تونس – السابعة الاخبارية
لطيفة، لم تستطع الفنانة التونسية لطيفة حبس دموعها خلال مشاركتها في جنازة الموسيقار زياد الرحباني، التي أُقيمت قبل أيام في كنيسة رقاد السيدة – المحيدثة، بكفيا. مشهد انهيار لطيفة خلال مراسم التشييع عكس حجم العلاقة الخاصة التي ربطتها بزياد، ليس فقط كفنانة تعاملت معه فنيًا، بل كإنسانة رافقت مشواره، واحتفظت معه بتواصل إنساني وفني عميق استمر لسنوات.
وفي منشور مؤثر نشرته عبر حسابها على “إنستغرام”، كشفت لطيفة عن آخر ما كتبه لها زياد قبل رحيله، في رسالة اختزلت مشاعر الانتظار والأمل، لكنها تحوّلت لاحقًا إلى فاجعة بعد وفاته.
لطيفة تكشف رسالة الرحباني: “أنا بتحسّن وفي انتظارك”… ثم الرحيل
قالت لطيفة إن زياد الرحباني كتب لها في آخر تواصل بينهما:
“أنا بتحسّن وفي انتظارك”.
رسالة مقتضبة لكنها تحمل الأمل الذي كان زياد يتمسّك به رغم مرضه، وتُشير إلى توقه لاستئناف اللقاء المنتظر، ربما لمناقشة مشروعهما الفني، أو لمجرد لقاء الأصدقاء كما اعتادا.
لكن الموت كان أسرع، فكتبت لطيفة بعد رحيله رسالة وداع موجعة قالت فيها:
“يا حبيبي أنا جيتك بس إنت رحت.. ما أصعب فراقك يا زياد، بس اللي متلك ما بيموت.. بحبك لتخلص الدني”.
رسالة لطيفة كانت من أكثر المنشورات تفاعلًا عبر مواقع التواصل، حيث أعاد جمهورها وجمهور زياد نشرها على نطاق واسع، مشيدين بصدق مشاعرها، ووفائها لهذه العلاقة التي جمعت بين فنانَين استثنائيين.
انهيار في الجنازة.. ورسالة صامتة
شاركت لطيفة في وداع زياد الرحباني، وظهرت باكية منهارة في مشهد رصده العديد من الحضور ووسائل الإعلام، خصوصًا عند لحظة إخراج الجثمان من الكنيسة. مشاعرها المنفلتة لم تكن غريبة على من يعرف العلاقة التي ربطتها بالموسيقار الكبير، والتي امتدت لسنوات، وشهدت تعاونًا فنيًا ظلّ طيّ الكتمان، إلى أن كشفت عنه لاحقًا.
وكان لافتًا أن لطيفة لم تُلقِ خطابًا أو كلمة خلال الجنازة، واكتفت بالحزن الصامت، وكأنها تقول الكثير دون كلام.
مشروع مؤجل.. وألبوم لم يُبصر النور
في مداخلة تلفزيونية سابقة، كانت لطيفة قد أعلنت عن وجود ألبوم كامل تعاونت فيه مع زياد الرحباني، وقالت إنه سُجّل بالكامل، وكان من المفترض طرحه في العام الماضي، لكن الأوضاع السياسية والاجتماعية حالت دون ذلك.
وصرحت آنذاك:
“قدمت كل التنازلات اللازمة لإنجاز المشروع، لكنني لم أكن مستعدة نفسيًا لإطلاقه وسط كل هذه الفوضى التي يمر بها الوطن العربي”.
وأضافت:
“زياد قدم عملاً كبيرًا جدًا، والعمل جاهز بنسبة 100%، لكنني لا أريد أن يُدفن تحت ركام الأحداث اليومية”.
ويبدو أن هذا الألبوم هو آخر عمل موسيقي من توقيع زياد الرحباني، ما يُضفي عليه قيمة رمزية وتاريخية كبيرة، ويضع مسؤولية أخلاقية وفنية على لطيفة لإخراجه للنور في الوقت المناسب.
منذ الطفولة.. حلم الغناء مع زياد
ولعل ما يُعمّق من أثر هذا التعاون، هو ما قالته لطيفة عن زياد الرحباني في أكثر من مناسبة، حيث عبّرت عن أن حلم الغناء من ألحانه كان يرافقها منذ الصغر، وصرّحت:
“منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري وأنا أحلم بالغناء من ألحان زياد. كان هذا الحلم يبدو بعيدًا في البداية، لكنه تحقق، وتحول إلى مشروع فني متكامل”.
هذا التصريح يُظهر مدى تقدير لطيفة لإرث زياد، وإيمانها العميق بموسيقاه التي اعتبرتها جزءًا من تكوينها الفني والثقافي.
“قلبي ارتاح”.. لكن القلب مكسور
رغم أن لطيفة أطلقت مؤخرًا عددًا من أغاني ألبومها الجديد بعنوان “قلبي ارتاح”، وأعلنت عن نيتها طرح باقي أغانيه تباعًا، إلا أنها أكدت في تصريحات صحفية أن ألبومها المنتظر مع زياد يظل الأقرب إلى قلبها.
“ألبوم زياد هو الأهم، والأقرب، وربما الأعمق فنيًا، لأنه خلاصة روحين تحبّان الموسيقى بلا مساومة، ولأنه يحمل توقيع زياد، الذي كان يُبدع حتى في لحظات الألم”.
وبين ألبومها الذي تطرحه حاليًا، والعمل الذي ما زال ينتظر اللحظة المناسبة، يعيش جمهور لطيفة على أمل أن يرى أخيرًا هذا المشروع النادر، الذي قد يكون بمثابة الوداع الفني الأخير من زياد الرحباني لجمهوره.
زياد الرحباني.. الحاضر رغم الغياب
برحيل زياد، فقدت الموسيقى العربية أحد أبرز مبدعيها، وأحد أكثر الأصوات نقدًا ومقاومة وحرية. لكن صداه لا يزال يملأ الساحات، وتعيش موسيقاه كما تعيش ذاكرته.
وبينما تبكيه فيروز أمًا حزينة، ولطيفة صديقة وفنانة وفية، يظل زياد حاضرًا في أرواح كل من عرفه أو سمعه أو تأثر بألحانه. فالفن الصادق لا يموت، بل يتحول إلى جزء من الحياة نفسها.