سوريا – السابعة الاخبارية
سحر فوزي، رغم مرور أكثر من 15 عامًا على انطلاق مسلسل “باب الحارة“، لا يزال العمل حاضرًا في ذاكرة الجمهور العربي، بفضل شخصياته التي باتت جزءًا من الثقافة الشعبية، وأحداثه التي رسّخت صورة البيئة الشامية التقليدية، وخلّدت أسماء فنية بارزة. وفي لفتة طريفة ومؤثرة في آنٍ معًا، أعادت الفنانة السورية سحر فوزي جزءًا من هذا العالم إلى الواجهة من جديد، بعدما شاركت متابعيها على إنستغرام مقطع فيديو جمعها بالفنان عادل علي، زميلها في العمل، وهما يؤديان مشهدًا طريفًا بشخصيتي “أم بشير” و”الشيخ عبد العليم”.
المقطع، الذي حصد آلاف المشاهدات في ساعات قليلة، جاء عفويًا وخفيف الظل، لكنه في مضمونه أعاد إلى الأذهان حنين الجمهور العربي إلى زمن الدراما الشامية في أوجها، وأبرز مدى تعلق الناس بشخصيات “باب الحارة” التي شكّلت وجدان أجيال من المشاهدين.
سحر فوزي تعيد أم بشير تطلب الطلاق… والشيخ يغني!
في الفيديو، ظهرت سحر فوزي – التي اشتهرت بدور “أم بشير”، زوجة الشرطي المعروف في الحارة – وهي تخاطب زميلها عادل علي، الذي أدّى دور “الشيخ عبد العليم”، قائلة بنبرة فكاهية:
“ابن عمي، الناس كلها عم تلومني لأني تجوزتك، بقا خلص طلقني!”
ليرد عليها الأخير ضاحكًا بكلمة “بلا…”، قبل أن يفاجئها – والجمهور – بأداء مقطع من أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب:
“زي ما رمشك خد لياليا، وحكم وأمر فيا وفيا…”، في مشهد يجمع بين الطرافة والحنين، ويكشف الانسجام الكبير بين النجمين حتى خارج سياق الدراما.
المقطع قوبل بتفاعل واسع على منصة “إنستغرام”، إذ عبّر كثير من المتابعين عن سعادتهم برؤية النجمين معًا مجددًا، وأشادوا بخفة دمهما وروح الدعابة التي لا تزال حاضرة، رغم ابتعادهما النسبي عن الأضواء مؤخرًا. البعض علّق قائلاً: “رجعتولنا أيام زمان والله!”، وآخرون كتبوا: “هاي النسخة الحقيقية من باب الحارة، مش النسخ الجديدة!”
حنين إلى شخصيات خالدة
مسلسل “باب الحارة”، الذي انطلق لأول مرة في رمضان عام 2006، من تأليف مروان قاووق وإخراج بسام الملا، مثّل آنذاك نقلة نوعية في الدراما السورية. ورغم تعدد الأجزاء والانتقادات اللاحقة التي طالت المسلسل في مواسمه الأخيرة، إلا أن الأجزاء الأولى حظيت بإجماع شعبي غير مسبوق، وارتبطت بأجواء رمضانية خاصة في كل بيت عربي.
وسط هذا النجاح، برزت شخصية “أم بشير” التي قدّمتها سحر فوزي بحس إنساني عالٍ، وجمعت بين الطيبة، الصرامة، والمواقف الكوميدية في آنٍ معًا. وكان زواجها من “الشيخ عبد العليم” – أحد شيوخ الحارة – بعد وفاة زوجها “أبو بشير”، واحدًا من الخطوط الدرامية التي أضافت أبعادًا إنسانية واجتماعية للمسلسل.
أما الفنان عادل علي، فقد جسّد دور الشيخ الدمشقي الوقور الذي يتمتع بحكمة ومرونة، ما جعله شخصية محورية في حل النزاعات بين أهل الحارة. ومع زواجه من “أم بشير”، نشأ بين الشخصيتين نوع من التناقض الكوميدي المحبب، الذي ساهم في تعزيز الجانب الخفيف من العمل.
سحر فوزي: نجمة من الزمن الجميل
تُعدّ سحر فوزي واحدة من أبرز الممثلات السوريات، تنتمي إلى جيل ذهبي من الفنانين الذين شاركوا في تأسيس ملامح الدراما السورية الحديثة. ورغم تنوع أدوارها بين الكوميديا والتراجيديا، إلا أن شخصية “أم بشير” ستبقى الأقرب إلى الجمهور، نظرًا لما حملته من واقعية وبساطة، وقدرة على التعبير عن المرأة الشامية بعفويتها وصراحتها.
في أكثر من مناسبة، عبّرت فوزي عن اعتزازها بهذه الشخصية، مؤكدة أن “باب الحارة” شكّل مرحلة هامة في مسيرتها، كما أنه ساعد على تعريف الجمهور العربي الأوسع بها، بعدما كانت معروفة بشكل أساسي داخل سوريا.
دراما شامية لا تغيب
رغم ما واجهه مسلسل “باب الحارة” من انتقادات في مواسمه المتأخرة، خصوصًا بعد تغيّر فريق الكتابة والإخراج وخروج العديد من الأبطال، إلا أن الحنين للمواسم الأولى يبقى حاضرًا بقوة، وهو ما يعكسه تفاعل الجمهور مع أي ظهور جديد لأبطال تلك المرحلة الذهبية.
الدراما الشامية، بعمومها، احتلت مكانة مميزة في الإنتاج التلفزيوني العربي، خصوصًا خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، لما قدمته من صورة رومانسية – وإن كانت أحيانًا مبالغًا فيها – عن الحياة الدمشقية القديمة، بجمالياتها وبساطتها وعلاقاتها الإنسانية الدافئة.
ويبدو أن الجمهور لا يزال يفتقد هذه الأجواء، في ظل هيمنة الدراما الاجتماعية المعاصرة، أو الإنتاجات المُعلبة التي تفتقر إلى الروح المحلية الأصيلة.
لحظة نوستالجيا… لكنها ليست عابرة
المشهد الطريف بين “أم بشير” و”الشيخ عبد العليم” لم يكن مجرد لحظة ترفيه، بل مثّل لحظة “نوستالجيا” حقيقية لزمن درامي لم يعد حاضرًا كما كان. مقطع لا تتجاوز مدته الدقيقة، لكنه فتح بوابة من الذكريات، ودفع كثيرين للعودة إلى حلقات قديمة من المسلسل، فقط ليسترجعوا دفء الشخصيات، وبساطة الحوارات، وسحر البيئة الدمشقية التي كان العمل يقدّمها.
كما طرح الفيديو تساؤلات بين الجمهور حول إمكانية عودة بعض نجوم “باب الحارة” بمشروع مشابه، يُعيد الروح الحقيقية للعمل بعيدًا عن الاستغلال التجاري الذي طال أجزاءه المتأخرة. فهل تعود الدراما الشامية إلى مسارها الصحيح؟ وهل يمكن لأبطالها الكلاسيكيين أن يستعيدوا حضورهم بقوة؟ أسئلة تبقى معلّقة، لكن المؤكد أن القلوب لا تنسى.
النهاية… أو بداية جديدة؟
في زمن تتغير فيه أنماط الإنتاج الفني بشكل متسارع، وتطغى فيه السرعة على العمق، تبدو لفتات مثل التي قدّمتها سحر فوزي أكثر من مجرد “لحظة لطيفة” على إنستغرام. إنها تذكير حميمي بما كان، وبمن كانوا، وبما يمكن أن يكون إن تمسك الفن بروحه الصادقة.
سحر فوزي، ببساطتها، وحضورها الذي لم تفقده رغم سنوات الغياب، أعادت إشعال شمعة صغيرة في ذاكرة المشاهد العربي. شمعة من زمن الدراما الجميلة… حين كان الحوار له طعم، والمشهد له قيمة، والنجوم بشر مثلنا، نحبهم، ونشتاق إليهم، ونفرح لمجرد رؤيتهم يبتسمون.