مصر – السابعة الإخبارية
أعاد فيلم «الست» فتح واحد من أكثر الجوانب جدلًا في السيرة الإنسانية لكوكب الشرق، بعدما قدّم مشاهد غير مألوفة تظهر فيها أم كلثوم وهي تدخن السجائر، في صورة صدمت قطاعًا واسعًا من الجمهور، ودفعت إلى موجة تساؤلات واسعة حول مدى دقة هذه التفاصيل تاريخيًا، وحدود الحرية الفنية في تناول الرموز الثقافية الكبرى.
الفيلم، الذي تقوم ببطولته منى زكي، لا يكتفي بتقديم أم كلثوم بوصفها أسطورة غنائية متفردة، بل يحاول الاقتراب من الإنسانة خلف الأيقونة، مسلطًا الضوء على تفاصيل شخصية لم تحظَ بتوثيق واسع في السرديات التقليدية عن حياتها، وفي مقدمتها عادة التدخين.

مشاهد غير مألوفة تفتح باب التساؤلات
ظهور أم كلثوم وهي تشعل سيجارة في أكثر من مشهد داخل الفيلم فاجأ كثيرين، خصوصًا أن الصورة الذهنية السائدة عنها ارتبطت دائمًا بالوقار والانضباط الصارم، سواء على المسرح أو في الحياة العامة. وبالنسبة للبعض، بدت هذه المشاهد صادمة، بل ومتناقضة مع ما ترسخ في الوعي الجمعي عن “الست” التي كانت حريصة على صورتها أمام جمهورها.
غير أن هذا الجدل لم يظل في إطار الانطباعات فقط، إذ سرعان ما تحوّل إلى نقاش تاريخي، مع بحث الجمهور عن أدلة توثق ما إذا كانت أم كلثوم بالفعل مدخنة في بعض مراحل حياتها.
صور نادرة تعيد كتابة التفاصيل
مع تصاعد الجدل، أعاد رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداول صور نادرة تُنسب إلى أم كلثوم، وتظهرها وهي تدخن السجائر في مناسبات مختلفة. من أبرز هذه الصور لقطة نشرتها صفحة “أرشيف مصر”، التُقطت خلال اجتماع لاتحاد النقابات الفنية في 8 يوليو (تموز) 1952، حيث بدت أم كلثوم وهي تمسك بسيجارة أثناء نقاش حاد مع الحضور، اتهمت خلاله الفنان يوسف وهبي بالتقصير في الالتزام باجتماعات الاتحاد.
كما جرى تداول صورة أخرى تجمعها بزوجها الطبيب حسن الحفناوي أثناء متابعتهما مباراة جمعت بين مصر وروسيا عام 1955، وظهرت فيها أيضًا وهي تدخن، ما اعتبره البعض دليلًا إضافيًا على أن صناع الفيلم لم يختلقوا هذه التفاصيل من فراغ.
بين الأمانة التاريخية والاختيار الفني
ورغم وجود هذه الشواهد، لم يتوقف الجدل. فبعض المتابعين رأوا أن التركيز على عادة التدخين، حتى وإن كانت حقيقية، لا يضيف قيمة فنية أو درامية تُذكر، معتبرين أن إبراز هذه التفاصيل قد يسيء إلى صورة رمز فني بحجم أم كلثوم، خاصة لدى الأجيال الجديدة.
في المقابل، دافع آخرون عن اختيارات الفيلم، معتبرين أن العمل لا يهدف إلى التقديس، بل إلى تقديم صورة إنسانية أكثر شمولًا، تُظهر أم كلثوم كشخص عاش حياته بتناقضاتها، لا كتمثال منزه عن العيوب والعادات اليومية.

نجاح جماهيري رغم العاصفة
بعيدًا عن الجدل، واصل فيلم «الست» تحقيق نجاح لافت على مستوى شباك التذاكر، إذ سجل إيرادات بلغت مليونًا و115 ألف جنيه في يوم واحد، متصدرًا قائمة الأفلام المعروضة. ويشارك في بطولته إلى جانب منى زكي كل من أحمد خالد صالح، سيد رجب، عمرو سعد وآسر ياسين، مع ظهور خاص لعدد من النجوم من بينهم كريم عبد العزيز، أحمد حلمي، نيللي كريم وأمينة خليل.
الفيلم من تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، ويستعرض محطات مفصلية في حياة كوكب الشرق، والعلاقات التي أسهمت في تشكيل مسيرتها الفنية، في محاولة لتقديم قراءة مختلفة لواحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الفن العربي.
جدل مستمر وصورة تتجدد
بين من يرى في مشهد السيجارة تشويهًا غير مبرر، ومن يعتبره تفصيلًا إنسانيًا مشروعًا، يواصل فيلم «الست» إثارة النقاش حول كيفية تقديم الرموز التاريخية على الشاشة، وحدود ما يمكن كشفه من حياتهم الخاصة. وربما يظل هذا الجدل قائمًا، تمامًا كما ظلت أم كلثوم نفسها حاضرة في الوجدان العربي، قابلة لإعادة الاكتشاف مع كل جيل.
