السويد – السابعة الإخبارية
المعمرين.. في كشف علمي جديد يعيد صياغة المفاهيم التقليدية حول الشيخوخة، توصلت دراسة سويدية حديثة إلى أن الأشخاص المعمرين الذين تجاوزوا سن المائة يتمتعون بصحة أفضل من نظرائهم الذين عاشوا حياة أقصر، حيث تبين أنهم يعانون من أمراض أقل، وتتطور لديهم الحالات الصحية بوتيرة أبطأ، كما أن احتمال تعرضهم لأمراض قاتلة يكون أقل مقارنة بمن لم يبلغوا هذا العمر.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة GeroScience، ونقلها موقع Fox News، تعتمد على تحليل عميق للبيانات الصحية التاريخية لآلاف الأفراد، وتقدم فهماً جديداً لآليات الشيخوخة الصحية وطول العمر.

المعمرين.. دراسة على مدى 50 عاماً
اعتمد الباحثون على قاعدة بيانات ضخمة، شملت أفرادًا تجاوزوا عمر الستين، وُلدوا بين عامي 1912 و1922. وتمت متابعة أوضاعهم الصحية بدءاً من عام 1972 وحتى عام 2022، في واحدة من أطول الدراسات الزمنية المتعلقة بالصحة وطول العمر.
وتم تحليل المضاعفات الصحية الرئيسية التي قد يواجهها هؤلاء الأفراد، مثل:
السكتات الدماغية
احتشاء عضلة القلب
كسور الورك
أنواع مختلفة من السرطان
ثم تمت مقارنة من عاشوا لأكثر من 100 عام بأولئك الذين توفوا قبل ذلك.
نتائج مفاجئة: قلة الأمراض لدى المعمرين
كشفت النتائج أن المعمرين لديهم:
معدل أقل للإصابة بالأمراض الكبرى، باستثناء كسور الورك.
تراكم أبطأ للأمراض المزمنة على مدار حياتهم.
انخفاض في عدد الحالات المرضية المشخّصة مقارنة بغير المعمرين.
الأمر اللافت أن الدراسة تناقض الفرضية التقليدية التي تقول إن “العيش لفترة أطول يعني التعرض للمزيد من الأمراض”. فقد أظهر المعمرون مقاومة واضحة لأمراض الشيخوخة، أو استطاعوا تأخير ظهورها بشكل ملحوظ.

أمراض أقل… وعبء صحي أخف
أكد الباحثون أن أمراض القلب والأوعية الدموية كانت الأكثر شيوعاً لدى جميع الفئات العمرية، لكن مساهمتها في العبء الصحي العام كانت أقل بين المعمرين.
أما الأورام الخبيثة، مثل أنواع السرطان التي تنتشر في الجسم، فقد كانت موجودة بنسبة ليست قليلة بين من تجاوزوا المائة، لكنها لم تؤثر بشكل كبير على نوعية حياتهم.
في المقابل، كانت الاضطرابات العصبية والنفسية مثل الخرف والقلق المزمن أقل انتشاراً بين هذه الفئة، وهو ما يعتبر مؤشراً على قدرة المعمرين على الحفاظ على وظائفهم الذهنية والنفسية لفترة أطول.
عوامل نمط الحياة: السرّ خلف طول العمر؟
تساءلت الدراسة عن الأسباب المحتملة التي جعلت هؤلاء الأشخاص يعيشون حياة أطول وبصحة أفضل. أحد الخبراء في علم الشيخوخة أشار إلى أن الأشخاص الذين وُلدوا في بدايات القرن العشرين، تجنبوا التعرض طويل الأمد لبعض العوامل السلبية التي ارتبطت بزيادة الأمراض في العصر الحديث، مثل:
المضافات الغذائية الكيميائية
الإشعاعات الناتجة عن التلوث أو الأجهزة
التغيرات الصناعية في الغذاء
كما أن هذه الفئة من الناس عاشت جزءاً كبيراً من حياتها في بيئات أقل تلوثاً، وتغذت غالباً على أطعمة طبيعية أكثر، وتحركت بشكل أكبر في الحياة اليومية، وهو ما قد يكون ساهم في بناء بنية جسدية وصحية أقوى على المدى البعيد.
الشيخوخة الصحية… ليست مجرد حظ
وبينما يعتقد كثيرون أن الوصول إلى سن المائة مرتبط بالجينات أو بالحظ، تؤكد هذه الدراسة أن الشيخوخة الصحية هي مسار يمكن التمهيد له عبر نمط حياة متوازن.
ويفتح هذا الباب أمام تصور جديد للشيخوخة، لا يقوم فقط على إطالة العمر الزمني، بل على تحسين نوعية الحياة في السنوات المتقدمة. فالمهم ليس فقط أن نعيش طويلاً، بل أن نعيش بصحة ونشاط واستقلالية.

ماذا تعني هذه الدراسة لنا؟
هذه النتائج لها انعكاسات مهمة على:
أنظمة الرعاية الصحية، التي قد تحتاج لإعادة النظر في كيفية التعامل مع كبار السن.
الوقاية الصحية، من خلال برامج تستهدف الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية منذ مراحل مبكرة من العمر.
السياسات الغذائية والبيئية، التي يجب أن تراعي تأثيرها طويل المدى على صحة الأجيال القادمة.
الدراسة السويدية تضيف إلى الأدبيات العلمية دليلاً جديداً على أن بلوغ سن المائة لا يعني بالضرورة حياة مليئة بالأمراض. بل على العكس، قد يكون المعمرون أكثر صحةً من غيرهم، ليس لأنهم لم يمرضوا إطلاقاً، بل لأنهم أدوا نمط حياة ساعدهم على تأخير المرض والتعامل معه بفعالية.
وهذا يدعونا لإعادة التفكير في علاقتنا بالصحة والشيخوخة، والتركيز على “النوعية” لا “الكمية” فقط. فقد لا يكون السر في العيش إلى 100 عام، بل في العيش كما لو أنك شابٌ حتى لو بلغت المئة.