الهند – السابعة الإخبارية
لعبة.. في حادثة هزّت الرأي العام في الهند، أقدم طفل يبلغ من العمر 12 عاماً على الانتحار بمدينة لوكناو، بعدما خسر ما يقارب 13.3 مليون روبية (نحو 16 ألف دولار أمريكي) من حساب والده المصرفي في لعبة إلكترونية، لتتحول المأساة إلى جرس إنذار بشأن المخاطر المتزايدة لإدمان الألعاب الرقمية على الأطفال والمراهقين.
من الادخار إلى الكارثة
تفاصيل القصة المؤلمة بدأت حين توجه والد الطفل، سوريش كومار ياداف، إلى البنك لسحب مبلغ مخصص لعلاج زوجته المريضة، لكنه فوجئ بأن الحساب أصبح فارغاً. وبعد مراجعة كشف الحساب، اكتشف سلسلة من المعاملات مرتبطة بمدفوعات داخل لعبة إلكترونية.
الصدمة كانت أكبر حين أدرك الأب أن المبلغ المستنزف يمثل كل مدخراته التي جمعها بشق الأنفس بعد بيع قطعة أرض قبل عامين. وعند عودته إلى المنزل، واجه ابنه ياش كومار بما اكتشفه، فأنكر الطفل في البداية، قبل أن ينهار ويعترف بأنه ربط حساب والده باللعبة الشهيرة “Free Fire” وخسر المبلغ على مراحل أثناء اللعب.

مواجهة لم تنتهِ بسلام
ورغم أن الأب حاول التماسك، وطمأن ابنه بأنه لن يعاقبه، بل استعان بمعلم الدروس الخصوصية لمساعدته على تجاوز الأزمة، فإن الصبي لم يستطع التخلص من مشاعر الذنب والخوف. وبعد وقت قصير من المواجهة، صعد إلى غرفته، حيث عثرت أسرته عليه مشنوقاً.
نُقل ياش إلى مركز صحي قريب، لكن الأطباء أعلنوا وفاته فور وصوله. حضرت الشرطة إلى الموقع وفتحت تحقيقاً رسمياً، فيما أُرسل جثمان الطفل إلى الطب الشرعي.
صدمة للأسرة والمجتمع
المأساة لم تصب الأسرة وحدها، بل امتدت إلى محيطها الاجتماعي. فقد فقدت الأم وعيها عند سماعها الخبر، بينما دخلت شقيقته غونجان في حالة انهيار. أما مدرسته، فأعلنت الحداد وأغلقت أبوابها يوم 16 سبتمبر تضامناً مع عائلته.
هذا الحدث يسلط الضوء على حجم المعاناة التي قد يسببها الإدمان الإلكتروني، ليس فقط مادياً، بل نفسياً أيضاً، إلى درجة دفع أطفال في أعمار صغيرة إلى إنهاء حياتهم تحت وطأة الخوف والذنب.
ليست الحادثة الأولى
اللافت أن هذه المأساة ليست معزولة، فقد شهدت الهند خلال الأشهر الماضية عدة حوادث مشابهة لشبان انتحروا نتيجة ضغوط نفسية أو خسائر مالية بسبب الألعاب الإلكترونية. وتؤكد تقارير الشرطة أن “Free Fire” و**“PUBG”** من أكثر الألعاب المرتبطة بهذه الحوادث، لما تحتويه من عناصر الإدمان المبنية على نظام المكافآت السريعة، الذي يرفع مستوى هرمون الدوبامين في الدماغ، ما يجعل الخسارة أكثر إيلاماً على المراهقين غير القادرين على ضبط اندفاعاتهم.

تحذيرات الخبراء
خبراء علم النفس في الهند أكدوا أن الأطفال والمراهقين أكثر عرضة لهذه المخاطر بسبب عدم اكتمال نمو مناطق الدماغ المسؤولة عن اتخاذ القرارات والسيطرة على الاندفاعات. وأوضحوا أن الألعاب الإلكترونية المصممة بنظام “اشتر لترتقي” (Pay to Win) قد تدفع الطفل لاستخدام بطاقات مصرفية مرتبطة بالهاتف دون إدراك العواقب.
وحذّر الخبراء من أن الجمع بين الضغط الاجتماعي داخل اللعبة (من خلال المنافسة مع الأصدقاء) والخسائر المالية قد يولد لدى الطفل شعوراً ساحقاً بالفشل والعار، وهي مشاعر قد تقوده إلى خيارات مأساوية مثل الانتحار.
دعوات للمراقبة الأسرية
من جانبها، دعت الشرطة الهندية أولياء الأمور إلى تعزيز الرقابة على نشاط أبنائهم الرقمي، وربط الحسابات المصرفية بحذر شديد، إضافة إلى تحديد حدود زمنية يومية لاستخدام الهواتف والألعاب الإلكترونية.
كما نصحت بضرورة التحدث مع الأبناء بشكل صريح حول مخاطر الإدمان، ومراقبة أي علامات للضغط النفسي مثل الانعزال أو تقلب المزاج أو فقدان الاهتمام بالدراسة والأنشطة الاجتماعية.
تأثير عالمي
المأساة التي شهدتها لوكناو تطرح أسئلة تتجاوز حدود الهند، خاصة أن لعبة “Free Fire” تحظى بشعبية واسعة في الشرق الأوسطأيضاً. بل إن اللعبة سبق أن استعانت بالفنان المصري محمد رمضان الذي ظهر بشخصيته الحقيقية داخلها، ما زاد من انتشارها في المنطقة.
ورغم أن وجود النجوم يعزز من شعبية الألعاب، إلا أن الخبراء يشددون على أن المسؤولية تقع على الشركات المطوِّرة لضمان ضوابط حماية أكثر صرامة، مثل أنظمة إنفاق مقيّدة للقُصَّر، ورسائل توعية داخل الألعاب نفسها.

رحيل ياش كومار المفاجئ ليس مجرد مأساة شخصية، بل جرس إنذار يذكّر المجتمعات بخطورة تجاهل أثر الألعاب الإلكترونية على الأطفال. فبينما يمكن أن تكون هذه الألعاب وسيلة للترفيه والتواصل، فإن غياب المراقبة والضوابط قد يحولها إلى مصدر خطر قاتل.
اليوم، تقف العائلات والحكومات وشركات الألعاب أمام مسؤولية مشتركة: حماية الأطفال من الوقوع في فخ الإدمان الرقمي الذي لا يهدد وقتهم فقط، بل حياتهم نفسها.