العراق – السابعة الإخبارية
بعد ست سنوات من العمل الدؤوب، نجح الفنان والخطاط العراقي علي زمان في إنجاز ما وصفه المتخصصون بأنه أكبر مصحف خطي في العالم، مكتوب بخط الثلث اليدوي وبأبعاد غير مسبوقة، ليخلّد اسمه ضمن أبرز رواد فن الخط العربي في العصر الحديث.

رحلة ست سنوات من الإصرار والإبداع
ولد علي زمان عام 1971 في مدينة رانية بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، وبدأ مشواره المهني في مجال صياغة الذهب، قبل أن يكرّس شغفه منذ عام 2013 لفن الخط العربي، الذي جذبه منذ طفولته بما يحمله من روحانية وجمال فني فريد.
ويقول الفنان في تصريح نقلته وكالة الأناضول التركية:“العمل المميز يمنح الإنسان شعورًا بالسعادة، لأن إنجازه لا يقدر عليه إلا القليلون، وهو مصدر فخر كبير بالنسبة لي.”
لكن الطريق لم يكن سهلاً؛ إذ واجه المشروع تحديات كبيرة منذ مراحله الأولى، خاصة خلال فترة جائحة كورونا التي عطلت عمليات الاستيراد والتوريد في معظم الدول، مما صعّب الحصول على الورق المناسب لهذا العمل الضخم.
وأوضح زمان:“واجهتنا صعوبات في إيجاد الورق المناسب داخل تركيا، كما لم يكن ممكنًا استيراده بسبب الإغلاق العام، لكن والدي أصرّ على الاستمرار حتى تجاوزنا تلك التحديات.”
تفاصيل فنية غير مسبوقة
منذ انتقاله إلى تركيا عام 2017، قرر علي زمان أن يتفرغ كليًا لفنه، معتمدًا على الأساليب والأدوات التقليدية الأصيلة في كتابة المصحف.
واستخدم في عمله القصب التقليدي وأحبار الخط العربي الكلاسيكية، دون أي تدخل تقني أو أدوات عصرية، ليحافظ على روح الخط الأصيل الذي كان يزين المصاحف القديمة.
يتألف المصحف من 30 صفحة ضخمة، تحتوي كل صفحة على جزء كامل من القرآن الكريم، وهو ما يمنحه مكانة فريدة بين المصاحف المكتوبة بخط اليد.
أما أبعاد الصفحات فهي 4 أمتار طولًا و1.5 متر عرضًا، مما يجعلها الأكبر عالميًا من حيث الحجم.
وقد اختار الفنان خط الثلث لما يتمتع به من جمالية وتوازن فني وقدرة على التعبير عن قدسية النص القرآني.
وقال زمان إن فكرة المشروع راودته منذ سنوات طويلة، لكنه بدأ التنفيذ الفعلي عام 2020 بعد عام كامل من التحضير، جمع خلاله المواد اللازمة وصمم الشكل النهائي للصفحات.
وقد عرض فكرته على أستاذه بيجار أربيلي، أحد كبار الخطاطين العراقيين المقيمين في تركيا، الذي شجعه ودعمه معنويًا خلال مراحل التنفيذ.

تمويل ذاتي وإخلاص فني
واستطاع الفنان العراقي إنجاز هذا العمل الضخم بجهود ذاتية بالكامل، دون أي تمويل أو رعاية مؤسسية، متحمّلًا تكاليف المشروع من ماله الخاص.
وقال في تصريحات صحفية سابقة إنه أراد أن يكون العمل تعبيرًا خالصًا عن الإيمان والإخلاص الفني، مشيرًا إلى أنه كرّس كل وقته وجهده لهذا الهدف منذ عام 2020 حتى اكتماله.
وأكد أن المشروع بالنسبة له ليس مجرد إنجاز فني، بل عمل روحي يعكس ارتباطه العميق بفن الخط العربي وبالقرآن الكريم، موضحًا أن كتابة المصحف كانت تجربة روحانية تمنحه “سكينة لا تُوصف مع كل حرف يُكتب”.
مسيرة حافلة بالجوائز والاعتراف الدولي
يُعد علي زمان من أبرز الخطاطين العرب المعاصرين، إذ نال عددًا من الجوائز الدولية في مجال الخط العربي، منها:
جائزة سوريا الدولية عام 2007 في خط الثلث.
جائزة ماليزيا 2014 في فن النسخ.
جائزة العراق 2015 عن مجموعة أعمال فنية في الخط الكوفي.
جائزة تركيا 2019 في مسابقة الخط العربي الكلاسيكي.
كما حصل عام 2020 على إجازة رسمية في الخط العربي من كبار الأساتذة، بينهم أحمد عبد الرحمن أربيلي وبيجار كريم أربيلي، اعترافًا بتميّزه الأكاديمي والفني.
وفي عام 2017 نال جائزة التقدير في مسابقة الحلية الشريفة الدولية التي أقيمت في إسطنبول، وتسلمها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه.
رمزية الإنجاز وأثره الثقافي
يمثل إنجاز علي زمان تتويجًا لعقود من الجهد في خدمة الخط العربي والتراث الإسلامي، إذ يجمع بين الإتقان الفني والدقة العلمية والتأمل الروحي.
ويرى متابعون أن هذا المصحف قد يصبح مرجعًا فنيًا عالميًا ومعلماً ثقافيًا جديدًا يضاف إلى تاريخ فن الخط، خصوصًا في ظل توجه المؤسسات الثقافية الإسلامية إلى توثيق الأعمال اليدوية الكبرى.
وبينما لم يُعلن بعد عن مكان عرض المصحف رسميًا، يرجّح أن يُعرض في تركيا أو إحدى العواصم الإسلامية الكبرى خلال العام المقبل، ليكون شاهدًا على قدرة الفن العربي والإسلامي على الجمع بين الجمال والإيمان.

خاتمة: الحرف الذي يتجاوز الحدود
بهذا الإنجاز الاستثنائي، لا يضيف الفنان العراقي علي زمان صفحة جديدة في سجل الخط العربي فحسب، بل يقدّم رسالة إنسانية وروحية مفادها أن الإبداع لا يعرف حدودًا جغرافية ولا زمنية، وأن الحرف العربي لا يزال قادرًا على أن يكون جسرًا بين الجمال والقداسة.
فبعد ست سنوات من العمل والصبر، وبتوقيع خطاط عراقي مبدع، يرى العالم اليوم ميلاد أكبر مصحف خطي مكتوب بخط الثلث اليدوي، في إنجاز سيبقى شاهدًا على خلود الفن الإسلامي في زمن السرعة والتقنية.
