لبنان – السابعة الاخبارية
فيروز، فُجعت السيدة فيروز، أيقونة الغناء اللبناني والعربي، صباح اليوم السبت بخبر صادم أفجع قلوب الملايين في الوطن العربي، حيث أعلنت وسائل إعلام لبنانية عن وفاة نجلها الفنان والموسيقي الكبير زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، ما أدخل فيروز في حالة من الانهيار والذهول.
وفور انتشار النبأ، توجّه فريق طبي إلى منزل فيروز في منطقة الرابية بالعاصمة بيروت، للاطمئنان على حالتها الصحية، حيث أشارت المصادر إلى أنها تمرّ بظروف نفسية دقيقة، وحالة من الصدمة العاطفية الشديدة بسبب الارتباط الوثيق الذي كان يجمعها بابنها الوحيد. وشهد محيط المنزل توافد عدد من أفراد العائلة والأصدقاء والمقرّبين، في ظل أجواء من الحزن العميق والترقب.
فيروز تعتبر زياد الرحباني أكثر من ابن، وشريك فني واستثنائي في الرحلة
لم يكن زياد الرحباني مجرد ابن بالنسبة لفيروز، بل كان رفيق دربها الفني، ومصدر إلهامها الجديد في مرحلة فنية فارقة من مسيرتها الغنائية. بدأت ملامح هذه العلاقة الفنية تتشكّل عندما كان زياد في سن الخامسة عشرة، حين قام بتلحين الأغنية الشهيرة “سألوني الناس” أثناء التحضير لمسرحية “المحطة”، وذلك في فترة كان فيها والده، الموسيقار عاصي الرحباني، طريح الفراش بعد إصابته بنزيف دماغي.
ورغم التحفظ الأولي من عاصي على هذه الخطوة، خشية أن تبدو كمحاولة لاستثمار مرضه، فإن الأغنية سرعان ما لاقت نجاحًا لافتًا، وأثبت زياد موهبته كملحن يحمل روح الرحابنة لكنه بأسلوب جديد ومختلف، ليصبح بعدها شريكًا دائمًا في تشكيل معالم جديدة لمسيرة والدته.
مشوار من التجديد الموسيقي والإبداع المشترك
منذ بداياته وحتى اليوم، قدّم زياد الرحباني لونًا موسيقيًا خاصًا، امتاز بالتجريب الجريء، والأسلوب الحداثي في التوزيع، والألحان التي خرجت عن الإطار التقليدي للمدرسة الرحبانية الكلاسيكية. واستطاع أن يقدم فيروز بصورة مغايرة، أكثر حيوية وعفوية، ما جعل الكثير من أغانيها في مرحلة ما بعد السبعينات تحمل توقيعه، وتلقى قبولًا جماهيريًا واسعًا.
من أبرز ما لحّنه لها: “أنا عندي حنين”، “البوسطة”، “كيفك إنت”، “عودك رنان”، “بعتلك”، “ضاق خلقي”، “سلملي عليه”، “قهوة”، “يا جبل الشيخ”، و”ولا كيف”، وكلها أغنيات أعادت رسم صورة فيروز لدى جمهورها، وأضافت بُعدًا اجتماعيًا وسياسيًا وحتى ساخرًا في بعض الأحيان إلى رسالتها الغنائية.
فنان مشاكس ومفكر حرّ… وهبة من نوع خاص
عرف زياد الرحباني بجرأته في طرح القضايا السياسية والاجتماعية، حيث كان من القلائل الذين جمعوا بين الفكر واللحن، وبين السخرية والوجع، فكانت مسرحياته مثل “بالنسبة لبكرا شو”، و”فيلم أميركي طويل” و”بخصوص الكرامة والشعب العنيد” انعكاسًا لمجتمع مأزوم لكنه لا يزال يضحك ويبكي في آنٍ واحد.
ورغم أن زياد كثيرًا ما أثار الجدل بمواقفه السياسية وآرائه النقدية للمجتمع، فإنه ظل محبوبًا لدى قطاع واسع من الجمهور العربي، لما يحمله من صدق وعفوية وثقافة موسيقية نادرة. وتميز بقدرته على مزج الموسيقى الشرقية بالجاز والغربي، ما جعله فنانًا عصريًا سابقًا لعصره.
نهاية مرحلة موسيقية غنية بالفكر والحب
برحيل زياد الرحباني، تخسر فيروز شخصًا كان يمثل لها أكثر من مجرد ابن، بل رمزًا لعطاء فني وإنساني لا يتكرر. كما يخسر لبنان والعالم العربي أحد أهم رموزه الموسيقية في العصر الحديث، الذي كان قادرًا على الجمع بين التراث والتجديد، وبين البساطة والعمق، وبين الموسيقى والفكر.
ورغم أن صوته لم يكن معروفًا كفنان يؤدي بنفسه كثيرًا، فإن بصمته كمؤلف موسيقي وكاتب ومسرحي ستظل باقية لعقود، وقد لا يأتي من يشبهه قريبًا. رحل زياد، وبقيت موسيقاه كجزء من نبض الشارع اللبناني، وصوت الأمكنة الحزينة، وأمل الناس البسطاء.
حالة من الحداد في الأوساط الفنية والجماهيرية
وفور إعلان الخبر، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الحزن والرثاء، حيث نعاه فنانون وإعلاميون من مختلف الدول العربية، مؤكدين أن زياد لم يكن مجرد موسيقي، بل كان ظاهرة فنية متفردة. كما طالب البعض بإقامة جنازة تليق بتاريخه، وتخليد اسمه في المراكز الفنية والتعليمية.
وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يُعلن بعد موعد التشييع الرسمي، فيما يُتوقع أن تصدر عائلة الرحباني بيانًا لتوضيح الترتيبات الخاصة بالجنازة. ولا يزال اللبنانيون والعرب يتبادلون صوره وأعماله بكثافة، في وداع حزين لصوتٍ كتب وجعهم ولحّن فرحهم، وكان دومًا قريبًا منهم، وإن بصمت.