السابعة – الاخبارية
مايكروسوفت، في عالم يعتمد بشكل متزايد على الحوسبة السحابية، تُشكّل خدمات الإنترنت العمود الفقري لحركة البيانات العالمية. إلا أن هذه المنظومة شديدة التعقيد، رغم تطورها، تظل عُرضة لتأثيرات خارجة عن السيطرة، كما حدث مؤخرًا عندما أعلنت شركة مايكروسوفت أن خدمة “أزور” السحابية، التي تُعد ثاني أكبر مزود في العالم بعد “أمازون ويب سيرفيسز”، تواجه اضطرابات في الأداء نتيجة انقطاعات وقعت في كابلات الألياف الضوئية تحت الماء.
مايكروسوفت تحذر مستخدميها.. ما الذي حدث؟
أوضحت شركة مايكروسوفت في بيان رسمي أن عدة انقطاعات في كابلات الألياف الضوئية الموجودة في أعماق البحار أثّرت بشكل مباشر على حركة البيانات بين مناطق آسيا وأوروبا، مرورًا بالشرق الأوسط. وتُستخدم هذه الكابلات لنقل كميات هائلة من البيانات بسرعة عالية بين القارات، وهي تشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية الرقمية العالمية.
الانقطاعات، التي لم تُحدد الشركة موقعها بدقة، جاءت على ما يبدو في وقت حساس، إذ تعتمد الملايين من الشركات والمستخدمين حول العالم على خدمات “أزور” لتشغيل مواقعهم الإلكترونية، قواعد بياناتهم، خدماتهم المالية، وحتى منصات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المعتمدة على البيانات الضخمة.
زمن وصول أطول وتأثيرات مباشرة
أشارت مايكروسوفت إلى أن هذه الانقطاعات أدت إلى زيادة في زمن الوصول latency، وهي المدة الزمنية التي تستغرقها البيانات للانتقال من نقطة إلى أخرى عبر الشبكة. هذه الزيادة تُعد عاملاً حاسمًا في تجربة المستخدم، خاصةً في التطبيقات التي تتطلب تفاعلًا مباشرًا وفوريًا، مثل خدمات البث المباشر، الألعاب الإلكترونية، والخدمات المصرفية الرقمية.
مايكروسوفت أكدت أنها باشرت على الفور إعادة توجيه حركة البيانات عبر مسارات بديلة، لتقليل أثر الانقطاعات، لكنها حذرت من أن هذه الحلول المؤقتة قد لا تعوّض بالكامل عن السرعة والاستقرار اللذين توفرهما المسارات الأصلية، خاصة مع الضغط المتزايد على هذه الطرق البديلة.
أهمية كابلات الألياف البحرية في الإنترنت العالمي
قد يجهل البعض أن أكثر من 95% من حركة الإنترنت الدولية تتم عبر كابلات الألياف الضوئية البحرية، الممتدة لمسافات هائلة تحت البحار والمحيطات. هذه الكابلات، التي قد يبلغ طول بعضها عشرات آلاف الكيلومترات، تمر عبر نقاط جغرافية حساسة وتخضع لتقلبات الطبيعة، ما يجعلها معرضة لأضرار من أسباب مختلفة، مثل الزلازل البحرية، أو نشاطات صيد غير مقصودة، أو حتى خلل تقني داخلي.
وفي هذا السياق، تعتبر منطقة الشرق الأوسط نقطة عبور حيوية لهذه الكابلات بين آسيا وأوروبا. أي انقطاع في هذه المنطقة يمكن أن يُحدث تأثيراً واسع النطاق على حركة البيانات العالمية.
رد مايكروسوفت: مراقبة وإعادة توازن مستمرة
قالت مايكروسوفت إنها مستمرة في مراقبة الوضع بشكل دقيق، وتقوم بـإعادة توازن وتوزيع المسارات routing بهدف تحسين تجربة العملاء وتقليل زمن التأخير قدر الإمكان. وأكدت أنها ستقوم بتقديم تحديثات يومية لمتابعة تطورات الوضع أو في حال طرأت تغييرات جوهرية.
مثل هذه الإجراءات تعكس حجم التعقيد الذي تتعامل معه الشركات التقنية الكبرى عندما يتعلق الأمر بضمان استمرارية الخدمات في ظروف غير اعتيادية.
تأثيرات محتملة على المستخدمين والخدمات
رغم أن الشركة لم تُعلن عن توقف كامل لأي من خدماتها، فإن المستخدمين قد يلاحظون تباطؤًا في استجابة بعض التطبيقات والخدمات السحابية، خصوصًا في الدول التي تمر حركة بياناتها عبر مناطق الشرق الأوسط نحو آسيا أو أوروبا.
تشمل هذه التأثيرات خدمات مثل:
- الوصول إلى قواعد البيانات البعيدة
- تأخر في تحميل ملفات من خدمات التخزين السحابي
- بطء في تحميل التطبيقات المستضافة على “أزور”
- صعوبات في أداء جلسات العمل عن بُعد المعتمدة على البنية السحابية
وتُشير بعض التقديرات إلى أن الشركات التي تستخدم “أزور” لتشغيل أدوات الذكاء الاصطناعي أو تحليلات البيانات قد تواجه بطئًا ملحوظًا بسبب زيادة زمن الاستجابة بين الخوادم والمستخدمين النهائيين.
خدمات الحوسبة السحابية في عصر هشاشة الاتصال
الحادثة تفتح الباب لمناقشة أوسع حول هشاشة البنية التحتية العالمية للإنترنت. فرغم التقدم التقني الهائل، لا تزال بعض عناصر المنظومة الرقمية العالمية معرضة لخطر الأعطال الجسيمة التي يصعب تداركها بسرعة.
كما أنها تُبرز حاجة الشركات الكبرى إلى الاستثمار في حلول اتصال احتياطية (redundancy solutions) أكثر تنوعًا، سواء عبر أقمار صناعية، أو شبكات أرضية بديلة، للحد من تأثير انقطاعات كابلات الألياف البحرية.
هل هناك تهديدات أمنية؟
في حين لم تشر مايكروسوفت إلى أي شبهة أمنية أو هجوم رقمي وراء هذه الانقطاعات، فإن تكرار هذه الحوادث يُعيد إلى الأذهان احتمالية تعرض هذه البنى التحتية لهجمات مستقبلية، سواء مادية أو رقمية.
لذلك، بات من الضروري أن تتخذ الحكومات والشركات تدابير أمنية مشددة لحماية كابلات الألياف البحرية من أي عبث متعمد، خاصة في ظل النزاعات الجيوسياسية والتوترات العالمية التي تُحمل فيها البنية الرقمية أعباءً جديدة.
الدروس المستخلصة من الأزمة
- البنية التحتية العالمية تحتاج إلى تعزيز واستثمار مستدام: الاعتماد الكبير على كابلات بحرية وحيدة قد يهدد مستقبل الخدمات السحابية.
- ضرورة وجود خطط بديلة واضحة: الشركات والمستخدمون بحاجة إلى خطط طوارئ تعتمد على مسارات بديلة ووسائل اتصال احتياطية.
- الشفافية مطلوبة: مايكروسوفت أظهرت مثالًا يُحتذى في التواصل مع العملاء، وهو ما يُساعد على تقليل الهلع وضمان بقاء الثقة.
- التحول إلى حلول هجينة: تنويع البنية السحابية والربط بين خوادم في قارات مختلفة بات من الضروريات التقنية لاستمرارية الأعمال.
ما المتوقع خلال الأيام القادمة؟
من المتوقع أن تستمر اضطرابات زمن الوصول لبعض المستخدمين حتى يتم إصلاح الكابلات المتضررة، وهو إجراء قد يستغرق من أيام إلى أسابيع، بحسب طبيعة الضرر وموقعه في البحر. ستستمر مايكروسوفت في إعادة توازن حركة البيانات، وقد تُطلق تحديثات برمجية لتخفيف الأعباء عن الخوادم المتأثرة.
في الوقت ذاته، قد تشهد الأسواق حراكًا في البحث عن حلول اتصال أسرع وأكثر استقرارًا، وقد تستفيد شركات مثل “ستارلينك” التي تقدم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، من مثل هذه الأزمات لتوسيع نفوذها.
خاتمة: التكنولوجيا ليست بمنأى عن المخاطر الطبيعية
رغم الاعتماد الكلي على التكنولوجيا في كل مناحي الحياة اليوم، فإن حادث انقطاع كابلات الألياف الضوئية تحت البحر يُذكّرنا بأن العالم الرقمي ليس معزولًا عن العالم الواقعي. وبينما تُقدم الشركات العملاقة مثل مايكروسوفت خدمات مذهلة على مدار الساعة، فإن هشاشة هذه الشبكات قد تظهر في لحظة، وتقلب الموازين.
ومع استمرار تطور الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، بات من الضروري النظر إلى البنية التحتية الرقمية على أنها ليست فقط مسألة تقنية، بل أمن قومي واستثماري، يستحق الحماية والمراقبة والتحديث المستمر.