مصر – السابعة الإخبارية
في واقعة صادمة هزت الأوساط الثقافية والأثرية في مصر، أُعلن خلال الأيام الماضية عن سرقة أسوارة ذهبية نادرة من داخل المتحف المصري بالتحرير، ما أثار حالة من الغضب والاستياء على المستويين الشعبي والرسمي. وقد اعتُبرت الحادثة واحدة من أخطر الحوادث التي شهدها المتحف العريق في تاريخه الحديث، ليس فقط لقيمة القطعة المسروقة، وإنما لما تعكسه من ثغرات أمنية وإدارية تحتاج إلى مراجعة عاجلة.

وزير السياحة والآثار: “تصرف دنيء”
أعرب وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، عن استيائه البالغ مما جرى، واصفًا الحادثة بأنها “تصرف دنيء يفتقر لأي انتماء للمكان أو للوطن”. وفي مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب ببرنامج الحكاية على قناة MBC مصر، قال فتحي إن تراخي بعض الإجراءات الأمنية داخل المتحف ساعد على وقوع الجريمة.
وأكد الوزير أن التفريط في آثار مصرية نادرة مقابل مكاسب مادية “تافهة” يُعد أمرًا مشينًا لا يمكن التسامح معه، مشددًا على ضرورة تطبيق أقصى العقوبات على المتورطين. كما عبّر عن أسفه لتسريب تفاصيل القضية للإعلام قبل استكمال التحقيقات، معتبرًا أن ذلك قد يؤثر على سير العدالة.
ثغرات أمنية تكشفها الحادثة
أوضح وزير السياحة والآثار أن كاميرات المراقبة داخل المتحف تغطي فقط مداخل ومخارج المبنى، من دون أن تشمل صالات الترميم الداخلية، وهو ما أتاح للمتهمة الرئيسية تنفيذ الجريمة دون رصدها. لكنه في الوقت نفسه رفض اتخاذ ما وصفه بـ “قرارات عنترية” قبل اكتمال التحقيقات، مؤكدًا أن أي تقصير سيتم التعامل معه بحزم.
ونفى الوزير بشكل قاطع ما تردد عن استعانة المتحف بشركة أمن خاصة لتأمينه وقت وقوع السرقة، واصفًا تلك المزاعم بأنها “عارية تمامًا من الصحة”. كما أكد أنه لا توجد أي وقائع سابقة لسرقات من عهدة المتحف المصري، معتبرًا أن نشر مثل هذه الشائعات يضر بسمعة المؤسسة الأثرية الأهم في البلاد.
وشدد فتحي على أن الدولة عازمة على تعزيز المنظومة الأمنية في المتاحف والمواقع الأثرية كافة، وتزويدها بأحدث التقنيات اللازمة، مشيرًا إلى أن حماية التراث المصري ليست مجرد مهمة حكومية، بل هي مسؤولية وطنية تمس هوية الأمة وذاكرتها التاريخية.

تفاصيل التحقيقات: من الترميم إلى الصاغة
وكشفت التحقيقات التي تجريها نيابة قصر النيل عن تفاصيل مثيرة في القضية. فقد تبين أن وراء الحادثة أخصائية ترميم بالمتحف، استغلت وجودها في العمل يوم 9 سبتمبر (أيلول) الجاري، وتمكنت من الاستيلاء على الأسوارة بأسلوب المغافلة، مستغلة الثغرات الأمنية داخل صالات الترميم.
ووفقًا لما ورد في محاضر التحريات، تواصلت المتهمة مع صاحب محل فضيات في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، وباعت له القطعة المسروقة مقابل 180 ألف جنيه. وبعدها، أعاد الأخير بيعها إلى مالك ورشة ذهب في حي الصاغة الشهير مقابل 194 ألف جنيه. وهنا جاءت الصدمة الأكبر، إذ أقدم الأخير على صهر الأسوارة وإعادة تشكيلها ضمن مصوغات ذهبية أخرى، ما صعّب من مهمة استرداد القطعة بصورتها الأصلية.
وعقب تقنين الإجراءات القانونية، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط جميع المتورطين في السلسلة الكاملة للعملية، بدءًا من الأخصائية وحتى العامل الذي قام بالصهر. كما تم التحفظ على المبالغ المالية المتحصلة من عملية البيع، وأمرت النيابة بحبس المتهمين الرئيسيين أربعة أيام على ذمة التحقيقات، تمهيدًا لإحالتهم إلى المحاكمة.
جدل حول حماية التراث
أثارت الواقعة نقاشًا واسعًا في الأوساط الثقافية حول كفاءة المنظومة الأمنية في المتاحف المصرية، خاصة أن المتحف المصري بالتحرير يعد واجهة رئيسية للبلاد، ويستقطب مئات الآلاف من الزوار سنويًا. وطالب خبراء بضرورة تطوير أنظمة المراقبة الداخلية لتشمل كل صالات العرض والترميم، إضافة إلى تشديد الرقابة الإدارية على العاملين في تلك المواقع الحساسة.
ويرى مراقبون أن الحادثة تمثل جرس إنذار يستوجب مراجعة شاملة لإجراءات تأمين المتاحف، بما في ذلك الاعتماد على تقنيات حديثة مثل أجهزة الاستشعار والبوابات الذكية، فضلًا عن تكثيف الدورات التدريبية للعاملين لتعزيز الوعي الأمني لديهم.
خاتمة: حماية التاريخ مسؤولية جماعية
إن سرقة الأسوارة الذهبية ليست مجرد جريمة جنائية عابرة، بل هي خيانة لثقة وطن بأكمله في أبنائه. فالمتحف المصري لا يضم مجرد مقتنيات أثرية، بل يحتفظ بقطع تمثل تاريخ الإنسانية وذاكرة حضارة عمرها آلاف السنين.
وبينما تمضي التحقيقات في طريقها نحو محاكمة الجناة، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا، من خلال سد الثغرات الأمنية، وتعزيز الرقابة، وترسيخ وعي العاملين بأهمية الدور الذي يقومون به. فالتراث المصري ليس ملكًا لجيل واحد، وإنما أمانة في أعناق الجميع، تحفظ الماضي وتبني الحاضر وتمتد للمستقبل.
