القاهرة – السابعة الاخبارية
شبيه عادل إمام، في هدوء لافت وصمت ثقيل، رحل الفنان فكري عبد الحميد، الشهير بلقب شبيه عادل إمام، عن عالمنا بعد سنوات طويلة قضاها في الكواليس الفنية، متجولًا بين أدوار ثانوية ومشاركات متفرقة، لكن اسمه بقي دائمًا مرتبطًا بنجم واحد: عادل إمام. لم يكن رحيله مجرد خبر عابر في صفحات مواقع التواصل، بل ترك فراغًا مؤلمًا في قلوب من عرفوه، أو حتى شاهدوه للحظات في أعمال ارتبطت باسم الزعيم.
شبيه عادل إمام من بداية التهميش .. والاقتراب من المركز عبر الملامح
لم يكن لفكري عبد الحميد طموح مبالغ فيه في عالم الفن. دخل المجال عن حب، لا لهثًا وراء شهرة. بدأ في منتصف الثمانينيات من خلال مشاركته في أعمال تلفزيونية بسيطة، ومرّ ببطء عبر بوابة الأدوار الثانوية. غير أن نقطة التحوّل الحقيقية لم تأتِ من موهبة فنية مبهرة أو دور بطولة، بل من “القدر”.
كان الشبه الكبير بينه وبين عادل إمام هو المفتاح الذي وضعه على الخريطة. ومع مرور السنوات، بدأت ملامحه تزداد تقاربًا مع ملامح الزعيم، حتى أصبح يُلقّب بـ”شبيهه”، بل ويُطلب منه أداء أدوار تُجسّد هذا الشبه.
قال في أحد لقاءاته: “أنا ممثل، لكن الناس افتكرتني دوبلير فقط بسبب الشبه. ربنا كرمني بالشبه، واللي خدته من وراه رزق مش بسيط”.
حين يصبح الشبه سببًا في العمل
بفضل التشابه اللافت، شارك فكري عبد الحميد في عدة أعمال مع عادل إمام نفسه. من بين هذه الأعمال:
- مسرحية الزعيم، التي جسّد فيها دور الحارس، وكانت من أشهر مسرحيات الزعيم وأكثرها عرضًا.
- مسرحية بودي جارد، والتي ظلت تُعرض لسنوات طويلة، وكان فكري جزءًا من فريق العمل.
- فيلم النوم في العسل، الذي ظهر فيه بدور ثانوي إلى جانب عادل إمام.
- مسلسل فلانتينو، حيث استعان به المخرج رامي إمام ليكون دوبلير والده في بعض المشاهد.
في تلك الأعمال، لم يكن مجرد “شبيه”. بل كان حاضرًا كممثل حقيقي يُقدّم دورًا، يلتقط إشارة، يتقن الحركة، ويتفاعل مع النص. لكنه، رغم ذلك، ظل حبيس اللقب: “شبيه الزعيم”.
أدوار خارج عباءة إمام
رغم ارتباطه الكبير باسم عادل إمام، لم تقتصر مسيرته على التواجد في أعمال الزعيم. شارك فكري عبد الحميد في عدد من الأفلام والمسلسلات التي عكست رغبته في تقديم نفسه كممثل مستقل. من هذه الأعمال:
- فيلم كابتن هيما مع تامر حسني
- فيلم عسكر في المعسكر مع محمد هنيدي
- فيلم كيمو وأنتيمو مع عامر منيب
- فيلم الجاسوسة حكمت فهمي مع نادية الجندي
- وبعض المسلسلات التلفزيونية مثل “الظلال” الذي كان أول ظهور له.
رغم تعدد المشاركات، بقيت ملامحه تأخذه دومًا إلى دائرة المقارنة مع عادل إمام، وكأن الجمهور لا يراه إلا انعكاسًا لوجه الزعيم.
الوفاة.. ورحيل في صمت
في السادس من سبتمبر 2025، استيقظ الوسط الفني المصري على خبر وفاة فكري عبد الحميد. لم تسبقه شائعات أو مقدمات. رحل ببساطة، كما عاش بهدوء. نعى ابنه “محمد فكري” والده بكلمات مؤثرة، طالبًا من جمهوره الدعاء له، ومؤكدًا أن والده كان فخورًا دومًا بانتمائه للمهنة، رغم ما واجهه من صعوبات.
أُقيمت صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر، وشيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في أجواء يغلبها الحزن، لكنها لم تكن خالية من الاحترام. لم يكن هناك ضجيج إعلامي، لكن من عرفوه حضروا، ومن سمعوا عنه كتبوا عنه بحب ووفاء.
وداع على مواقع التواصل.. وترند مفاجئ
ما إن أُعلن خبر الوفاة، حتى تصدّر اسم “شبيه الزعيم” محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي. تداول الجمهور صوره، وشاركوها بتعليقات حزينة، وذكريات عن ظهوره في المسرحيات والأفلام. البعض استرجع لقطات نادرة له من المسرح، وآخرون تحدثوا عن لقائهم به في كواليس أحد العروض.
تحوّل المشهد الرقمي إلى عزاء مفتوح، فيه يُحتفى بالرجل الذي عاش في الظل لكنه ظل حاضرًا في وجدان المتابعين.
علاقة احترام متبادل مع عادل إمام
رغم الشبه الكبير بينهما، لم يُعرف عن الزعيم عادل إمام أنه شعر بالانزعاج من تكرار التشبيه. بل العكس، فقد كان يُكنّ احترامًا كبيرًا لفكري عبد الحميد، وسمح له بالمشاركة في عدة أعمال دون أن يشعر بالتهديد أو القلق.
من جهته، كان فكري عبد الحميد دائم التأكيد على احترامه وتقديره لعادل إمام، رافضًا استغلال الشبه في إساءة أو سخرية، بل اعتبر ذلك نعمة ساعدته على البقاء في الوسط الفني.
قال ذات مرة: “أنا مش نسخة من الزعيم، أنا راجل بحترمه، ووجودي جنبه في المسرح أو التصوير شرف مش بسيط”.
الفن ليس فقط أدوار بطولة
قصة فكري عبد الحميد تلخص معاناة كثير من الفنانين الذين يعملون لسنوات طويلة دون أن تُسلَّط عليهم الأضواء. فهم ليسوا نجوم الصف الأول، ولا يتصدّرون أفيشات السينما، لكن وجودهم ضروري لإكمال المشهد، وتوازن الصورة.
هو نموذج لفنان آمن بمهنته، ومارسها بصبر، وواجه الحياة بابتسامة وقناعة، حتى عندما تجاهله الكثيرون.
الختام.. حين يكون الصمت أصدق من التصفيق
غاب فكري عبد الحميد عن عالمنا، وترك خلفه دروسًا كثيرة. منها أن الفن ليس دائمًا مجدًا وشهرة. أحيانًا يكون مجرد وجودك بجانب الكبار، وتأديتك لواجبك بإخلاص، هو البطولة الحقيقية.
رحل من دون ضجيج، كما عاش. لكنه لم يرحل من قلوب محبيه. سيظل اسم “شبيه الزعيم” محفورًا في ذاكرة المسرح المصري، كظل خفيف، يمرّ، لكنه لا يُنسى.