أمريكا – السابعة الإخبارية
OpenAI.. في خطوة وُصفت بأنها تحول محوري في مسار تطوير الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة OpenAI عن إطلاق نموذجين لغويين جديدين بوزن مفتوح، تحت اسم gpt-oss-120b وgpt-oss-20b، ليكونا أول إصدارات الشركة المفتوحة المصدر منذ تقديم نموذج GPT-2 عام 2019. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها عودة إلى الجذور الأولى لشركة أُسست على مبدأ الانفتاح، قبل أن تتحول إلى تطوير النماذج المغلقة ذات الطابع التجاري البحت.
النموذجان متاحان الآن مجانًا عبر منصة المطورين “Hugging Face”، ويتيحان فرصًا واسعة أمام المطورين والباحثين لاستكشاف قدرات ذكاء اصطناعي متقدم من دون قيود مالية أو تجارية، إذ تم طرحهما تحت رخصة Apache 2.0، وهي من أكثر التراخيص مرونة في الاستخدام التجاري.

OpenAI: قدرات تقنية متقدمة بمتطلبات تشغيل متواضعة
النموذج الأول، gpt-oss-120b، هو النموذج الأكبر ضمن الإطلاق الجديد، ويتضمن نحو 117 مليار معامل، لكنه يستفيد من تقنيات Mixture-of-Experts (MoE) التي تسمح باستخدام عدد أقل من المعاملات في كل مرة (نحو 5.1 مليار فقط)، ما يجعله أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة والموارد.
أما النموذج الأخف، gpt-oss-20b، فقد صُمم ليعمل على أجهزة حواسيب محمولة بذاكرة لا تقل عن 16 جيجابايت، مما يجعله مناسبًا للاستخدام الأكاديمي، والتعليم، والتطبيقات منخفضة الموارد.
أداء تنافسي يتجاوز نماذج الصين وMeta
في اختبارات الأداء التي تعتمد على معايير مرجعية مثل Codeforces للبرمجة التنافسية، حقق النموذج الأكبر gpt-oss-120bدرجة 2622، فيما حصل النموذج الأصغر على 2516، وهي نتائج تتفوق على نماذج مثل DeepSeek R1 الصينية، لكنها تظل أقل من سلسلة النماذج المغلقة لدى OpenAI مثل o3 وo4-mini.
وفي اختبار Humanity’s Last Exam (HLE)، المعروف بتنوع أسئلته وصعوبتها، سجّل النموذجان أداءً جيدًا:
• gpt-oss-120b: نسبة نجاح 19%
• gpt-oss-20b: نسبة نجاح 17.3%
هذه النتائج تمثل تفوقًا واضحًا على النماذج مفتوحة المصدر الأخرى مثل Qwen التابعة لمجموعة علي بابا، وتشير إلى أن OpenAI استعادت ريادتها في ساحة المصدر المفتوح بعد سنوات من الغياب.
الهلوسة.. الثغرة الأبرز في النماذج الجديدة
رغم الأداء اللافت، لا تزال مسألة “الهلوسة” (hallucination) تمثل تحديًا رئيسيًا. ففي اختبار PersonQA، الذي يقيس دقة الإجابات المتعلقة بالشخصيات، أظهرت النماذج نسبًا مرتفعة:
• gpt-oss-120b: معدل هلوسة 49%
• gpt-oss-20b: معدل 53%
وهذه الأرقام أعلى بكثير من نظيراتها في النماذج المغلقة، مثل نموذج o1 الذي سجل 16% فقط، وo4-mini بنسبة 36%. تعزو OpenAI هذا التفاوت إلى الفارق في حجم البيانات والمعرفة التي تتوفر للنماذج الأكبر حجمًا.

دمج النماذج المفتوحة والمغلقة.. تعاون من أجل المهام المعقدة
واحدة من أبرز مزايا النموذجين الجديدين هي إمكانية التفاعل مع نماذج سحابية مغلقة، حيث يمكن إرسال استفسارات معقدة إلى نماذج أكثر تطورًا للحصول على نتائج أدق. هذه الميزة تفتح آفاقًا أمام المطورين لبناء أنظمة هجينة تجمع بين السرعة والمرونة التي توفرها النماذج المفتوحة، والدقة والقوة التي تتمتع بها النماذج المغلقة.
موقف أيديولوجي أم استجابة للسوق؟
في تصريحات حديثة، أقرّ الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، بأن الشركة كانت “على الجانب الخاطئ من التاريخ” عندما قررت حصر تقنياتها خلف جدران مغلقة. وأكد أن الوقت قد حان لـ”العودة إلى قيم الانفتاح”، مشددًا على أهمية توفير نماذج ذكاء اصطناعي عالية الجودة للجمهور، “مبنية على القيم الديمقراطية ومنشأها الولايات المتحدة”.
هذا التوجه الجديد يأتي وسط ضغوط متزايدة من المنافسين، خاصة المختبرات الصينية التي طورت نماذج مفتوحة تُعد من بين الأقوى عالميًا، فضلًا عن تراجع مكانة نماذج Llama من شركة Meta، والتي كانت قد تصدّرت مشهد المصدر المفتوح في العامين الماضيين.
بين الطموح والتحفظ
رغم أن OpenAI وفّرت النموذجين مجانًا وبحرية كاملة من حيث الترخيص، إلا أنها امتنعت عن الإفراج عن بيانات التدريب، في ظل قضايا قانونية لا تزال عالقة تتعلق باستخدام محتوى محمي بحقوق النشر. كما أشارت إلى أنها أخّرت إطلاق النماذج عدة مرات لأسباب تتعلق بالأمان.
وخلال اختبارات الأمان، تبين أن النماذج قد ترفع من قدرة المستخدمين بشكل طفيف على أداء مهام خطرة، مثل التعامل مع معلومات بيولوجية حساسة، لكنها لا تصل إلى تصنيف “خطر عالٍ”، وهو ما اعتبرته الشركة مطمئنًا بدرجة كافية للإطلاق.

مع إطلاق gpt-oss-120b وgpt-oss-20b، تعود OpenAI إلى المشهد المفتوح بقوة، لتمنح المطورين والباحثين أدوات متقدمة يمكن تشغيلها بموارد محدودة، وبهذا تثبت أن الابتكار يمكن أن يكون مشتركًا ومتبادل المنفعة، في زمن باتت فيه خوارزميات الذكاء الاصطناعي تتصدر المعارك الجيوسياسية والتجارية.