أمريكا – السابعة الاخبارية
ليوناردو دي كابريو، شهدت صالات السينما الأميركية نهاية أسبوع مخيبة للآمال، حيث تراجعت الإيرادات بشكل ملحوظ، خاصة بالنسبة لعدد من الأفلام التي كانت شركات الإنتاج تراهن عليها بقوة لموسم الجوائز وأبزرها ليوناردو دي كابريو، ومع استمرار تأثير جائحة كورونا على سلوك الجمهور، تبقى دور العرض في مواجهة تحدٍ كبير يتمثل في استعادة الزخم والرواد، في وقت باتت المنصات الرقمية خيارًا مفضلًا لشريحة واسعة من المشاهدين.
ليوناردو دي كابريو في “One Battle After Another”: تحفة فنية أم كارثة تجارية؟
من أبرز الأفلام التي كانت محط الأنظار هذا الموسم، فيلم One Battle After Another، من إخراج بول توماس أندرسون وبطولة النجم العالمي ليوناردو دي كابريو. ورغم الثناء النقدي الكبير على الفيلم، ووصفه من قِبل نقاد كُثر بـ”التحفة السينمائية”، إلا أن نتائجه في شباك التذاكر جاءت دون التوقعات، بل وشكّلت خيبة أمل واضحة لشركة الإنتاج.
الفيلم الذي تنتجه شركة وارنر براذرز خُصصت له ميزانية إنتاج ضخمة تجاوزت 130 مليون دولار، إضافة إلى حملة تسويق عالمية تُقدّر بحوالي 70 مليون دولار، أي أن التكلفة الإجمالية قاربت 200 مليون دولار. وبحسب تقديرات خبراء الصناعة، فإن الفيلم يحتاج لتحقيق إيرادات تتجاوز 300 مليون دولار عالميًا للوصول إلى نقطة التعادل، وهو أمر لم يحدث حتى الآن، إذ توقفت الإيرادات العالمية عند 140 مليون دولار فقط، مع تراجع مستمر في الأداء الأسبوعي.
خسائر مالية قد تصل إلى 100 مليون دولار
استنادًا إلى الأرقام الحالية، تشير التحليلات إلى أن الفيلم يتجه نحو خسائر قد تصل إلى 100 مليون دولار، مما يجعله أحد أكبر الإخفاقات التجارية لهذا العام. ومع أن شركة وارنر براذرز قللت من أهمية هذه الخسارة عبر التأكيد على أن نتائجها السنوية لا تزال إيجابية بفضل نجاحات أخرى، فإن حجم الاستثمار في الفيلم كان يعوّل عليه لتقديم عائد كبير، خصوصًا أنه يحمل توقيع مخرج مرموق ويضم نجمًا بحجم دي كابريو.
ورغم أن الخسارة قد تكون قابلة للامتصاص من قبل شركة بحجم وارنر، إلا أنها تُسلط الضوء على المخاطر المتزايدة المرتبطة بإنتاج الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة الموجهة لجمهور البالغين.
آلية توزيع الأرباح تُقيد الأرباح الحقيقية
إحدى العقبات الأساسية التي تواجه مثل هذه الإنتاجات الضخمة، تتعلق بنظام توزيع الأرباح بين شركات الإنتاج ودور العرض. ففي النظام التقليدي، تحصل دور السينما على نسبة تُقارب النصف من الإيرادات، ما يعني أن الفيلم بحاجة إلى مضاعفة تكاليفه الإنتاجية ليبدأ بتحقيق ربح فعلي.
إضافةً إلى ذلك، فإن عقد ليوناردو دي كابريو يتضمن بندًا يمنحه نسبة من الإيرادات منذ اليوم الأول للعرض، وهو ما يُقلص من حصة الشركة المنتجة، حتى في حال وجود أداء جيد نسبيًا.
هذا النوع من العقود، الشائع بين النجوم الكبار، يزيد من صعوبة تعويض التكلفة المرتفعة، خاصة في بيئة سوقية غير مستقرة كما هو حال السينما بعد الجائحة.
تراجع جاذبية الأفلام الدرامية في صالات السينما
يرى محللو شباك التذاكر أن الأفلام الدرامية أو الموجهة لجمهور البالغين باتت أقل جذبًا للجمهور في السنوات الأخيرة، مقارنة بالأعمال الضخمة ذات الطابع البصري أو تلك التي تنتمي لسلاسل ناجحة. يعود ذلك جزئيًا إلى تغير سلوك الجمهور، الذي بات يفضّل انتظار هذه الأفلام لمشاهدتها عبر المنصات الرقمية، خاصة مع تقليص فترة العرض الحصري في دور السينما من 90 يومًا إلى أسابيع معدودة فقط.
ومع توفّر خدمات البث الممتازة وجودة العرض المنزلية العالية، لم يعد كثير من المشاهدين يرون ضرورة لدفع ثمن تذكرة السينما لأعمال يمكن مشاهدتها لاحقًا براحة أكبر في المنزل.
منافسة شرسة… ولكن في اتجاه واحد
يشير خبراء الصناعة إلى أن الجمهور أصبح يختار بحذر المناسبات التي يذهب فيها إلى السينما، وغالبًا ما يفضّل الأعمال التي تحمل طابعًا مأمونًا: أفلام ذات أبطال خارقين، أجزاء جديدة من سلاسل ناجحة، أو أعمال مؤثرة بصريًا تستفيد من تجربة الشاشة الكبيرة.
في المقابل، الأفلام ذات الطابع الفني أو الإنساني، ورغم جودتها، تجد صعوبة في تحقيق نفس المستوى من الجذب الجماهيري، ما يجعلها ضحية للتغيرات الثقافية والتكنولوجية التي طرأت على صناعة السينما.
فشل جماعي يضرب شركات أخرى
الإخفاقات لم تقتصر على فيلم “One Battle After Another”، فقد واجهت شركة A24 خسائر واضحة بعد فشل فيلمها الرياضي The Smashing Machine، رغم بطولة النجم المعروف دواين جونسون. الفيلم لم يستطع الصمود في شباك التذاكر، وتراجعت إيراداته بعد الأسبوع الأول بشكل حاد.
كذلك، عانى فيلم Roofman من أداء باهت بإيرادات لم تتجاوز 8 ملايين دولار، ما يعكس هشاشة السوق الحالية أمام الأفلام المتوسطة الميزانية، والتي كانت في الماضي حجر الأساس لصناعة السينما الأميركية.
هذا الاتجاه المتكرر يضع علامات استفهام حول قدرة هذه الفئة من الأفلام على البقاء في بيئة تتطلب إما ضجيجًا بصريًا أو اسمًا تجاريًا كبيرًا لتحقيق النجاح.
بين القيمة الفنية والعائد التجاري: معضلة الصناعة
رغم الخسائر التجارية، لا يزال فيلم “One Battle After Another” مرشحًا قويًا في سباق جوائز الأوسكار، ما يمنح شركة وارنر براذرز نوعًا من الاعتراف المعنوي والمكانة الثقافية، التي لا تقل أهمية في عالم السينما.
فالفوز أو الترشح لجوائز مرموقة يمكن أن يرفع من قيمة الكتالوغ السينمائي للشركة، ويعزز من صورتها كمنتجة لأعمال فنية ذات جودة عالية. لكن، يبقى السؤال مطروحًا: هل يكفي النجاح النقدي لتبرير تكاليف إنتاج تفوق 200 مليون دولار؟
في بيئة يزداد فيها الضغط على الميزانيات، قد يكون من الضروري إعادة التفكير في معادلة الإنتاج، بما يحقق توازنًا أوضح بين القيمة الفنية والعائد التجاري.
تحديات مرحلة ما بعد الجائحة
ما تزال السينما الأميركية تعاني من تبعات جائحة كورونا التي ضربت الصناعة في عمقها. فإغلاق دور العرض لفترات طويلة، وتراجع العادات الجماهيرية، وتسارع التحول إلى المنصات الرقمية، كلها عوامل أدت إلى تغيّر جذري في آليات العرض والطلب.
وعلى الرغم من أن بعض الأفلام استطاعت استعادة جمهورها – خصوصًا الأعمال الجماهيرية – إلا أن العودة الكاملة لم تحدث بعد، وهو ما يضع ضغوطًا إضافية على شركات الإنتاج التي باتت تتساءل: ما نوع الفيلم الذي يستحق الاستثمار الكبير في هذه المرحلة؟
هل آن أوان النموذج الهجين؟
في ظل هذه التحولات، يطرح كثير من المحللين إمكانية الاتجاه نحو النموذج الهجين: أي الدمج بين العرض السينمائي المحدود، والعرض المبكر على المنصات الرقمية، بما يضمن تعويض أسرع للتكاليف، واستفادة مزدوجة من الترويج السينمائي والجماهيري المنزلي.
لكن هذا النموذج لا يزال يثير جدلاً في أوساط المخرجين والمنتجين التقليديين، الذين يرون في الشاشة الكبيرة مكانًا لا غنى عنه لتقديم الفن السينمائي بأبهى صوره.
في الختام: دروس من موسم مرتبك
يُظهر أداء شباك التذاكر الأميركي الأخير بوضوح أن صناعة السينما تمر بـمرحلة انتقالية دقيقة، تتطلب إعادة تقييم استراتيجية الإنتاج والتوزيع. فيلم “One Battle After Another” يمثل حالة واضحة لهذه التحديات: عمل فني نال الإعجاب، لكنه فشل في تحقيق الربح المطلوب.
في النهاية، تظل السينما فنًا وتجارة في آنٍ واحد، ويبدو أن النجاح المستقبلي سيعتمد على القدرة على الموازنة بين الإبداع والواقعية المالية، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه صناع الأفلام اليوم.