مصر – السابعة الإخبارية
لطفي لبيب غاب صباح اليوم، الأربعاء 30 يوليو 2025، الفنان الكبير لطفي لبيب، عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركًا خلفه فراغًا صعبًا في ذاكرة الفن المصري والعربي. ورحل الفنان القدير بعد أيام من التدهور الصحي الحاد، حيث نُقل إلى العناية المركزة بإحدى مستشفيات القاهرة، عقب إصابته بمضاعفات تنفسية شديدة، دخل على إثرها في غيبوبة شبه كاملة، وظل تحت المراقبة الطبية حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
ورغم أن اسمه ارتبط بالبساطة وخفة الظل، فإن ما قدمه لطفي لبيب خلال أكثر من أربعة عقود من العمل الفني كان شديد العمق والتنوع، حتى أصبح أحد أبرز من جسدوا دور “رجل الظل” الذي يخطف الأضواء دون أن يسعى لها.
لطفي لبيب: لقاء إنساني أخير قبل الوداع
قبل ثلاثة أيام فقط من وفاته، استقبل الفنان الراحل عددًا من أصدقائه وأفراد أسرته في منزله، بعد تحسن مؤقت طرأ على حالته الصحية. اللقاء الذي لم يدرك أحد أنه سيكون الأخير، كان مليئًا بالمشاعر الإنسانية والذكريات، بعيدًا عن الكاميرات والإعلام، في وداع صامت كتلك الابتسامة التي كانت ترافقه دائمًا، وفي السطور التالية نعرض اخر صورة للراحل قبل وفاته.

مسيرة فنية من الطراز الرفيع
ولد لطفي لبيب في 18 أغسطس 1947، وبدأ مسيرته الفنية في السبعينيات، قبل أن ينطلق فعليًا في الثمانينيات والتسعينيات، مشاركًا في عشرات الأعمال التي تنوعت بين الكوميديا، الدراما، والسياسة الاجتماعية.
أجاد لعب دور الموظف البسيط، والد صارم، طبيب حنون، أو حتى سفير لدولة معادية، فكل الأدوار كانت تخرج منه طبيعية، واقعية، ومقنعة بشكل لافت.
من أبرز أعماله التي رسخت حضوره في الذاكرة:
فيلم “السفارة في العمارة” (2005): حيث أدى ببراعة دور السفير الإسرائيلي أمام الزعيم عادل إمام، في مشهد سياسي ساخر ظل محفورًا في ذاكرة المصريين.
مسلسل “صاحب السعادة” و”عفاريت عدلي علام”: والتي أظهر فيها توازنًا بين الجدية والدفء الإنساني.
فيلم “عسل أسود”، “زهايمر”، و”اللمبي 8 جيجا”: وهي أعمال أثبتت قدرته على التنقل بين الكوميديا السوداء والأدوار المركبة.
كما شارك في “تامر وشوقية”، “الكبير أوي”، و”راجل وست ستات”، مما زاد من ارتباطه بالجمهور في البيوت المصرية والعربية.

في قلب الميدان قبل الشهرة
بعيدًا عن الفن، كان لطفي لبيب واحدًا من أبناء المؤسسة العسكرية، إذ خدم في صفوف القوات المسلحة المصرية، وشارك في حرب أكتوبر 1973، كجندي في الكتيبة 26. هذه التجربة العسكرية ظلت محفورة في قلبه وعقله، فقرر توثيقها لاحقًا في سيناريو بعنوان “الكتيبة 26″، سرد فيه وقائع خدمته، وخفايا الجبهة خلال واحدة من أعظم حروب العصر الحديث.
لم يكن لطفي فنانًا فقط، بل كاتبًا أيضًا، عبّر من خلال مؤلفاته عن رؤيته للحياة والفن، وخصّ الأطفال بعدد من الكتب والقصص ذات الطابع التربوي والترفيهي.
شبه اعتزال.. وظهور وداعي
في السنوات الأخيرة، ظهر لطفي لبيب بشكل متقطع في الأعمال الفنية، حيث صرّح في أكثر من لقاء أنه “شبه معتزل” منذ عام 2017، بسبب تدهور حالته الصحية، خاصة بعد إصابته بجلطة دماغية أثرت على قدرته الحركية.
ورغم ذلك، ظل حريصًا على الظهور الرمزي في بعض الأعمال القريبة إلى قلبه، وكان آخرها مشاركته في فيلم “أنا وابن خالتي” عام 2024، في مشهد وصفه البعض بأنه “وداع غير معلن” للفن والجمهور.
فنان برسالة وابتسامة
لم يكن لطفي لبيب يسعى إلى البطولة المطلقة، بل فضّل دومًا الأدوار المؤثرة والهادفة، والتي تترك أثرًا حقيقيًا في المشاهد. كان يؤمن أن “الفن رسالة قبل أن يكون شهرة”، وتميز بأداء صادق لا يحمل تصنعًا أو مبالغة، ما جعله محبوبًا من كافة الأجيال، ومحل تقدير دائم من صناع الدراما والنقاد.
برحيله، تفقد مصر قامة فنية استثنائية، ساهمت في تشكيل وجدان المشاهد العربي، فكان صوت الحكمة، وابتسامة الأب، وواقعية الموظف، وخفة دم المصري الأصيل.

ظل لطفي لبيب رمزًا للهدوء والاتزان في زمن صاخب، لا يسعى إلى الأضواء، لكنها كانت تأتيه احترامًا واعترافًا بموهبته الأصيلة. لم يكن مجرد ممثل يظهر في مشهد ويغيب، بل كان روحًا تضيف عمقًا لكل عمل يشارك فيه. عرفه الجمهور كوجه مألوف لا يُمل، وكنبرة صوت تبعث الطمأنينة، وكنموذج للفنان الذي يحترم نفسه وفنه. برحيله، لا تنطفئ ابتسامته من ذاكرة عشاقه، بل تبقى محفورة في المشاهد التي لا تُنسى، والكلمات التي قالها ببساطة لكنها وصلت للقلب. لطفي لبيب لم يرحل فعليًا، بل انتقل إلى ذاكرة وطن كاملة تعتز بأمثاله.