لبنان – السابعة الاخبارية
كارول سماحة، أعلنت النجمة اللبنانية كارول سماحة عن مشروع فني جديد يحمل بصمة استثنائية، يتمثل في تعاونها مع الموسيقار الراحل زياد الرحباني، في خطوة أثارت اهتمام الجمهور والنقاد على حد سواء.
فعبر حسابها الرسمي في منصة “إنستغرام”، نشرت مقطعًا قصيرًا بدا فيه صوت الرحباني وهو يقول: “ما بتنترك لوحدك إنت”، بينما ظهرت كارول في المشهد وهي تتجه نحو المسرح وسط أجواء يغمرها الترقب والدهشة، لتعلّق قائلة:
“هالمرة التجربة غير.. صوتي مع بصمة العبقري الراحل زياد الرحباني بعمل راح تسمعوه قريبًا”.
هذه الكلمات القليلة كانت كفيلة بإشعال موجة من التساؤلات حول نوع العمل المنتظر، وهل سيكون أغنية، أو مشروعًا مسرحيًا أو تسجيلًا غير منشور من أرشيف الرحباني جرى تطويره ليواكب العصر الحديث.
ومع غياب التفاصيل الرسمية، يبدو أن سماحة اختارت أن تترك الجمهور في مساحة من الفضول الإيجابي، تمهيدًا لإطلاق عمل فني كبير يجمع بين الأصالة والتجديد، وبين صوتها الدافئ ولمسة زياد الموسيقية الفريدة.
كارول سماحة وزياد الرحباني.. لقاء بين جيلين وروحين فنيتين
يُعتبر هذا التعاون حدثًا فنيًا لافتًا، إذ يجمع بين صوت من أبرز الأصوات اللبنانية المعاصرة، وبين إرث فني ضخم لواحد من أهم رموز الموسيقى العربية الحديثة.
زياد الرحباني، الذي ورث عبقرية الرحابنة وأضاف إليها نكهة فكرية جريئة، ترك وراءه أعمالًا خالدة امتزج فيها الفن بالوعي الاجتماعي والسياسي.
أما كارول سماحة، فقد استطاعت خلال العقدين الماضيين أن تبني هوية موسيقية ومسرحية خاصة بها، تجمع بين الأداء الغنائي القوي والتعبير الدرامي العالي، ما يجعلها قادرة على احتضان بصمة الرحباني دون أن تذوب فيها.
فالتقاء هاتين الشخصيتين – وإن جاء بعد رحيل زياد – يُعد بمثابة حوار بين جيلين: جيل التأسيس الذي حمل لواء التجديد الفني والسياسي في لبنان، وجيل الحاضر الذي يسعى إلى صون تلك القيم بروح عصرية.
وفي هذا السياق، تبدو كارول وكأنها تعيد وصل الخيط بين الماضي والمستقبل، من خلال إحياء تراث الرحباني بروح جديدة تعبّر عن زمنها وعن جمهور اليوم.
العودة إلى خشبة المسرح بعد 18 عامًا
إلى جانب مشروعها الموسيقي المنتظر، حققت كارول عودة قوية إلى المسرح من خلال مسرحيتها الغنائية الجديدة “كلو مسموح”، التي عرضت مؤخرًا لتشكل نقطة تحول في مسيرتها الفنية.
العمل يُعد عودة فنية لافتة بعد غياب استمر 18 عامًا عن المسرح، منذ مشاركتها في الملحمة الرحبانية “زنوبيا” مع الراحل منصور الرحباني.
هذا الغياب الطويل جعل الجمهور والنقاد يترقبون عودتها بشغف، خصوصًا أن المسرح الغنائي لطالما كان أحد أهم مجالات تميزها.
ويحمل العرض الجديد طابعًا غنائيًا كوميديًا يدمج بين الموسيقى والتمثيل والرقص، في توليفة قريبة من روح مسرح برودواي.
المسرحية مستوحاة من العمل الأميركي الكلاسيكي Anything Goes الذي عرض لأول مرة عام 1934، لكنها قُدمت في نسختها العربية برؤية جديدة أخرجها الممثل والمخرج الشاب روي الخوري، ليمنحها روحًا محلية نابضة بالحياة.
رسالة فنية رغم الألم
اللافت أن عودة كارول إلى المسرح جاءت وسط ظروف شخصية صعبة، بعد وفاة زوجها رجل الأعمال المصري وليد مصطفى.
ورغم الحزن، قررت الفنانة اللبنانية ألا تغيب عن جمهورها، لتقف على الخشبة بعد أيام قليلة من الفقد، مقدّمة عرضًا كاملاً ينبض بالحياة.
هذا القرار عكس جانبًا إنسانيًا قويًا من شخصيتها، فهي لم تتحدّ فقط الألم الشخصي، بل جعلت من الفن وسيلة لتجاوز المحن.
ظهورها على المسرح في تلك اللحظة أثار إعجاب الجمهور، واعتُبر رسالة عن الإصرار على الحياة رغم الفقد، ورسالة أخرى عن إيمانها بدور الفن في التضميد والتعبير.
“كلو مسموح”.. عرض بروح عالمية
يحمل العمل الجديد عنوانًا رمزيًا يوحي بالتحرر والانفتاح على التناقضات الإنسانية.
في المسرحية، تتناول كارول موضوع الحب في زمن السرعة، وما يرافقه من تحديات بين الرغبة في التواصل والبحث عن الذات، في قالب خفيف يجمع الكوميديا بالدراما.
الأغنيات التي تتخلل العمل تعكس التنوع الموسيقي الذي عُرفت به كارول، ما بين المقامات الشرقية والإيقاعات الغربية، في حين صُممت الرقصات بأسلوب يوازن بين التعبير الحركي والدرامي.
العرض حقق تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، خاصة في ظل حضور كارول الطاغي وأدائها المسرحي المتقن، إذ استطاعت أن تقدم شخصية تجمع بين السخرية والحنان، وبين القوة والهشاشة في آن واحد.
ولم يكن غريبًا أن يُوصف العرض بأنه “مسرحية عالمية بروح لبنانية”، تجمع بين الاحتراف والإحساس المحلي.
امتداد للإرث الرحباني
عودة كارول إلى المسرح الغنائي في هذا التوقيت، بالتزامن مع إعلانها التعاون مع زياد الرحباني، تحمل رمزية كبيرة.
فهي بذلك تعيد التأكيد على العلاقة التاريخية بين المدرسة الرحبانية وجيل الفنانين اللبنانيين الذين تأثروا بها وواصلوا تطويرها.
زياد، الذي أعاد تعريف الموسيقى اللبنانية بطابعه الواقعي والسياسي، ترك بصمة لا يمكن تجاهلها، وكارول تبدو اليوم وكأنها تعيد فتح هذا الملف بإحساسها الخاص وصوتها المليء بالشجن والقوة.
قد يرى البعض في تعاونها مع زياد – وإن جاء بعد وفاته – محاولة لرد الجميل لهذا الإرث الفني الذي منح المسرح اللبناني هويته المميزة.
لكن الأهم أن هذا التعاون يعيد طرح سؤال جوهري حول مستقبل الموسيقى والمسرح في لبنان:
هل ما زال هناك مكان للأعمال الكبيرة التي تجمع بين الكلمة العميقة والموسيقى الأصيلة؟
كارول، من خلال اختياراتها الأخيرة، تجيب بنعم واضحة، مؤكدة أن الفن الجاد لا يموت طالما هناك من يؤمن به.
بين الحنين والتجديد
من الواضح أن كارول سماحة تعيش في هذه المرحلة من مسيرتها الفنية حالة من الموازنة بين الحنين والتجديد.
فهي لا تنكر تأثرها بالمدرسة الرحبانية التي شكلت جزءًا من وجدانها الفني، لكنها في الوقت نفسه لا تتوقف عن خوض التجارب الجديدة التي تمزج بين الكلاسيكية والحداثة.
وفي كل ظهور لها، سواء في أغنية أو عرض مسرحي، تثبت أنها فنانة لا تكرر نفسها، بل تواصل البحث عن لغة جديدة تعبّر بها عن مشاعرها وتطلعاتها.
ربما يكون تعاونها مع زياد الرحباني أكثر من مجرد مشروع موسيقي، بل جسرًا رمزيًا بين زمنين: زمن الكلمة الملتزمة واللحن المتقن، وزمن الفن الذي يسعى إلى الصمود في وجه السرعة والاستهلاك.
خاتمة
بهذا التعاون المنتظر وعودتها إلى خشبة المسرح، تثبت كارول سماحة أنها فنانة قادرة على الجمع بين الإرث والتجديد، بين الوفاء للماضي والإبداع في الحاضر.
صوتها الذي طالما حمل مزيجًا من الرقة والقوة، يجد اليوم صدى جديدًا في موسيقى زياد الرحباني، ذلك العبقري الذي غيّر ملامح الأغنية العربية الحديثة.
أما جمهورها، فينتظر بتشوق ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، وهو على يقين أن التجربة القادمة لن تكون عادية، بل خطوة فنية تحمل توقيعين خالدين: كارول سماحة وزياد الرحباني.