الولايات المتحدة الأميريكة – السابعة الاخبارية
سوبرمان، في الآونة الأخيرة، أثار فيلم “سوبرمان” الجديد من إخراج جيمس غان موجة من الجدل، خاصة في أوساط الإعلام المحافظ في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم قناة “فوكس نيوز”. والسبب؟ تصريحات غان التي وصف فيها بطله الخارق بأنه “مهاجر من أماكن أخرى”، وأن الفيلم يركّز على “اللطف الإنساني” وقضايا أخلاقية مثل عدم القتل، مما اعتُبر من قبل بعض اليمينيين خطابًا “مستيقظًا” سياسيًا في غير محله.
سوبرمان… لاجئ من كريبتون إلى أمريكا
تدور فكرة الفيلم حول إعادة تقديم الشخصية الأسطورية سوبرمان باعتبارها رمزا للاجئ، جاء من عالم آخر وسعى لإيجاد وطن جديد على كوكب الأرض. هذه الخلفية ليست جديدة في عالم القصص المصورة، حيث طالما تم تصوير سوبرمان على أنه كائن جاء من كوكب كريبتون بعد تدميره، وتربّى في أمريكا ليُصبح رمزًا للعدالة. وقد سبق أن استغلت DC Comics هذه الزاوية لدعم قضايا اللاجئين والمهاجرين، مشيرة إلى أن “الرجل الفولاذي هو مثال رائع للاجئ الذي يُحسن وطنه الجديد”.
لكن ما أثار حفيظة البعض هو أن غان لم يكتفِ بتلك الخلفية الرمزية، بل أدخل في فيلمه حوارات ومواقف تتعلق بالجغرافيا السياسية، وأخلاقيات التدخل في الحروب، وحوارات فلسفية بين كلارك كينت (سوبرمان) ولويس لين. كل هذه الأمور قُرئت على أنها توجيه مباشر لرسائل سياسية، خصوصًا في ظل حملات إدارة ترامب المستمرة ضد الهجرة والمهاجرين.
“درع مستيقظ” ومقاومة التيار المحافظ
في حلقة من برنامج “ذا فايف” على قناة فوكس نيوز، عبّر المذيع جريج جوتفيلد عن استيائه مما وصفه بـ”درع مستيقظ” يحتمي به غان من الانتقادات. واتهمه بأنه يحاول العودة إلى النخبة الهوليوودية بعد تعرضه سابقًا للإلغاء بسبب تغريدات قديمة مثيرة للجدل. جوتفيلد لم يكن الوحيد، فقد عبّرت كيليان كونواي، مستشارة ترامب السابقة، عن سخطها من تخلي الفيلم عن شعار “الحقيقة والعدالة والطريقة الأمريكية”، بينما سخر جيسي واترز من أن عباءة سوبرمان أصبحت ترمز الآن لـ”MS-13″، في إشارة عنصرية لعصابة لاتينية.
كل هذا الغضب يأتي رغم أن سوبرمان لطالما عبّر عن قيم إنسانية عالمية تتجاوز الحدود والسياسات، وكان على الدوام بطلاً خارقًا يقف إلى جانب المستضعفين، وهو ما يراه غان اليوم جوهر القصة، قائلاً: “الأمر يتعلق باللطف. من الواضح أن هناك من لا يتحلون باللطف، وسيعتبرون الأمر مسيئًا لمجرد أنه يتعلق باللطف… تباً لهم”.
التاريخ يعيد نفسه
اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها جيمس غان من قبل اليمين الأمريكي. في 2018، تعرّض لحملة منظمة قادها الناشط اليميني مايك سيرنوفيتش، استُخرجت خلالها تغريدات قديمة له تتضمن نكات غير لائقة، مما أدى إلى طرده مؤقتًا من فيلم “حراس المجرة 3” قبل أن تعيده ديزني تحت ضغط من الجمهور وطاقم الفيلم. واليوم، يرى البعض أن الهجوم عليه بخصوص “سوبرمان” هو امتداد لتلك الحملة، لا سيما أنه لم يُخفِ مواقفه المناهضة لترامب، وهو ما جعله هدفًا دائمًا لبعض الأوساط الإعلامية المحافظة.
بين السياسة والفن
رغم محاولات التشويه، فإن ما يفعله غان لا يخرج عن إطار الفن الذي يعكس الواقع ويطرح تساؤلاته الأخلاقية. في مقابلة مع صحيفة “التايمز” اللندنية، أوضح المخرج أن الفيلم وإن كان يتناول مواضيع سياسية، إلا أنه في جوهره أخلاقي. تساءل: “هل لا تقتل أبدًا مهما كان؟ أم أن هناك توازنًا؟” وهو سؤال فلسفي يتجاوز أي صراع حزبي. بل إن شخصيات الفيلم، كما يؤكد، تجسد هذا الجدل دون فرض إجابة.
أما الهجوم اليميني، فرأى فيه البعض تناقضًا صارخًا. فالجمهور الذي يرفع شعار “اذهب إلى الجحيم بمشاعرك” أصبح فجأة شديد الحساسية تجاه فيلم لم يُعرض بعد، فقط لأنه يتناول “اللطف”. من هنا، فإن النقد الموجّه للفيلم يبدو أحيانًا وكأنه رد فعل أوتوماتيكي ضد أي محتوى لا يتماشى مع خطاب MAGA المحافظ.
ردود الفعل من فريق العمل
لم يُعر فريق العمل اهتمامًا كبيرًا لهذا الغضب. فقد اكتفى ناثان فيليون، الذي يؤدي دور “الفانوس الأخضر”، بالتعليق قائلًا: “يا إلهي، أحدهم بحاجة إلى عناق. إنه مجرد فيلم، يا رفاق”. أما شقيق غان، الممثل شون غان، فقد دافع عن شقيقه بشدة، بينما أكد المخرج نفسه أنه “ليس هنا ليحكم على الناس”، وأنه “يقدم فيلمًا عن اللطف”، في رسالة واضحة ومباشرة.
الخلاصة: الصراع الأوسع
قصة الغضب حول “سوبرمان” هي حلقة أخرى في سلسلة طويلة من النزاعات الثقافية في أمريكا، حيث يُنظر إلى أي طرح إنساني أو تقدمي على أنه تهديد للقيم “الأصلية”. نفس الأمر حدث سابقًا مع “ستار تريك” و”كابتن أمريكا” و”حرب النجوم”، حيث يُتهم صناع هذه الأعمال بالانحياز لليسار بمجرد أن يعكسوا قضايا مثل الهجرة أو التعددية.
في النهاية، فإن ما يبدو كأنه صراع حول فيلم هو في جوهره صراع حول القيم التي يجب أن تُعبّر عنها الشخصيات الأمريكية الرمزية. وفي زمن الاستقطاب السياسي الشديد، لا شيء ينجو من أن يكون ساحة معركة، حتى سوبرمان.