الشارقة – السابعة الاخبارية
معرض الشارقة الدولي للكتاب، في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تمتزج رائحة الورق بالحبر، وتتعانق اللهجات العربية في مشهدٍ نابض بالحياة، تبدو الردهة المصرية كقلبٍ نابضٍ بالثقافة، تضجّ بالحكايات والأصوات والكتب التي تحمل ذاكرة قرنٍ من الإبداع.
هنا، في الدورة الرابعة والأربعين من هذا الحدث الثقافي العالمي، يتجوّل القراء بين الأجنحة كمن يسافر في الزمن، بين الكلاسيكي والمعاصر، بين القاهرة والشارقة، حيث تلتقي الحكايات على أرضٍ واحدة، تحت شعار “بينك وبين الكتاب”.
معرض الشارقة الدولي للكتاب تستقبل الهيئة العامة المصرية للكتاب.. ذاكرة تتجدد في كل صفحة
في جناح الهيئة العامة المصرية للكتاب، يتجسد الأدب كرحلةٍ في الزمن المصري الممتد بين الحكمة والتجريب.
من يخطو إلى هذا الجناح يشعر كأنه يدخل مكتبة الذاكرة الوطنية، حيث تتجاور الأزمنة والأجيال في تناغمٍ فريد.

هناك “سيرة الحاكم بأمر الله” للكاتب محمد محمود، رحلة في دهاليز السلطة والتصوف، و”النفي إلى الوطن” للأديب محمد جبريل، التي تضع الغربة كقدرٍ إنساني يختبر معنى الانتماء.
وفي “قسمة الغرباء” يقدّم يوسف القعيد حكاية عن مصائر تتقاطع في فضاءٍ يعجّ بالتناقضات، بينما يواصل فتحي إمبابي في “عتبات الجنة” و”رقص الإبل” بناء عوالمه التي تمزج بين الأسطورة والصحراء والروح.
يتجاور الماضي والحاضر حين تصافح “سارة” لـعباس محمود العقاد “شجرة البؤس” لعميد الأدب العربي طه حسين، جنبًا إلى جنب مع أعمال حديثة مثل “الختم الكيني” لـشيرين هلال، و”فرح نادية” لـمصطفى السباعي، و”جبل الشموع” للعُماني زهران القاسمي، و”أفرح يا قلبي” لـعلوية صبح، و”مدائن معلقة” للشاعر ياسين عدنان.
إنه جناحٌ يُذكّر الزائر بأن الأدب المصري لا يعيش في زمنٍ واحد، بل في كل الأزمنة، متجددًا كالنيل في انسيابه.
دار الشروق.. النفس الإنسانية في مرايا السرد
تفتح دار الشروق جناحها كنافذةٍ على النفس الإنسانية، حيث تتوزع الكتب مثل نجماتٍ تهدي القرّاء إلى عوالمهم الداخلية.
في “في دايرة الرحلة”، يغوص الدكتور محمد طه في أعماق الإنسان، باحثًا عن الدائرة التي تبدأ منها الحياة ولا تنتهي، فيما تفتح الكاتبة بدرية البشر في “سر الزعفرانة” أبواب الشرق على حكايةٍ عن المرأة والحياة والقدر.
وتعزف نورا ناجي في “بيت الجاز” معزوفةً تمزج الإيقاع بالمشاعر، بينما ينسج جلال برجس في “معزوفة اليوم السابع” نصًا موسيقيًا يجعل اللغة تغني.
وتطلّ عناوين أخرى مثل “بيت من زغرف” لـإبراهيم فرغلي، و”شهر في سينا” لـهشام مطر، و”مصر يا عبلة” للفنان محمد عبلة، لتؤكد أن الأدب حين يقترب من الفن يصبح شكلاً آخر من اللوحة والأنغام.

المصرية اللبنانية.. سيمفونية الأصوات والرؤى
في جناح الدار المصرية اللبنانية، تتجاور العوالم الأدبية كأنها أوركسترا من الحكايات.
“لعنة الخواجة” للكاتب وائل السمري تعيد قراءة التاريخ بعيون معاصرة، فيما يقدّم أشرف العشماوي في “السمفونية الأخيرة” سردًا أنيقًا عن العدالة والمصير.
وتخوض نور عبد المجيد في “سيادة القاضي” أسئلة الأخلاق والضمير، بينما تنسج رشا سمير في “المسحورة” مزيجًا من الواقع والفانتازيا كأنها تعيد تعريف الحلم نفسه.
ومن بين الإصدارات اللافتة أيضًا “بخلاف مما سبق” لـعزت القمحاوي، و”زهرة النار” للأديب محمد سلماوي، و”قارئ الجثث” لـمصطفى عبيد، في مزيجٍ يجمع الأصالة بالحداثة، والسرد الواقعي بالرمزي.
دار هلا.. البحث عن الضوء في متاهة العاطفة
في دار هلا للنشر والتوزيع، تتناثر الروايات كالزهور بين صفحاتٍ تبحث عن الضوء.
في “سراب الحب” تكتب منى عوض حكايةً عن العاطفة والوجع والحنين، بينما تفتح الدكتورة مريم الشناصي في “الببغائية” أسئلة الهوية والاختلاف والوعي بالذات.
أما عبد اللطيف نصار فيقدّم في “العشق الأزرق” عملًا يفيض بالشجن والصفاء.
وتقدّم ألفت عبد الكريم في روايتيها “توانا” و”بيانولا” رحلتين في عوالم المرأة والأسطورة، كأنها تكتب بأصابع الضوء، فيما تشتعل “الهوس” لـطنطاوي عبد الحميد بطاقةٍ سردية متوترة، تجعل الجنون مرآةً للحقيقة.
منشورات إيبيدي.. عوالم الغرابة والرمز
أما جناح منشورات إيبيدي فيسير في اتجاهٍ مختلف، أقرب إلى الغرائبي والرمزي، حيث تتحول الرواية إلى مختبرٍ للدهشة.
من “متحف الجثث” لـشيماء جاد، الذي يجمع بين الرعب والتأمل، إلى “دموع ماريونيت” لـشروق كمال، التي تكتب عن هشاشة الإنسان حين يتحول إلى دميةٍ في يد القدر.
وفي “الذين عراهم غرباء” للكاتبين بهاء عبد المجيد وإيمان الدواخلي، يلتقي الاغتراب بالبحث عن الذات، بينما يسير يوسف الخصومي في “أطياف السراب” على أرضٍ ضبابيةٍ كالحلم، ويعود عماد البليك في “البحث عن مصطفى سعيد” إلى أثر الطيب صالح في وجدان القارئ العربي، ليعيد طرح سؤال الهوية من جديد.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. منصة للثقافات وصوت للإنسان
تتواصل فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب حتى 16 نوفمبر، بمشاركة 2350 دار نشر من 66 دولة، من بينها 1224 دار نشر عربية.
ويحل اليونان ضيف شرف هذا العام، لتضيف أساطيرها القديمة وحكمتها إلى فضاء المعرض، الذي يُعد اليوم واحدًا من أوسع المهرجانات الثقافية في العالم العربي والعالمي.
في هذا المعرض، لا تُعرض الكتب فحسب، بل تتلاقى الحضارات وتتحاور اللغات، وتُبنى الجسور بين الشرق والغرب عبر الكلمة.

الزائر هنا لا يخرج كما دخل؛ إذ تترك القراءة فيه أثرًا لا يُمحى، وتذكّره بأن الكتاب ليس سلعة، بل روحٌ تبحث عن قارئها.
ختامًا.. حين تصير القراءة وطنًا
في الردهة المصرية من معرض الشارقة الدولي للكتاب، يتجلى المشهد كاحتفالٍ بالهوية والإبداع والذاكرة.
تتعانق الأصوات بين جيل الرواد وجيل الشباب، ويتحوّل الأدب إلى لغةٍ مشتركة تتجاوز الحدود.
من القاهرة إلى الشارقة، ومن الورق إلى الحلم، تمتد رحلة الكتاب كجسرٍ من النور، يؤكد أن الأمة التي تقرأ لا تموت.
هكذا، تظل مصر — في الردهة المصرية بمعرض الشارقة — تكتب حضورها بأقلامٍ لا تنكسر، وبحروفٍ لا يبهت بريقها، لتبقى الكلمة العربية قادرةً على أن تجمع، وتُدهش، وتُضيء طريق القارئ نحو المستقبل.
