الشارقة – السابعة الاخبارية
معرض الشارقة، توج كتاب “ليالي قرطبة.. نصوص مسرحية” للكاتب الإماراتي عبد الحكيم الزبيدي بجائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب عن فئة أفضل كتاب إماراتي – الإبداع الأدبي (مسرح) ليكرّس حضور النص المسرحي الإماراتي في المشهد الثقافي العربي، ويؤكد أن الإبداع المسرحي في الإمارات يعيش مرحلة من النضج والوعي الجمالي والفكري. فالكتاب لا يكتفي بكونه نصًا أدبيًا متقنًا، بل هو مشروع فني وفلسفي يسائل التاريخ والهوية واللغة، ويعيد صياغة العلاقة بين الماضي والحاضر.
معرض الشارقة.. ليالي قرطبة يستعيد الذاكرة الأندلسية في فضاء درامي
ينفتح الزبيدي في هذا العمل على الذاكرة الأندلسية من خلال مدينة قرطبة التي تتحول إلى فضاء تخييلي يحتضن صراعات الفكر والسلطة والهوية.
ليست قرطبة في هذه النصوص مدينة للتاريخ فقط، بل رمزٌ حضاري يستعاد ليضيء أسئلة الإنسان العربي الراهن. فالنصوص الثلاث التي يتضمنها الكتاب تتخذ من قرطبة مختبرًا للأسئلة الكبرى: من نحن؟ كيف نكتب ذاكرتنا؟ وما معنى أن يكون المثقف شاهدًا على تحولات التاريخ؟
تدور المسرحيات حول مفارقات الزمن وتبادل الأقنعة بين شخصيات تاريخية ومتخيلة، فيصبح الماضي حاضرًا داخل المشهد، لا بوصفه حنينًا بل بوصفه مرآة تأمل في واقع الإنسان العربي الذي يقف عند مفترق الطرق بين الحلم والانكسار.

ليالي قرطبة.. لغة الشعر والمشهد
يتميّز أسلوب الزبيدي بلغته الشاعرية المشهدية التي تجمع بين الدهشة والعمق، وتُزاوج بين الخطاب الفلسفي والحوار المسرحي. فاللغة في هذا العمل ليست مجرد وسيلة للحوار، بل عنصر جمالي يكوّن البنية الدرامية للنص.
إنها لغة مكتنزة بالصور، مشحونة بالإيقاع، قادرة على أن تُحرّك المخيلة وتفتح مساحات للتأمل والتأويل.
وفي الوقت نفسه، يحافظ الزبيدي على اقتصاد لغوي محسوب، يجعل الحوار مكثفًا ودقيقًا دون أن يفقد حرارته الشعرية. وهو ما يمنح النصوص قابليتها للعرض المسرحي من جهة، وللقراءة الأدبية المتعمقة من جهة أخرى.
ليالي قرطبة.. التاريخ كحقل للأسئلة
من خلال الشخصيات التي تتبادل الأدوار بين التاريخي والمتخيل، يطرح الزبيدي تساؤلات حول من يمتلك السرد؟ وكيف تُصنع الأسطورة؟ وأين يقف الشاعر والمثقف وسط صخب السياسة والتاريخ؟
في كل مشهد من هذه النصوص، يتقاطع الزمان والمكان ليكشف عن التباسات الهوية والذاكرة. فالماضي في “ليالي قرطبة” ليس حكاية منتهية، بل كائن يتنفس داخل أسئلة الحاضر، ويعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمعرفة والحرية.
إن الزبيدي لا يكتب التاريخ، بل يعيد قراءته عبر الدراما، ليكشف أن كل سردٍ هو موقف، وأن المسرح يمكن أن يكون ساحة لتفكيك الأساطير لا لتكرارها.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. منصة للاعتراف بالمسرح الإماراتي
يشكل معرض الشارقة الدولي للكتاب واحدًا من أهم المنصات الثقافية في العالم العربي، ومن خلال جوائزه السنوية يسعى إلى تكريم الإبداع الإماراتي والعربي في مختلف المجالات الأدبية والفكرية.
وقد جاء فوز “ليالي قرطبة” في دورة المعرض التي انطلقت في 5 نوفمبر وتستمر حتى 16 من الشهر نفسه ليعبّر عن تقدير اللجنة لفرادة التجربة المسرحية التي قدمها الزبيدي، والتي تمزج بين الفكر والجمال والقدرة على تحويل التراث إلى مادة حيّة للنقاش الفني والفكري.
كما اختار المعرض هذا العام الكاتب محمد سلماوي شخصية ثقافية للدورة، في إشارة إلى المكانة التي يحتلها المسرح والأدب في الحراك الثقافي العربي المعاصر.
الهيئة العربية للمسرح.. دعم للنص المكتوب
صدر الكتاب عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، ضمن مشروع نشر يهدف إلى رد الاعتبار للنص المسرحي المكتوب، بعد أن ظل العرض يطغى على الاهتمام في العقود الأخيرة.
هذا المشروع يسعى إلى إعادة التوازن بين النص والعرض، وإلى تشجيع الكتّاب على تطوير الكتابة الدرامية بوصفها فنًا قائمًا بذاته، وليس مجرد مادة أولية للمخرجين.
وقد أثنت لجنة الجائزة على هذه المبادرة، معتبرة أن “ليالي قرطبة” تقدم إضافة نوعية للمشهد المسرحي الإماراتي والعربي من حيث البناء الدرامي المحكمة، واللغة المكثفة، والقدرة على المزج بين البعد الجمالي والتاريخي في نصوص قابلة للتجسيد فوق الخشبة.
ليالي قرطبة.. بين القارئ والمسرح
إحدى القيم الأساسية في هذا العمل أنه ينفتح على التأويل. فالنصوص لا تُقدَّم كحكايات مغلقة، بل كعوالم مفتوحة يمكن أن تتعدد قراءاتها.
يمكن للقارئ أن يتعامل معها كأدبٍ لغويٍّ مدهش، ويمكن للمخرج أن يجد فيها مادة غنية للإخراج المسرحي. هذا الازدواج في التلقي هو ما يجعل “ليالي قرطبة” نصًا حيًا، يتجاوز حدود الورق ليعيش على الخشبة وفي الذاكرة معًا.
الزبيدي، في هذا السياق، لا ينشغل فقط بكتابة الحوار، بل يبني إيقاعًا داخليًا متماسكًا، يجعل النص يتحرك كأنّ وراءه موسيقى خفية تدير الصراع وتُحافظ على توتره حتى المشهد الأخير.
معرض الشارقة.. احتفاء بالهوية الثقافية والتنوع الإبداعي
يمثل معرض الشارقة الدولي للكتاب احتفاءً سنويًا بالمعرفة والكتاب، وبالهوية الثقافية العربية التي تجمع بين الأصالة والانفتاح.
وقد جاءت جائزة الإبداع المسرحي هذا العام لتؤكد أن المسرح، رغم التحديات، لا يزال يحتفظ بمكانته كفنٍّ جامعٍ للفكر والجمال.
إن تتويج “ليالي قرطبة” في هذا المحفل الثقافي يعكس رؤية الشارقة الداعمة للمبدعين، وسعيها الدائم إلى تمكين النصوص العربية من الوصول إلى جمهور أوسع في العالم.
ليالي قرطبة.. نحو كتابة مسرحية جديدة
من خلال هذا العمل، يؤسس عبد الحكيم الزبيدي لنمطٍ جديد من الكتابة المسرحية التي تجمع بين التاريخ والتخييل، وبين الشعر والفكر، وبين الحنين والرؤية النقدية.
فهو لا يكتب عن الأندلس ليبكيها، بل ليعيد اكتشافها في وعينا المعاصر، كرمزٍ للحرية والتنوير والجدل الحضاري.
بهذه الرؤية، يضع الزبيدي نصه في مصاف الأعمال التي تفتح آفاقًا جديدة للدراما العربية، وتؤكد أن المسرح لا يزال قادرًا على طرح الأسئلة الكبرى ومساءلة الواقع بجرأة وجمال.

إن فوز كتاب “ليالي قرطبة.. نصوص مسرحية” بجائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب عن فئة الإبداع المسرحي ليس مجرد تكريمٍ لكاتبٍ واحد، بل هو احتفاءٌ بعودة النص المسرحي إلى قلب المشهد الثقافي.
فمن قرطبة التاريخية إلى خشبة المسرح الإماراتي، ومن النص إلى العرض، تمتد خيوط الإبداع لتؤكد أن المسرح ما زال الفن القادر على جمع الفكر بالجمال، والتاريخ بالحلم، والإنسان بسؤاله الأبدي عن الحرية والهوية.
بهذا الإنجاز، يرسّخ عبد الحكيم الزبيدي مكانته كأحد الأصوات المسرحية الإماراتية البارزة، ويقدّم عملاً يستحق أن يُقرأ ويُعرض ويُناقش، لأنه ببساطة يجعل من المسرح نافذة للتفكير في الذات والتاريخ والمستقبل معًا.
