الشارقة – السابعة الاخبارية
معرض الشارقة الدولي للكتاب، في مشهدٍ يفيض بالحنين إلى الأصالة وبجمال التجديد، يعيش زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44 تجربة فنية وثقافية غير مسبوقة داخل جناح مبادرة «أدبنا بروح العصرالشيخ سلطان القاسمي.. 4.5 ملايين درهم لتعزيز مكتبات الشارقة بمعارف العالم»، التي أطلقتها هوية الشارقة لتقدم للأدب العربي الكلاسيكي حياة جديدة بأدوات الفن الحديث.
هذه المبادرة الفريدة تعيد إلى الواجهة أعمالاً خالدة شكّلت وجدان الأجيال، مثل «دعاء الكروان» لطه حسين، و«كليلة ودمنة» لابن المقفّع، و«الأعمال الشعرية الكاملة لمحمود درويش»، و«رباعيات الخيام» بترجمة جميل صدقي الزهاوي، و«ديوان أبي نواس»، و«الشوقيات» لأحمد شوقي، و«كوابيس بيروت» لغادة السمان، و«بريد الليل» لهدى بركات. لكن المفارقة الساحرة تكمن في الأغلفة الجديدة التي تتجاوز حدود الشكل لتصبح حواراً بين زمنين: زمن الورق والذاكرة، وزمن الصورة والحداثة.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. جناح يتحول إلى متحف بصري للأدب العربي
بمجرد أن تطأ قدماك الجناح، تشعر وكأنك تدخل معرضاً فنياً متكاملاً لا مجرد ركن للكتب.
على الرفوف، تقف النسخ الأصلية للأعمال الكلاسيكية جنباً إلى جنب مع أغلفتها الجديدة التي صمّمها فنانون عرب من الجيل الشاب. وبين هذه الأرفف تتدلى من السقف نسخ مصغّرة للأغلفة الحديثة، تخلق مشهداً بصرياً مدهشاً يجعل الزائر يسير وكأنه في غابة من الحروف والألوان.
إنه مشهد يجمع الحنين إلى الماضي مع نبض الحاضر، لتتحول القراءة نفسها إلى تجربة حسية وجمالية.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. من النص إلى الصورة ومن القراءة إلى التأمل
في زمنٍ تتسارع فيه الصورة قبل الكلمة، تؤكد مبادرة «أدبنا بروح العصر» أن الكتاب ما زال قادراً على منافسة الشاشة، حين يُقدَّم بلغة بصرية حديثة.
فكما تقول المبادرة في شعارها الداخلي: «الكتاب يُقرأ من عنوانه، والعنوان يبدأ من الغلاف».
الهدف ليس تغيير ملامح الأعمال الكلاسيكية، بل إعادة قراءتها بصرياً بما يتناسب مع ذائقة الجيل الجديد. فالغلاف الجديد لا يجمّل النص فحسب، بل يضيف إليه طبقة من المعنى، تجعله يعبر من عالم الورق إلى عالم الصورة، من الذاكرة إلى اللحظة.

معرض الشارقة الدولي للكتاب.. أكثر من 100 فنان يعيدون رسم ملامح الأدب العربي
بدأ المشروع كدعوة مفتوحة أطلقتها «هوية الشارقة» إلى الفنانين والمصممين العرب لإعادة تصميم أغلفة عشرين عملاً أدبياً عربياً خالداً، بحيث تعكس التصاميم الجديدة روح النصوص الأصيلة وتستحضر قيمها الجمالية والفكرية.
استجاب للدعوة أكثر من 100 مصمّم عربي من مختلف البلدان، وبعد فرز الأعمال تأهل إلى القائمة القصيرة خمسة فنانين مبدعين: كندة غنّوم، نورة زيد، عائشة الحمراني، إبراهيم زكي، وناصر نصر الله.
هؤلاء الفنانون جمعوا بين الخيال التقني والروح التراثية، ليقدم كلٌّ منهم رؤيته الخاصة للكتاب العربي في زمن الصورة. وقد خُصص لهم جناح متكامل في المعرض لعرض أعمالهم، ليصبح الجناح بمثابة متحف للأغلفة الأدبية الحديثة.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. نورة زيد: الغلاف هو المفتاح الأول لعلاقة القارئ بالكتاب
توضح الفنانة نورة زيد، إحدى المشاركات في المشروع، أن الغاية من المبادرة هي تشجيع الشباب على قراءة الأدب العربي وإعادة ربطهم به من خلال لغة بصرية قريبة من وجدانهم. تقول:
“مصمّم الغلاف لا يقرأ النص فقط، بل يعيش زمنه وتفاصيله، ليترجم روحه إلى تصميم يجذب العين والعقل معاً.”
واختارت نورة إعادة تصميم غلاف «الشوقيات» لأحمد شوقي، مستوحية فكرتها من رمزية الشعر العربي القديم وسحر لغته. فالغلاف عندها ليس زينة خارجية، بل عتبة معرفية يدخل منها القارئ إلى عالم النص.
تصميمها الجديد يجمع بين الخط العربي الأصيل وتدرجات الألوان التي توحي بإيقاع القصيدة، لتجعل القارئ يشعر بأن الشعر لا يُقرأ فقط، بل يُرى ويُحسّ أيضاً.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. ورش فنية تحوّل الحكايات إلى لغة بصرية
لم تقتصر مبادرة «أدبنا بروح العصر» على العرض الفني للأعمال، بل تحوّلت إلى مختبر للإبداع البصري من خلال سلسلة من الورش التي نظمها الفنانون المشاركون على هامش المعرض.
- نورة زيد قدمت ورشة بعنوان «إلهام من التراث: تجسيد الحكايات العربية»، تناولت فيها طرق البحث في الرموز التراثية وإعادة توظيفها في التصميم الحديث.
- كندة غنّوم قدّمت ورشة «رحلة بين الخط والزخرفة»، شرحت خلالها كيف يمكن للرموز العربية أن تتحول إلى أنماط عصرية تواكب الفن الرقمي.
- عائشة الحمراني شاركت بورشة «غلاف يروي حكايتك»، حيث ناقشت مع المشاركين مفهوم السرد البصري وكيف يمكن تحويل القصص الشخصية إلى أعمال فنية.
- أما إبراهيم زكي، فقدّم ورشة «روح الخط العربي والهوية الأصيلة»، استعرض فيها العلاقة بين الحرف العربي والسرد، مؤكدًا أن الخط ليس مجرد كتابة بل كائن فني حي يعبر عن وجدان النص.
- وشارك الفنان منار اللحّام بورشة «وجوه تحت العدسة: فن رسم الشخصيات»، تحدث فيها عن كيفية تجسيد شخصيات أدبية نابضة بالحياة عبر الحركة والتعبير البصري.
هذه الورش لم تكن مجرد نشاطات موازية، بل مساحات للحوار الثقافي والفني بين الأجيال، حيث التقت خبرات الفنانين مع فضول الزوار والطلاب والمبدعين الشباب، ليكتشفوا معًا أن الأدب يمكن أن يُعاد إنتاجه بألف طريقة دون أن يفقد جوهره.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. لقاء الحرف باللون والصورة
تجسد مبادرة «أدبنا بروح العصر» فلسفة الشارقة الثقافية في الربط بين التراث والحداثة. فهنا لا يتصادم القديم مع الجديد، بل يتكاملان.
الأغلفة الجديدة ليست محاولة لتجاوز الماضي، بل إعادة إحيائه بروح هذا الزمن. في كل تصميم يمكن رؤية كيف تتناغم رموز التراث العربي — من الخط والزخرفة إلى الألوان المستوحاة من العمارة الإسلامية — مع تقنيات التصميم الرقمي الحديثة.
هكذا يتحول الغلاف إلى جسر بصري يربط بين الأجيال، وبين الأدب العربي القديم وقراء العصر الرقمي.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. حين تتحول الكلمة إلى تجربة بصرية
الزائر الذي يتجول بين الأغلفة الجديدة يشعر أنه يعيش تجربة متعددة الحواس. فالألوان والرموز والحروف تتحد في سيمفونية بصرية تجعل الأدب العربي أقرب إلى قلب المتلقي العصري، الذي يستهلك الصورة قبل الكلمة.
بهذه الطريقة، تنجح المبادرة في تحويل القراءة إلى تجربة فنية، لا تقتصر على تقليب الصفحات، بل تمتد إلى تأمل الصورة والرمز والمعنى. إنها رحلة جديدة نحو الكتاب العربي، حيث يلتقي الأدب بالفن، والحرف باللون، والخيال بالتاريخ.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. الشارقة تجمع بين الجمال والمعرفة
من خلال مبادرة «أدبنا بروح العصر»، تؤكد الشارقة مجددًا ريادتها الثقافية ومكانتها كمدينة تؤمن بأن الثقافة مشروع حياة.
إن ما تقدمه هوية الشارقة في هذا الجناح لا يقتصر على فنون التصميم، بل يعبّر عن رؤية متكاملة للهوية العربية، التي ترى في الكتاب رمزًا للخلود، وفي الإبداع وسيلة للحوار مع العالم.
بهذا المشروع، تتحول الشارقة إلى منصة تلتقي فيها الكلمة والصورة، التراث والابتكار، الجيل القديم والجيل الجديد، في انسجام تام تحت سقف واحد.
الخاتمة: معرض الشارقة الدولي للكتاب.. منبر لتجديد علاقتنا بالأدب العربي
في نهاية الجولة داخل جناح «أدبنا بروح العصر»، يدرك الزائر أنه لا يشاهد معرضاً للأغلفة فحسب، بل يشهد ولادة جديدة للأدب العربي في زمن الصورة.
فالكتاب لم يعد مجرد صفحات تُقرأ، بل عمل فني يُرى ويُحسّ ويُتأمل.
ومثلما أعادت الشارقة تعريف علاقتنا بالقراءة عبر مبادراتها الثقافية الرائدة، فإنها اليوم — عبر هذا المشروع — تعيد صياغة العلاقة بين النص والقارئ والهوية.

إنها تجربة تقول للعالم إن الأدب العربي باقٍ، لكنه يتجدد بروح الشباب، وإن التراث لا يشيخ ما دام يجد من يعيد إضاءته بلغة العصر.
وهكذا يبرهن معرض الشارقة الدولي للكتاب مرة أخرى أنه ليس مجرد تظاهرة ثقافية، بل مختبر للأفكار، وفضاء للخيال، ومنصة لتجديد الإبداع العربي، حيث تلتقي الحروف بالألوان، وتنبض الكتب بالحياة من جديد.
