أبوظبي – السابعة الإخبارية
مرصد الختم الفلكي.. في إنجاز علمي وفلكي مميز، نجح مرصد الختم الفلكي الواقع في صحراء أبوظبي في التقاط صورة فائقة الدقة والجمال لـسديم “مخلب القط”، وذلك بعد جلسة تصوير استمرت لما يقارب 10 ساعات متواصلة، متحديًا بذلك ظروف الرؤية الصعبة والتلوث الضوئي.
هذا الإنجاز يأتي تزامنًا مع احتفال تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي بمرور ثلاث سنوات على إطلاقه، حيث التُقطت أيضًا صورة مذهلة لنفس السديم، ما يبرز الاهتمام المتزايد عالميًا بهذا الكيان الفلكي الآسر في مرصد الختم الفلكي.
مرصد الختم الفلكي: منطقة ولادة نجمية على بُعد آلاف السنين الضوئية
يقع سديم “مخلب القط” في كوكبة العقرب، ويُصنَّف كواحد من أنشط مناطق ولادة النجوم في مجرتنا درب التبانة. يتكوّن من سحب كثيفة من الغاز والغبار الكوني، حيث تعمل هذه البيئات على تجميع المواد التي تشكّل النجوم الجديدة.
الضوء الذي يظهر في الصورة الملتقطة اليوم بدأ رحلته نحو الأرض قبل 4370 سنة ضوئية، أي قبل أكثر من أربعة قرون من الميلاد، ما يعني أن ما نراه اليوم هو في الواقع صورة من الماضي البعيد، وكأننا نُطل من نافذة على ما كان يحدث هناك في حقبة سحيقة من الزمن.

حجم هائل.. رغم المظهر المتواضع
ورغم أن حجم السديم الظاهري في السماء يبدو أكبر قليلاً من القمر البدر، فإن حجمه الحقيقي مذهل. وإذا تخيلنا أن شعاع الضوء يسير عبر السديم من طرف إلى طرف بسرعة 300,000 كيلومتر في الثانية، فإنه سيستغرق نحو 320 سنة لعبوره بالكامل. هذه الأبعاد تؤكد مدى ضخامة هذا التكوين النجمي المذهل.
لوحة كونية من الألوان والعناصر
تبرز في الصورة تدرجات لونية ساحرة، تكشف عن التركيب الكيميائي للسديم. حيث يشير اللون الأحمر إلى وجود غاز الهيدروجين، المكون الرئيسي للنجوم، فيما يدل اللون الأزرق على غاز الأكسجين، أحد العناصر الأساسية في العمليات النجمية.
أما سبب التسمية بـ”مخلب القط”، فيعود إلى الشكل الذي يتخذه السديم، إذ يُشبه إلى حد كبير أثر قدم قط ضخم مطبوع على السماء، ما يمنحه اسمه المميز وفرادته البصرية.
تحديات التصوير من أبوظبي
التقاط صورة بهذا الوضوح والجمال لم يكن أمرًا سهلاً، لا سيما من منطقة منخفضة نسبيًا بالنسبة لموقع السديم، حيث لا يتجاوز ارتفاعه عن الأفق في أبوظبي 30 درجة فقط، ما يجعل تأثير الغلاف الجوي والتلوث الضوئي أكثر حدة.
رغم هذه الصعوبات، تمكّن فريق المرصد من رصد السديم عبر تلسكوبين صغيرين نسبيًا، الأول بقطر 5 إنشات (حوالي 127 ملم)، والثاني 4 إنشات (حوالي 102 ملم)، باستخدام كاميرا ملونة مزودة بفلتر خاص لتقليل تأثير التلوث الضوئي وتحسين دقة الألوان.
تفاصيل فنية دقيقة
بحسب الفريق القائم على المرصد، فإن التصوير تم على مدى إجمالي بلغ 9.75 ساعة، وشمل 195 صورة مفصلة، مدة كل منها 3 دقائق. تم التقاط 92 صورة عبر التلسكوب الأكبر، و103 صورة عبر الآخر.
ويُصنف موقع التصوير في صحراء أبوظبي ضمن الدرجة السادسة وفقًا لمقياس “بورتِل” للتلوث الضوئي، وهو مقياس يتدرج من 1 (سماء شديدة السواد) إلى 9 (سماء حضرية شديدة الإضاءة)، ما يجعل الإنجاز أكثر تميزًا بالنظر إلى التحديات البيئية المحيطة.

مساهمة إماراتية في رصد الكون
يمثل هذا الإنجاز العلمي دليلاً واضحًا على تطوّر الاهتمام بالفلك والفضاء في دولة الإمارات، والتي باتت تحقق إنجازات متتالية على الصعيد الفضائي والعلمي، بدءًا من مهمة “مسبار الأمل” إلى المشاريع الطموحة لاستكشاف القمر والمريخ.
مرصد الختم الفلكي، الذي يُدار بمجهودات شغوفة من مجموعة فلكيين هواة ومحترفين، يُعد مثالًا حقيقيًا على دور المجتمعات العلمية المحلية في إثراء المعرفة الفلكية والمشاركة الفعالة في رصد السماء وتحليل الظواهر الكونية.
توثيق علمي يثري المجتمع
الصورة التي التُقطت لسديم “مخلب القط” ليست مجرد لقطة جميلة، بل تحمل قيمة علمية كبيرة، حيث يمكن الاستفادة منها في تحليل تركيبة السديم وتطوره، وفهم المزيد عن ظروف نشأة النجوم في بيئات مشابهة.
كما أن هذه الصورة تثبت إمكانية إنتاج محتوى علمي عالي الجودة من منطقة جغرافية لا تُعد مثالية تقليديًا للرصد الفلكي، وهو ما قد يشجع المزيد من المؤسسات التعليمية والهواة على المشاركة في مشاريع فلكية مشابهة داخل الدولة.
نظرة إلى المستقبل
مع استمرار التقدم التكنولوجي في أدوات الرصد والتصوير الفلكي، من المتوقع أن يتمكن مرصد الختم وغيره من المراصد المحلية من توسيع نطاق أهدافها، وتوثيق مزيد من الأجرام السماوية النادرة، والمساهمة في المشهد العالمي لرصد السماء.
ومع التعاون المستمر بين العلماء والهواة، ودعم الدولة للبحث العلمي، قد نشهد في المستقبل القريب مزيدًا من الاكتشافات الإماراتية التي تُسلّط الضوء على جمال وتعقيد الكون من قلب الصحراء.
