القاهرة – السابعة الاخبارية
مأساة عريس أسوان، حوّلت ليلة العمر في مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان إلى ذكرى حزينة لن تُمحى من ذاكرة الأهالي، بعد أن سقط عريس شاب يُدعى أشرف أبو حاكم ميتًا فجأة أثناء مراسم زفافه، وسط ذهول الحاضرين وانهيار العروس، في مأساة سميت باسم مأساة عريس أسوان.
كان الاحتفال قد بدأ للتو. الأغاني تعلو، والزغاريد تُطلق، والعريس يتقدّم بين أهله وأصدقائه، مبتسمًا وفخورًا بيومه الكبير، لكنه لم يكن يعلم – ولم يعلم أحد – أن هذه اللحظات ستكون الأخيرة له في الدنيا. لحظات معدودة كانت كافية لقلب المشهد من فرحة إلى فاجعة، ومن زفاف إلى جنازة.
مأساة عريس أسوان.. انهيار مفاجئ وسط الزفة
“كان يمسك عصاه ويشارك في الزفة الشعبية بحماس”، هكذا روى أحد الحضور تفاصيل اللحظات الأخيرة للعريس. فجأة، سقط “أشرف” على الأرض، أمام أنظار الجميع. لم يكن سقوطه تمثيليًا ولا تعبيرًا عن إرهاق. كانت سقطة الموت.
في لحظات، عمت الفوضى. توقفت الموسيقى، صرخات تعالت، العروس أُصيبت بحالة من الذهول ثم الانهيار، ونُقلت على الفور إلى المستشفى. أما العريس، فقد جرى نقله إلى مستشفى كوم أمبو المركزي، وهناك أعلن الأطباء أنه فارق الحياة إثر سكتة قلبية مفاجئة.
المدينة ترتدي السواد.. والجميع في حالة صدمة
لا تزال مدينة كوم أمبو تعيش حالة من الحزن الشديد، منذ لحظة إعلان الوفاة. بيت العائلة تحوّل إلى سرادق عزاء مفتوح. كل من سمع الخبر جاء مذهولًا. لم يكن أحد يتوقّع أن تنتهي ليلة الزفاف بهذا الشكل المأساوي.
المئات شيّعوا جثمان العريس في مشهد يقطر ألمًا. لم تكن جنازة عادية، بل كانت جنازة عريس ارتدى بدلته ليس للموت بل للفرح، فحملوه على الأكتاف وهو في عز شبابه، وسط دعواتٍ ودموع وقلوب مكسورة.
“مرية الفرح تحوّلت إلى كفن أبيض”
ما يجعل القصة أكثر ألمًا، أن العريس كان قد أعد كل تفاصيل زفافه بدقة. اختار الأغاني، دعا الأهل والأصدقاء، اشترى ملابس الزفاف بنفسه، وخطط لكل شيء كي تكون ليلته مميزة. لكنّ القدر كتب له سيناريو مختلفًا.
أحد أصدقاء العريس كتب عبر حسابه: “كان يحلم بزفة لا تُنسى، وها هو يُزف اليوم، لكن إلى قبره، لا إلى عش الزوجية. مرية الفرح تحوّلت إلى كفن أبيض، وبدل الأغاني صدحت أصوات البكاء.”
قصة تنبؤ غريب.. “مش حعيش كتير”
المفاجأة التي هزّت مشاعر الجميع جاءت على لسان أحد أقرباء العريس، والذي كشف أن “أشرف” كان يشعر بأنه لن يعيش طويلًا. قال لهم: “حاسس إن عمري قصير.. مش هكمل أسبوع”، بل إنه ذهب إلى محامٍ قبل أيام من الزفاف، وكتب وصيته!
هل كان إحساسًا داخليًا؟ هل كانت نبوءة قلب؟ أم أن “أشرف” كان يعاني من أعراض طبية تجاهلها؟ لا أحد يعرف. لكن المؤكد أن حديثه السابق بات الآن حديث المدينة، وسط حالة من الدهشة والتساؤل.
“متلازمة القلب السعيد”.. الوجه الآخر للفرح
وفقًا لتقارير طبية، فقد يكون ما حدث للعريس حالة طبية نادرة تُعرف باسم “متلازمة القلب السعيد” (Happy Heart Syndrome)، وهي نوع من اعتلال عضلة القلب الناتج عن مشاعر فرح شديدة ومفاجئة.
يقول الأطباء إن هذه الحالة تشبه في أعراضها النوبة القلبية، وتؤدي إلى اضطراب حاد في ضربات القلب، وغالبًا ما تحدث لدى من يعانون من ضغوط نفسية، أو مشاكل قلبية غير مشخصة.
وقد تؤدي هذه المتلازمة إلى توقف عضلة القلب بشكل مفاجئ، خاصة إذا ارتبطت بارتفاع مفاجئ في هرمونات التوتر مثل الأدرينالين، وهو ما قد يكون قد حدث للعريس في لحظة اندماجه بالزفة.
تعليق من طبيب القلب جمال شعبان
الدكتور جمال شعبان، العميد الأسبق لمعهد القلب القومي، علّق على الحادث المأساوي قائلًا: “ما حدث للعريس قد يكون ناتجًا عن اختلال كهرباء القلب، وهي حالة تُعرف بـ Sudden Cardiac Death، وتحدث نتيجة اضطراب فجائي في النبضات الكهربائية للقلب، حتى لو لم تكن هناك أمراض ظاهرة مسبقًا.”
وأضاف: “الضغوط النفسية، السهر، التدخين، الإرهاق الشديد، والعوامل الوراثية، كلها عوامل يمكن أن تؤدي إلى وفاة مفاجئة حتى لدى الشباب.”
وأوضح أن الكثير من الشباب يتعرضون لمثل هذه الحالات دون سابق إنذار، ما يدعو إلى أهمية إجراء فحوصات قلبية دورية، حتى لمن لا تظهر عليهم أي أعراض.
صدمة العروس.. “كانت تنتظره ليبدأوا الحياة”
أكثر من نال النصيب الأكبر من الألم هي العروس، التي دخلت في حالة من الانهيار العصبي بعد مشهد وفاة شريك حياتها أمام عينيها. لم تصدّق ما حدث، وظلت تردّد: “مش معقول… كان واقف جنبي حالًا.”
تم نقلها إلى قسم العناية المركزة تحت مراقبة طبية ونفسية مشددة، في ظل مخاوف من تأثير الصدمة العنيفة على صحتها العامة. فبينما كانت تحلم ببداية جديدة، شاءت الأقدار أن تُسدل ستارة النهاية قبل أن تُفتح أبواب البيت الجديد.
تفاعل واسع عبر مواقع التواصل
مع انتشار الخبر، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات الرثاء، والدعاء للعريس، والحديث عن قِصر الحياة وغموض الأقدار.
كتب أحد أصدقاء العريس: “كلمته قبل يومين، وقلت له ألف مبروك، رد عليا وقال: نصيب وربنا يسهل. ماكنتش أعرف إنه نصيبك الأخير في الدنيا.”
آخر كتب: “يا بختك.. الناس بتزفك في الأرض، والملائكة بتزفك للسماء. عريس في الجنة إن شاء الله.”
دروس قاسية من مأساة أشرف
حادثة وفاة عريس أسوان فتحت باب النقاش حول مدى خطورة الضغوط النفسية قبل الزفاف، والإرهاق البدني خلال التحضيرات، خاصة في المجتمعات التي يُثقل فيها كاهل العريس بمسؤوليات هائلة قبل الزواج.
كما دعت أصوات طبية إلى ضرورة توعية الشباب بمخاطر السكتة القلبية المفاجئة، وأهمية التوجّه للفحص الدوري، حتى في غياب أعراض، لأن بعض المشاكل القلبية لا تظهر إلا في لحظات الخطر.
في الختام: “وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا”
رحل العريس “أشرف” قبل أن يدخل بيته الجديد، رحل وهو في كامل زينته، مبتسمًا، راقصًا بين أحبائه. لم يعلم أن تلك الزفة كانت زفته الأخيرة.
هذه القصة لم تكن مجرّد حادثة، بل رسالة صامتة تُذكّرنا بأن الحياة هشة، وأن الفرح لا يحصّننا من الفقد، وأننا لا نملك من أمرنا شيئًا أمام قضاء الله.
سيوارى جسده الثرى، لكن اسمه سيبقى محفورًا في ذاكرة مدينة بكاملها، كانت على موعد مع الفرح، فأصبحت على وقع الألم.