سوريا – السابعة الاخبارية
سلوم حداد، في مشهد يعكس أهمية العلاقات الفنية والاحترام المتبادل بين الفنانين العرب، خرج الفنان السوري سلوم حداد بتصريحات توضيحية واعتذار علني، بعد انتشار مقطع فيديو قديم له، وُصف بأنه يتضمن سخرية من طريقة نطق بعض الفنانين المصريين للغة العربية الفصحى.
سلوم حداد وبداية الجدل: مقطع مصور يعيد إشعال النقاش
بدأت القصة مع انتشار مقطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الفنان سلوم حداد وهو يتحدث بطريقة ساخرة عن أداء بعض الممثلين المصريين باللغة العربية الفصحى. وقد أشار في المقطع إلى أن “قلة فقط” من الفنانين المصريين يتقنون نطق الفصحى، معدّدًا من بينهم الراحلين عبد الله غيث ونور الشريف، بينما سخر من طريقة نطق البعض لحرف “الجيم” تحديدًا.
هذا المقطع، الذي أعيد تداوله بشكل واسع، أثار موجة من ردود الفعل الغاضبة، خاصة من الجمهور المصري وبعض الفنانين، الذين اعتبروا أن ما قاله سلوم حداد يحمل نوعًا من الاستهزاء غير المقبول بتاريخ ومكانة الفنان المصري في العالم العربي.
سلوم حداد يوضح ويعتذر: “لم أقصد الإساءة”
لم تمضِ ساعات على تصاعد ردود الفعل، حتى خرج سلوم حداد بتصريحات إعلامية توضيحية حملت اعتذارًا صريحًا، مؤكدًا أن الفيديو قديم، وأن السياق كان مختلفًا تمامًا عما فُهم لاحقًا عند اقتطاع جزء منه وإعادة نشره.
وقال حداد:
“لم أقصد أبدًا الإساءة للفنانين المصريين، فهم أساتذتي، ومنهم تعلمت في المسرح والتلفزيون. لا يمكن أن أكون ناكرًا للجميل أو أن أتهكم على من كان لهم الفضل في بناء الفن العربي.”
وأضاف:
“الفيديو يعود لسنوات مضت، وكان في إطار الحديث عن أهمية الالتزام بنطق الفصحى في الأعمال التاريخية، وليس الهدف منه السخرية من لهجة أو جنسية معينة.”
الاعتذار العلني: “الدية عن الكرام هي الاعتذار”
وفي تصريحه، استخدم سلوم حداد جملة لافتة تعكس رغبته الصادقة في طيّ صفحة الخلاف، حيث قال:
“الدية عن الكرام هي الاعتذار”، في إشارة إلى أن الكبار لا يترددون في تقديم الاعتذار عندما يشعرون بأن كلماتهم أُسيء فهمها أو كانت جارحة.
وأردف قائلاً:
“أنا أحترم كل فنان عربي، والفن المصري هو قِبلة الممثلين، ونحن جميعًا نهتدي بما قدمه الكبار هناك. لا يمكن لأي فنان سوري أو عربي أن ينكر تأثير مصر في الدراما والمسرح والسينما.”
الفنانون المصريون يردون: قبول الاعتذار بروح المحبة
ردّ الفعل من الجانب المصري كان متزنًا ويعكس عمق العلاقات التي تربط مصر وسوريا فنيًا وثقافيًا. فقد أعلن الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية في مصر، عن قبوله اعتذار سلوم حداد، قائلًا:
“نحن نعلم من هو سلوم حداد، وتاريخه يشهد له. كل فنان قد يتعثر في لحظة أو يُساء فهمه. الاعتذار قُدّم وتم قبوله، وعفا الله عما سلف.”
وفي تعبير لافت عن الروح الإيجابية، اختتم زكي تصريحه ببيت شعر شهير قال فيه:
“زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا… أبشر بطول سلامةٍ يا مربعُ.”
وقد فهم الجمهور هذا البيت على أنه دعوة للهدوء وعدم التصعيد، والتعامل مع الموقف بحكمة تليق بتاريخ ومكانة الفنانين.
من هو سلوم حداد؟
قبل الخوض في عمق هذه الأزمة، من الضروري التذكير بأن سلوم حداد يُعد واحدًا من أعمدة الدراما السورية والعربية. وُلد عام 1953، وقدم عشرات الأعمال الناجحة في التلفزيون والمسرح، واشتهر بتجسيده لأدوار تاريخية معقدة وعميقة، أبرزها في مسلسل الزير سالم، حيث لعب دور “جساس”، إضافة إلى مشاركاته المميزة في أعمال مثل سيرة آل الجلالي، وأحلام لا تموت، وباب الحارة.
ويُعرف عن حداد دقّته في الأداء، وحرصه على النطق السليم للفصحى، خاصة في الأعمال التاريخية، وهو ما يفسّر حرصه الدائم على التنبيه إلى هذا الجانب لدى الممثلين، وإن كان أسلوبه في الفيديو المُنتشر قد أساء فهم نواياه.
اللغة الفصحى والفن المصري: تاريخ من الريادة
من المعروف أن الفن المصري هو الرائد في تقديم الأعمال باللغة العربية الفصحى، خاصة في الدراما الدينية والتاريخية، حيث برز عدد كبير من الفنانين في أداء أدوار معقدة تتطلب إتقانًا للفصحى، مثل:
- عبد الله غيث في مسلسل “الرسالة”
- أحمد مرعي في “عمر بن عبد العزيز”
- نور الشريف في “عمر بن الخطاب”
- يحيى الفخراني في “الملك فاروق”
وهؤلاء، وغيرهم، ساهموا في تأسيس مدرسة فنية عربية تعتمد على الأداء السليم للفصحى دون إغفال الأداء التعبيري والدرامي.
ردود فعل الجمهور: بين الغضب والتمسّك بالنية الحسنة
تفاوتت ردود فعل الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من انتقد سلوم حداد بشدة، معتبرين أن سخريته لم تكن مبررة، حتى وإن كانت قديمة، وبين من تمسّك بنيّة الفنان الحسنة وتاريخه الطويل الذي يشهد له بالاحترام تجاه زملائه في مختلف الدول العربية.
وقد كتب أحد المتابعين:
“سلوم حداد فنان كبير، ولن ننكر تاريخه. إن أخطأ فهو بشري واعتذر، وهذا يكفي.”
بينما علّق آخر:
“الاعتذار ثقافة، وسلوم حداد أثبت أنه فنان وإنسان حقيقي بقدرته على الاعتراف وتقديم التوضيح اللازم.”
دروس من الموقف: قوة الاعتذار وأهمية السياق
هذا الموقف برمّته يعيد طرح قضية السياق في تداول مقاطع الفيديو، خاصة القديمة منها، وضرورة الحذر في إعادة النشر دون معرفة الإطار الكامل للحديث. كما يبرز أهمية أن يكون الفنان واعيًا لتأثير كلماته، خصوصًا في بيئة رقمية سريعة الاشتعال.
ومن جهة أخرى، يُعد موقف سلوم حداد مثالًا على أخلاقيات الفنان الحقيقي، القادر على الاعتذار والتراجع عندما يرى أن تصريحاته قد تسببت في ألم أو سوء فهم.
خاتمة: الفن يوحّد لا يفرّق
رغم الجدل، استطاع الطرفان — الفنان سلوم حداد ونقابة المهن التمثيلية في مصر — احتواء الأزمة بسرعة، بفضل الحكمة والاحترام المتبادل. وهذا ما يعكس أن الفن في العالم العربي ما زال يحمل قيم الأخوّة، وأن الكبار يبقون كبارًا بأفعالهم، لا بأخطائهم.
فإذا كان الاعتذار من شيم الكبار، فإن قبول الاعتذار أيضًا دليل على الرقي، وهو ما أظهره الطرفان في هذه الحادثة.