أمريكا – السابعة الإخبارية
في واقعة أثارت ضجة كبيرة داخل الأوساط التعليمية في الولايات المتحدة، قررت إدارة مدارس مقاطعة ديسوتو بولاية ميسيسيبي فصل المعلمة البديلة مياتا بوردرز، البالغة من العمر 24 عامًا، بعد يوم واحد فقط من بدء عملها في مدرسة ليك كورمورانت الثانوية، وذلك إثر نشرها مقطع فيديو على تطبيق “تيك توك” تضمن مشاهد لطلابها دون إذن مسبق من أولياء الأمور، إلى جانب تعليقات اعتُبرت “غير لائقة” وغير مهنية.
من فيديو على “تيك توك” إلى قرار فصل فوري
تعود تفاصيل الواقعة إلى قيام المعلمة بوردرز، التي كانت قد باشرت عملها كبديلة في المدرسة للمرة الأولى، بتصوير مقطع فيديو داخل الفصل الدراسي أثناء وقت الحصة، حيث ظهرت وهي تضع قدميها على مكتب المعلم، وتتحدث إلى الكاميرا بطريقة اعتبرها كثيرون غير مناسبة لمكان تعليمي.
الفيديو، الذي سرعان ما انتشر على منصات التواصل الاجتماعي، أظهر أيضًا لقطات لعدد من الطلاب القاصرين أثناء وجودهم في الفصل، من دون الحصول على إذن من أولياء أمورهم أو إدارة المدرسة، وهو ما اعتبر انتهاكًا واضحًا لقوانين الخصوصية المدرسية المعمول بها في الولاية.
وبحسب ما نقلته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فقد تضمن الفيديو مشهدًا لطالبة ترتدي تنورة حمراء وحذاءً أحمر وتحمل كرات صوفية، وعلّقت بوردرز على اللقطة بعبارة أثارت موجة من الجدل: “نعم، هذا ما يحدث في هذا المكان.” وقد رأى عدد كبير من المتابعين أن هذه العبارة تحمل إيحاءً غير مهني يسخر من البيئة التعليمية، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليها.

غضب واسع على مواقع التواصل وإجراءات فورية
أثار الفيديو، فور تداوله، ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر أولياء الأمور والمهتمون بالتعليم أن تصرف المعلمة يعكس سوء تقدير واضح للمسؤولية المهنية داخل المؤسسات التعليمية، خصوصًا في ظل تزايد الحساسية تجاه نشر صور أو مقاطع تحتوي على طلاب دون موافقة مسبقة.
وعقب انتشار المقطع، أصدرت إدارة مدارس مقاطعة ديسوتو بيانًا رسميًا أكدت فيه إنهاء عمل المعلمة فورًا، مشددة على أن ما قامت به يخالف اللوائح التربوية المعتمدة. وجاء في البيان:”تم إبلاغ السيدة بوردرز اليوم بأنها لم تعد مؤهلة للعمل كمعلمة بديلة في مدارس المقاطعة. إن إدارة التعليم تضع خصوصية الطلاب وسلامتهم في المقام الأول، ولن تتهاون مع أي تصرف ينتهك هذه المبادئ.”
قوانين صارمة لحماية خصوصية الطلاب
تفرض القوانين المحلية في ولاية ميسيسيبي ضوابط مشددة على عملية تصوير الطلاب داخل المؤسسات التعليمية. وتنص القواعد على ضرورة الحصول على موافقة خطية من أولياء الأمور قبل السماح بتصوير أي طالب أو استخدام صوره أو مقاطع له لأغراض تعليمية أو إعلامية.
وبالتالي، فإن ما قامت به بوردرز يُعد خرقًا مباشرًا لتلك القوانين، ما يفسر سرعة اتخاذ القرار من قبل إدارة المقاطعة بفصلها فورًا دون فترة تحقيق مطولة، خصوصًا في ظل الانتقادات المتصاعدة عبر الإنترنت.
وسائل التواصل الاجتماعي.. سلاح ذو حدين
سلّطت هذه الواقعة الضوء مجددًا على التحدي الكبير الذي تواجهه المؤسسات التعليمية في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. فبينما أصبحت المنصات الرقمية وسيلة للتعبير والمشاركة، فإنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى مصدر للأزمات المهنية، خاصة عندما تتداخل الحياة الشخصية للعاملين في التعليم مع بيئة العمل.
وقد شهدت مدارس أمريكية أخرى خلال السنوات الأخيرة حوادث مشابهة، حيث تم فصل معلمين أو توقيع عقوبات تأديبية بحقهم بسبب نشر محتوى اعتُبر غير مناسب أو منتهكًا لخصوصية الطلاب. وتؤكد هذه الحوادث الحاجة إلى رفع مستوى الوعي لدى العاملين في قطاع التعليم حول أخلاقيات استخدام الإنترنت والتواصل الاجتماعي.
حملة دعم وانتقادات متباينة
ورغم أن الغالبية العظمى من الآراء طالبت بمحاسبة المعلمة، إلا أن بعض المعلقين على الإنترنت اعتبروا أن قرار الفصل كان “قاسيًا” بالنظر إلى أن بوردرز حديثة العهد بالعمل في المدارس العامة وربما لم تكن على دراية كاملة بالسياسات المعمول بها. ودافع آخرون عن حقها في التعبير، لكنهم اتفقوا على أن تصوير الطلاب دون إذن يُعد تجاوزًا لا يمكن تجاهله.
من جانبها، لم تصدر بوردرز تعليقًا رسميًا بعد قرار فصلها، واكتفت بإغلاق حسابها على “تيك توك” عقب موجة الانتقادات التي تعرضت لها، فيما اكتفت إدارة المدرسة بالتأكيد على أن القضية أُغلقت ولن تُتخذ أي إجراءات إضافية بحقها.

دروس مستفادة
تعكس هذه الحادثة تزايد الحاجة إلى تدريب المعلمين، خصوصًا الجدد، على سياسات الخصوصية والسلوك المهني داخل الفصول الدراسية، في زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية والكاميرات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. كما أنها تذكير بأن الحدود الفاصلة بين الحياة الشخصية والوظيفية قد تتلاشى بسهولة في عصر التواصل الرقمي، ما يستدعي حذرًا ومسؤولية مضاعفة من قبل العاملين في القطاع التربوي.
وفي النهاية، تبقى حادثة فصل مياتا بوردرز مثالًا جديدًا على كيف يمكن لمنشور واحد أو مقطع قصير على وسائل التواصل الاجتماعي أن يغيّر مجرى الحياة المهنية لشخصٍ بالكامل، وأن يُعيد فتح النقاش حول أخلاقيات المهنة وحدود حرية التعبير داخل المؤسسات التعليمية.

