إنجلترا – السابعة الإخبارية
في مشهد يعكس شغف اللحظة وإثارة كرة القدم الإنجليزية، وجد الإيطالي إنزو ماريسكا، المدير الفني لفريق تشيلسي، نفسه في قلب عاصفة انضباطية بعدما تحوّل احتفاله الصاخب بهدف الفوز على ليفربول إلى سببٍ لطرده وتعرضه لعقوبة رسمية من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم.
احتفال “جنوني” يقود إلى الطرد
جاءت الواقعة خلال القمة التي جمعت تشيلسي وليفربول يوم الجمعة 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، على ملعب ستامفورد بريدج ضمن منافسات الجولة السابعة من الدوري الإنجليزي الممتاز.
وانتهى اللقاء بفوز مثير للبلوز بنتيجة 2-1، بعدما خطف الوافد الجديد إستيفاو هدفًا قاتلًا في الدقيقة 90+5، وسط فرحة هيستيرية من جماهير الفريق اللندني التي ملأت مدرجات الملعب الشهير.
لكن اللحظة التي كان يفترض أن تكون ذروة النشوة الكروية، تحولت إلى موقفٍ مثير للجدل، بعدما فقد ماريسكا السيطرة على أعصابه وركض على خط المرمى محتفلًا بطريقة وصفتها الصحف الإنجليزية بأنها “درامية ومبالغ فيها”، قبل أن يلوّح بذراعيه باتجاه مقاعد بدلاء ليفربول ويصرخ بحماس شديد، ما دفع الحكم إلى منحه البطاقة الصفراء الثانية، ليُطرد من المباراة قبل ثوانٍ من صافرة النهاية.
الاتحاد الإنجليزي يتحرك
وبعد مراجعة الواقعة، أصدر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم (FA) بيانًا رسميًا أعلن فيه إيقاف ماريسكا مباراة واحدة، إلى جانب تغريمه 8 آلاف جنيه إسترليني (نحو 10,690 دولارًا أمريكيًا).
وأوضح الاتحاد في بيانه أن المدرب الإيطالي “اعترف بتهمة سوء السلوك”، وأن العقوبة جاءت نتيجة تصرف غير رياضي تمثل في تجاوز حدود المنطقة الفنية والاحتفال بشكل استفزازي أمام الخصم.
وبذلك، لن يُسمح لماريسكا بالتواجد على مقاعد بدلاء تشيلسي في المباراة المقبلة أمام نوتنغهام فورست، والمقررة يوم السبت القادم في الجولة الثامنة من الدوري الممتاز، حيث سيُجبر على متابعة اللقاء من المدرجات.
ماريسكا يبرر: “رد فعل غريزي”
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيطالية، علّق ماريسكا على الحادثة قائلاً:
“الاحتفال كان ردّ فعل غريزي وغير مخطط له، فالمباراة كانت صعبة، والهدف جاء في لحظة توتر كبير، لذلك لم أستطع تمالك نفسي.”
وأضاف مبتسمًا:“أعترف بأن البطاقة الحمراء كانت مستحقة، لكن أحيانًا كرة القدم تُخرج من داخلنا ما هو أكبر من الانضباط. تلك اللحظة كانت انفجارًا للعاطفة، لا أكثر.”
هذه التصريحات لاقت تفاعلًا واسعًا بين جماهير تشيلسي التي رأت في تصرف مدربها “دليل شغف وانتماء”، بينما اعتبر بعض المحللين أن المشهد يعكس قلة خبرة ماريسكا في إدارة المواقف المتوترة على أعلى المستويات.
ماريسكا بين الحماس والانضباط
منذ توليه قيادة البلوز مطلع الموسم الحالي خلفًا للأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، حاول ماريسكا فرض أسلوب لعب متوازن يجمع بين الضغط العالي والتمرير السريع، مستلهمًا فلسفته من تجربته السابقة كمساعدٍ لبيب غوارديولا في مانشستر سيتي.
لكن شخصية المدرب الإيطالي النارية ظهرت في أكثر من مناسبة، حيث شوهد وهو يدخل في مشادات كلامية مع الحكام واللاعبين، ما جعل الإعلام الإنجليزي يصفه بأنه “نسخة إيطالية من يورغن كلوب في بداياته” من حيث الحماس الزائد والتفاعل العاطفي المفرط على الخطوط.
ويرى بعض النقاد أن هذه العقوبة قد تكون جرس إنذار مبكر للمدرب الشاب كي يتعلم كيفية ضبط انفعالاته في المباريات الحاسمة، خصوصًا أن تشيلسي يسعى هذا الموسم للعودة إلى المراكز الأوروبية بعد موسم مخيب للآمال العام الماضي.
ردود فعل متباينة
القرار الانضباطي أثار موجة من الجدل بين الجماهير والمهتمين بالشأن الكروي الإنجليزي.
فبينما عبّر مشجعو ليفربول عن ارتياحهم للعقوبة، معتبرين أن “الاحتفال المفرط كان استفزازيًا وغير رياضي”، رأى أنصار تشيلسي أن ماريسكا لم يرتكب ما يستحق الإيقاف، وأن كرة القدم “يجب أن تبقى مساحة للعاطفة والفرح”، بحسب تعليقات كثيرة عبر منصة X(تويتر سابقًا).
أما صحيفة ذا غارديان البريطانية فكتبت في تحليلها:
“ماريسكا أظهر روح القتال التي افتقدها تشيلسي منذ سنوات، لكن الحماس المفرط يمكن أن يتحول إلى عبء إن لم يُضبط بإحكام.”
تشيلسي يستعيد الثقة
ورغم العقوبة، يُجمع المتابعون على أن فوز تشيلسي على ليفربول كان نقطة تحول في مشواره هذا الموسم، إذ أعاد الثقة إلى اللاعبين والجماهير بعد بداية متذبذبة.
فالبلوز، الذين عانوا من سوء النتائج الموسم الماضي، أظهروا أمام حامل اللقب وجهًا جديدًا مليئًا بالشغف والتنظيم التكتيكي، ما جعل ماريسكا يحظى بإشادة واسعة من الصحافة رغم الطرد.

خاتمة: بين الشغف والمسؤولية
يبدو أن ماريسكا، الذي يعيش موسمه الأول في عالم التدريب بالبريميرليغ، يسير على خط رفيع بين الشغف والانضباط. فبينما تُلهم حماسته لاعبيه وتلهب المدرجات، قد تضعه تصرفاته أحيانًا في مواقف محرجة أمام السلطات الكروية.
لكن الحقيقة الثابتة هي أن كرة القدم الإنجليزية ما زالت تحب المدربين أصحاب الشخصية النارية، طالما أنهم يعرفون متى يتحكمون في انفعالاتهم.
ويبقى السؤال الأهم: هل يتعلم ماريسكا من هذه التجربة ليوازن بين العاطفة والعقل؟
الإجابة ستظهر سريعًا عندما يجلس على المدرجات لمتابعة فريقه من بعيد أمام نوتنغهام فورست، في اختبار جديد لقدرة “الأسد الإيطالي” على السيطرة على نفسه قبل أن يسيطر على البريميرليغ.