لبنان – السابعة الاخبارية
فضل شاكر، تعود قضية الفنان اللبناني فضل شاكر إلى الواجهة من جديد، بعد أن أنهت مخابرات الجيش اللبناني تحقيقاتها معه وسلمت ملف أقواله إلى مفوض المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم. وتأتي هذه التطورات بعد أن سلّم شاكر نفسه طوعاً للسلطات اللبنانية في الرابع من أكتوبر، منهياً سنوات من الملاحقة القضائية والأحكام الغيابية الصادرة بحقه. هذه الخطوة فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التعامل القضائي مع ملفه، الذي يثير جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والفنية والشعبية في لبنان والعالم العربي.
فضل شاكر.. التحقيقات وتسليم الملف للمحكمة العسكرية
أنهت مخابرات الجيش اللبناني تحقيقاتها التفصيلية مع الفنان فضل شاكر، واستكملت استجوابه حول التهم الموجهة إليه، ولا سيما مشاركته المفترضة في معركة عبرا عام 2013، واتهامات أخرى تتعلق بالانضمام إلى مجموعات مسلحة وتمويلها، والإساءة إلى دولة عربية شقيقة، وتبييض الأموال.
وبعد الانتهاء من التحقيق، تم تسليم ملف أقوال شاكر إلى القاضي كلود غانم، مفوض المحكمة العسكرية، الذي سيقوم بدراسة الملف بشكل دقيق ووضع ملاحظاته القانونية عليه. بعدها، سيُحال الملف إلى رئيس المحكمة العسكرية العميد بسام فياض، تمهيداً لتحديد موعد بدء المحاكمة الرسمية.
تحديد موعد المحاكمة المنتظرة
وفقاً لمصادر قضائية مطلعة، يُتوقع أن يقوم العميد بسام فياض بتحديد موعد الجلسة الأولى لمحاكمة فضل شاكر خلال أيام قليلة، وربما مع بداية الأسبوع المقبل.
وستتألف المحاكمة من عدة جلسات، يُستمع خلالها إلى أقوال الفنان، ودفاع فريق محاميه، إضافة إلى شهادات عدد من الضباط والعسكريين الذين شاركوا في معركة عبرا، وكذلك شهادات من بعض المنتمين إلى مجموعة الشيخ أحمد الأسير، التي كانت محور المواجهة الدامية مع الجيش اللبناني في صيدا عام 2013.
إعادة المحاكمة بعد سقوط الأحكام الغيابية
يُعدّ التطور الأبرز في القضية هو أن الأحكام الغيابية السابقة ضد فضل شاكر سقطت قانونياً بعد أن سلّم نفسه طوعاً. ففي عام 2020، كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت أحكاماً غيابية تقضي بسجنه 22 عاماً بتهم متعددة، منها الانضمام إلى مجموعة مسلحة وتمويلها، والإساءة إلى دولة عربية، وتبييض الأموال.
كما تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العسكرية كانت قد برّأته عام 2018 من تهمة القتال ضد الجيش اللبناني والمشاركة في القتل خلال معركة عبرا، معتبرة أن الأدلة غير كافية لإدانته في تلك الواقعة. ومع ذلك، تبقى باقي التهم محل نظر المحكمة حالياً.
وبما أن القانون اللبناني يعتبر أن الأحكام الغيابية تسقط بمجرد مثول المتهم أمام القضاء طوعاً، فسيُعاد النظر في جميع التهم الموجهة إليه من جديد، وكأن القضية تُفتح من بدايتها.
مسار المحاكمة والإجراءات القانونية
من المتوقع أن تتسم محاكمة فضل شاكر بالطول والتعقيد، نظراً إلى تشعب الملفات المرتبطة بالقضية وتعدد الشهود والجهات المعنية بها. ولا يُشترط أن تصدر المحكمة حكمها في جلسة واحدة، بل ستُعقد جلسات عدة للاستماع إلى مختلف الأطراف وتقديم الدفوع القانونية.
وبحسب الإجراءات، فإن الأحكام الجديدة التي ستصدر عن المحكمة العسكرية ستكون قابلة للتمييز، أي يمكن استئنافها أمام محكمة التمييز العسكرية. وهذا الحق محفوظ لكلٍّ من النيابة العامة العسكرية وفريق الدفاع عن فضل شاكر، ما يمنح الطرفين هامشاً قانونياً واسعاً للطعن في القرارات إذا لم تكن في صالحهما.
إمكانية إخلاء سبيل فضل شاكر
من النقاط التي تشغل الرأي العام حالياً، إمكانية إخلاء سبيل فضل شاكر خلال فترة محاكمته. فالقانون اللبناني يتيح للموقوفين على ذمة محاكمات جنائية التقدم بطلب إخلاء سبيل بكفالة عدلية، خاصة إذا كانت حالتهم الصحية تستدعي العلاج.
وفي حالة شاكر، ذكرت مصادر مقربة أنه يعاني من مرض السكري وتدهور حالته الصحية، ما قد يشكل مبرراً قانونياً لتقديم طلب إخلاء سبيل موقت مع منع من السفر. ويُترك القرار النهائي في هذا الشأن إلى رئيس المحكمة العسكرية العميد بسام فياض، الذي يمكنه قبول الطلب أو رفضه، مع إمكانية استئناف القرار أمام محكمة التمييز العسكرية.
نفي ارتباطه بقضية محاولة اغتيال الشيخ ماهر حمود
ترددت في الأيام الأخيرة شائعات عن احتمال إضافة ملف جديد إلى قضية فضل شاكر، يتعلق بما يُعرف بمحاولة اغتيال الشيخ ماهر حمود، إمام مسجد القدس في صيدا عام 2013.
إلا أن مصادر مطلعة نفت بشكل قاطع وجود أي علاقة لفضل شاكر بهذه القضية، مؤكدة أن زجّ اسمه فيها هدفه سياسي وإعلامي، ويأتي من قبل بعض الأطراف التي تسعى إلى تأزيم موقفه القانوني وإثارة الرأي العام ضده.
وبناءً على هذا النفي، لا يُتوقع أن تضاف ملفات جديدة إلى القضية الحالية، ما يعني أن المحاكمة ستقتصر على القضايا الأربع الأساسية التي يُحاكم عليها حالياً.
الجانب الإنساني في القضية
بعيداً عن الجوانب القانونية، تثير قضية فضل شاكر جدلاً إنسانياً واسعاً في الأوساط اللبنانية والعربية. فالرجل الذي كان يوماً أحد أبرز الأصوات الغنائية في الوطن العربي، والمحبوب من جماهير واسعة، يجد نفسه اليوم خلف القضبان، يواجه مصيراً مجهولاً بعد مسيرة فنية ناجحة توقفت فجأة عقب أحداث عبرا.
الكثير من جمهوره يرى أنه تورط في مرحلة سياسية معقدة، وأن عودته لتسليم نفسه تشكل خطوة شجاعة نحو المصالحة مع الدولة والقانون، فيما يرى آخرون أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها بغضّ النظر عن شهرته أو ماضيه الفني.
خلفية سريعة عن معركة عبرا 2013
وقعت معركة عبرا في مدينة صيدا الجنوبية في يونيو 2013 بين الجيش اللبناني ومجموعة الشيخ أحمد الأسير، التي كان يُشتبه في أن الفنان فضل شاكر انضم إليها أو دعمها. وقد أسفرت المواجهات عن مقتل عدد من العسكريين والمدنيين، ما جعلها من أكثر الأحداث دموية في لبنان خلال تلك الفترة.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح اسم فضل شاكر مرتبطاً بتلك الأحداث، رغم أنه أكد مراراً أنه لم يشارك في القتال ضد الجيش، وأنه انفصل عن مجموعة الأسير قبل اندلاع المواجهات. وقد استندت المحكمة عام 2018 إلى هذا الدفاع لتبرئته من تهمة القتل والقتال، لكنها أبقت على باقي الاتهامات المتعلقة بالتمويل والانضمام إلى مجموعة مسلحة.
الاحتمالات المستقبلية للقضية
تفتح إعادة محاكمة فضل شاكر الباب أمام عدة احتمالات قانونية. فقد ينال البراءة مجدداً في بعض التهم إذا لم تتوافر أدلة قوية ضده، أو قد يُدان في بعضها الآخر إذا ثبتت مشاركته أو دعمه اللوجستي لأي نشاط مسلح.
ويرى بعض القانونيين أن مثوله الطوعي أمام القضاء سيكون عاملاً مخففاً قد يؤثر إيجابياً في الحكم، خاصة إذا أثبت دفاعه أنه لم يكن طرفاً فاعلاً في أي عمل مسلح. كما أن حالته الصحية وتعاونه مع السلطات قد يشكلان أسباباً إضافية لتخفيف أي حكم محتمل.
قضية فضل شاكر تمثل نموذجاً معقداً لتداخل الفن بالسياسة والقضاء في لبنان. فبينما يرى البعض أن ما جرى معه هو نتيجة طبيعية لموقفه السابق من الجيش اللبناني، يعتبر آخرون أن عودته وتسليمه نفسه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو العدالة والمصالحة.
ومع اقتراب موعد المحاكمة، يترقب الرأي العام اللبناني والعربي ما ستؤول إليه هذه القضية الحساسة، التي لا تهم الشأن القانوني فحسب، بل تحمل في طياتها أبعاداً فنية وإنسانية واجتماعية عميقة.
ويبقى السؤال الأبرز:
هل سيستعيد فضل شاكر حريته وعودته إلى الحياة الفنية بعد سنوات من الغياب، أم أن مسار العدالة سيأخذ منحى آخر؟
الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، مع انطلاق أولى جلسات محاكمته المنتظرة في المحكمة العسكرية اللبنانية.