا، لم تكن مجرد ممثلة “تمثل”، بل امرأة تواجه مرآتها، تغوص في الظلال، وتخرج منها بإبداع يحترمه حتى من يكره الشخصية نفسها.
ختامًا: حين يُقنعك الشر بأنه إنساني
تجربة ستيفاني عطالله في مسلسل “سلمى” تصلح لأن تكون نموذجًا فنيًا يُدرّس في ورش التمثيل. كيف يمكن لممثلة أن تتحول إلى مرآة حقيقية لشخصية مركبة، فتجعل منها مادة للتفكير، ومادة للترفيه، ومادة للتساؤل أيضًا.
“ميرنا” ليست فقط شخصية شريرة… بل قصة إنسان لم يفهمه أحد، إلا ممثلة قررت أن تحبه رغم كل شيء.