الإمارات – السابعة الاخبارية
لا تتحدث مع الغرباء، في ظل تنامي التهديدات الرقمية وتطور أساليب الجرائم الإلكترونية حول العالم، أطلقت وزارة الداخلية الإماراتية، بالتعاون مع القيادة العامة لشرطة دبي وشركة Visa العالمية، حملة توعوية وطنية تحت شعار لا تتحدث مع الغرباء، نصيحة لكل الأعمار.
تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الوعي الرقمي وتمكين كافة أفراد المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة من حماية أنفسهم من أشكال الاحتيال المتجددة، التي باتت تستهدف الصغار والكبار على حد سواء، عبر مكالمات ورسائل ومنصات متعددة.
لا تتحدث مع الغرباء.. حملة شاملة لجميع الفئات
تستهدف الحملة جميع شرائح المجتمع، من الأطفال إلى كبار السن، وتحمل رسالة واضحة: الحماية تبدأ من الوعي. في زمن بات فيه المحتالون يستخدمون أدوات تكنولوجية متطورة، مثل الهندسة الاجتماعية والرسائل النصية المزيفة والمكالمات التي تنتحل صفة جهات رسمية، يصبح من الضروري أن يتمتع الجميع بمهارات الكشف المبكر عن محاولات الاحتيال.
ما يميز هذه الحملة هو الأسلوب الإبداعي في التوصيل، حيث يظهر الأطفال في الإعلانات الموجهة وهم يقدمون النصيحة لآبائهم وأمهاتهم، في مشهد يعكس قلب الأدوار ويضفي بعدًا إنسانيًا وأُسريًا على الحملة.
أهداف استراتيجية لحماية الاقتصاد الرقمي
إلى جانب الأبعاد الاجتماعية والتوعوية، تسعى الحملة إلى تحقيق غايات استراتيجية أوسع ترتبط بأمن الاقتصاد الرقمي، الذي أصبح ركيزة أساسية في البنية الاقتصادية لدولة الإمارات.
في عصر المعاملات الرقمية والتحويلات الفورية والدفع الإلكتروني، أصبحت المعلومات البنكية والبيانات الشخصية ثروات رقمية يجب حمايتها. ومن هنا جاء التعاون مع شركة Visa، التي تُعد من أبرز الأسماء في مجال حلول الدفع، لتوحيد الجهود وتقديم محتوى تثقيفي يواكب التغيرات في أساليب الجريمة.
الحماية تبدأ من الوعي
تتضمن الحملة عدة محاور رئيسية:
- التوعية ضد الروابط الاحتيالية: التذكير بعدم الضغط على روابط مشبوهة تصل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية.
- عدم مشاركة البيانات السرية: مثل كلمات المرور، رمز التحقق OTP، أو رقم البطاقة مع أي طرف، حتى وإن بدا رسميًا.
- التحقق من هوية المتصل: خاصة عندما يدعي أنه من جهة مصرفية أو حكومية.
- تعليم الأطفال أهمية الخصوصية الرقمية: وكيفية رفض محاولات الصداقة من الغرباء على الإنترنت.
- تشجيع النقاش داخل الأسرة: حول الاستخدام الآمن للتكنولوجيا.
الحملة تؤكد على أن الثقة العمياء في الفضاء الرقمي أصبحت خطرًا، وأن الحذر والوعي أصبحا خط الدفاع الأول ضد من يسعون لاختراق الخصوصيات وسرقة الأموال.
تصميم المحتوى بما يناسب جميع الثقافات
واحدة من أبرز نقاط القوة في الحملة هي أنها صممت بعناية لتناسب التركيبة السكانية المتنوعة لدولة الإمارات. فقد تمت مراعاة اللغات والخلفيات الثقافية المختلفة، بحيث تصل الرسائل التوعوية بشكل فعّال لكل فئة.
تم إنتاج محتوى بصري مبسط وسهل الفهم، يُبث عبر القنوات الرسمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، ولوحات الإعلانات في الأماكن العامة. كما يتم تقديم ورش عمل ومواد تثقيفية في المدارس والمراكز المجتمعية لضمان التفاعل المباشر مع الجمهور.
الأمن الرقمي مسؤولية جماعية
من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الحملة أن الأمن الرقمي لا يخص فئة واحدة، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف المجتمع، الأسر، المؤسسات، والمدارس.
ولذلك، لا تقتصر الجهود على بث الإعلانات أو إرسال التنبيهات، بل يتم التركيز على خلق ثقافة مجتمعية واعية، تكون فيها المحادثة حول مخاطر الإنترنت جزءًا من الحياة اليومية.
فبدلاً من انتظار وقوع الجريمة، تهدف الحملة إلى بناء مناعة رقمية مجتمعية، تحصّن الناس ضد محاولات النصب الرقمي قبل وقوعها.
الأطفال على الخط الأمامي للتوعية
خطوة لافتة في الحملة هي الاعتماد على الأطفال كمصدر للرسائل التوعوية. إذ يظهر الأطفال في مشاهد إعلامية وهم يوجّهون النصائح لوالديهم، كأن يقول الطفل لوالده: “بابا، لا ترد على رقم مش معروف.. يمكن يكون نصاب”.
هذه المقاربة الذكية تُسهم في تعزيز تفاعل الأسر مع الحملة، وتكسر النمط التقليدي الذي يضع الكبار دائمًا في موقع الناصح. كما تغرس في الأطفال منذ الصغر قيم الحذر الرقمي والمسؤولية الإلكترونية، مما يعدهم لمستقبل أكثر أمانًا على الإنترنت.
تكنولوجيا الاحتيال تتطور.. والحل في الوعي
من أبرز التحديات التي تتناولها الحملة، هو أن طرق الاحتيال لم تعد تقليدية. فالمحتال اليوم قد يستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليد أصوات أشخاص نعرفهم، أو إنشاء مواقع مزيفة تبدو حقيقية تمامًا، أو إرسال رسائل تحمل أسماء مؤسسات مصرفية معروفة.
وقد يقع الضحايا في الفخ لأنهم ببساطة لا يتوقعون هذا المستوى من الحرفية. وهنا تظهر أهمية التوعية المستمرة، لا كحملة مؤقتة، بل كمشروع وطني دائم للتثقيف الرقمي.
دور الأسرة في الأمن الرقمي
الحملة تُعيد تسليط الضوء على أهمية الأسرة كمصدر أساسي للتوجيه الرقمي. فعلى الوالدين:
- تخصيص وقت للحديث مع الأبناء عن سلوكهم الرقمي.
- مراقبة التطبيقات والمواقع التي يستخدمونها.
- وضع قواعد واضحة لاستخدام الإنترنت، خاصة في الأعمار الصغيرة.
- تشجيع الأبناء على الإبلاغ عن أي شيء غريب أو غير مريح يرونه أو يتلقونه.
كما تدعو الحملة الآباء إلى تطوير وعيهم الرقمي، خاصة أولئك الذين لا يزالون يجهلون مخاطر بعض التطبيقات أو الطرق التي يستخدمها المحتالون.
الاقتصاد الرقمي الآمن.. مسؤولية الجميع
في دولة مثل الإمارات، التي تسعى أن تكون في طليعة الاقتصاد الرقمي العالمي، تصبح حماية المواطن والمقيم من التهديدات الرقمية ليس فقط مسؤولية أمنية، بل ضرورة اقتصادية.
فالأمن الرقمي يشكل الأساس لاستمرار الثقة في النظام المالي، وتطور التجارة الإلكترونية، وتوسع الخدمات الحكومية الذكية.
ومن هنا، تؤكد الحملة أن كل فرد في المجتمع له دور، سواء كان موظفًا حكوميًا، رائد أعمال، والدًا، طالبًا، أو حتى مستخدمًا عاديًا للإنترنت.
في الختام: الحملة ليست مجرد شعار
حملة “لا تتحدث مع الغرباء” هي أكثر من مجرد حملة توعية عابرة. إنها دعوة حقيقية لتغيير السلوك الرقمي، وبناء وعي جديد، يجعل من كل فرد في المجتمع حارسًا لبيته الرقمي.
وفي عصر يتطور فيه العالم الرقمي بسرعة فائقة، تبقى الحماية مسؤوليتنا جميعًا، تبدأ من أبسط تصرف: أن نقول لا… للغريب على الطرف الآخر من الشاشة.