الشارقة – السابعة الاخبارية
معرض الشارقة الدولي للكتاب، تعود الشارقة لتتألق من جديد على خارطة الثقافة العالمية مع افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب في موعده السنوي المنتظر، ليكون حدثًا أدبيًا وفكريًا يربط بين القارئ والكاتب، وبين الماضي والحاضر والمستقبل. وفي كل عام، تتجدد الحكاية في إمارة الثقافة، لتؤكد أن الكتاب ما زال سيد المشهد، وأن القراءة ليست مجرد هواية، بل أسلوب حياة في مدينة جعلت من الثقافة مشروعًا حضاريًا مستدامًا.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. رحلة من الحلم إلى العالمية
بدأت قصة معرض الشارقة الدولي للكتاب في مطلع الثمانينيات، كفكرة صغيرة هدفها نشر الوعي الثقافي وتشجيع المجتمع على القراءة، لكنها تحولت خلال العقود الماضية إلى واحد من أكبر المعارض في العالم من حيث عدد الزوار ودور النشر المشاركة. واليوم، يقف المعرض كمنارة عربية تفخر بها المنطقة، بعد أن تجاوز عدد زواره في السنوات الأخيرة المليوني زائر، ليصبح تظاهرة ثقافية تجمع بين الأدب والفكر والفن والإبداع.

الافتتاح الذي ينتظره الجميع
ومع اقتراب موعد افتتاح المعرض، تتجه الأنظار إلى مركز إكسبو الشارقة، حيث تُرفع اللافتات وتُجهَّز الأجنحة وتُرصّ الكتب على الرفوف، إيذانًا بانطلاق حدث ثقافي لا مثيل له. في صباح الافتتاح، تمتزج مشاعر الحماس بالفخر، حين تفتح الأبواب أمام الزوار الذين ينتظرون هذه اللحظة طوال العام. الأطفال يحملون قوائم كتبهم المفضلة، والطلاب يتطلعون إلى اكتشاف عوالم جديدة من المعرفة، أما الكُتّاب والمثقفون فيرون في المعرض فرصة لتبادل الخبرات والتجارب والإلهام.
ما يميز هذا الحدث أن افتتاحه لا يقتصر على القصّ الشكلي للشريط التقليدي، بل يشمل عروضًا فنية وثقافية وكلمات ملهمة من رموز الفكر والأدب، إلى جانب الإعلان عن الجوائز الثقافية الكبرى التي تكرّم المبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي والعالم.
كتاب لكل قارئ… وقارئ لكل كتاب
من أكثر ما يلفت الانتباه في معرض الشارقة الدولي للكتاب هو تنوع محتواه، إذ لا يقتصر على الكتب الأدبية فقط، بل يشمل كل فروع المعرفة. تجد كتب التاريخ والسياسة بجانب كتب العلوم والتكنولوجيا، وكتب الأطفال بجانب الروايات، وكتب الطبخ والفنون إلى جانب القواميس والمعاجم. إنه عالم كامل من الورق والأحرف، يتجسد فيه الشعار الذي يرفعه المعرض دائمًا: “كتاب لكل قارئ، وقارئ لكل كتاب.”
وهذا التنوع ليس عشوائيًا، بل يعكس رؤية الشارقة في جعل القراءة متاحة للجميع، مهما كانت اهتماماتهم أو أعمارهم. فالمعرض يحتضن برامج خاصة للأطفال والشباب، وورش عمل تفاعلية، وندوات فكرية تناقش أحدث القضايا الثقافية والاجتماعية.
الشارقة… مدينة تقرأ
ما يجعل معرض الشارقة الدولي للكتاب مختلفًا عن غيره من المعارض أنه جزء من مشروع ثقافي متكامل تبنّته الإمارة منذ عقود. فالشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، أولى الثقافة مكانة مركزية في نهضة الإمارة، مؤمنًا بأن بناء الإنسان بالعلم والمعرفة هو الطريق الأسمى للتقدم. لذلك، لم يكن غريبًا أن تُكرّم الشارقة في مناسبات عديدة كـ”عاصمة عالمية للكتاب”، تقديرًا لدورها الريادي في دعم القراءة والنشر والتأليف.
ومن يتجول في أروقة المعرض يلاحظ أن الشارقة لا تحتفي فقط بالكتاب كمنتج ورقي، بل تحتفي بالفكرة ذاتها، بفعل القراءة وبقدرة الكلمة على التغيير. حتى تصميم الأجنحة ومسارات الزوار يعبّر عن فلسفة الانفتاح، حيث تلتقي الثقافات وتتفاعل الأفكار في مشهد إنساني راقٍ.
فعاليات تروي حكايات
لا يقتصر معرض الشارقة الدولي للكتاب على بيع الكتب وتوقيعها، بل يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك. ففي كل يوم من أيام المعرض، تُقام مئات الفعاليات التي تتوزع بين الندوات الحوارية، وورش الكتابة، والأمسيات الشعرية، والعروض المسرحية. كما يحضر المعرض نخبة من الأدباء والفنانين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، يشاركون تجاربهم ويوقعون أحدث أعمالهم.
ومن أبرز ما يميّز هذه الفعاليات هو تفاعل الجمهور معها، فالمعرض لا يقدم الثقافة بوصفها خطابًا نخبويًا، بل تجربة حيّة يعيشها الجميع. يمكن للطفل أن يشارك في ورشة رسم عن القصص، وللشباب أن يحضروا جلسة عن الأدب الرقمي، وللكبار أن يناقشوا قضايا النشر والهوية الثقافية. هكذا يتحول المعرض إلى مساحة تفاعلية تجمع بين التعليم والمتعة.
الكتاب في زمن التحول الرقمي
رغم التطور التكنولوجي وانتشار الكتب الإلكترونية، فإن معرض الشارقة الدولي للكتاب ما زال يثبت كل عام أن الكتاب الورقي لم يفقد سحره بعد. فملمس الورق ورائحة الحبر والتوقيع بخط المؤلف ما زالت تحمل متعة خاصة لا يمكن استبدالها بشاشة إلكترونية. ومع ذلك، لم يتجاهل المعرض التحول الرقمي، بل احتضنه، فخصص مساحات للناشرين الإلكترونيين، وجلسات تناقش مستقبل القراءة في العصر الرقمي.
بهذه الرؤية المتوازنة، ينجح المعرض في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويؤكد أن التطور لا يعني التخلي عن الجذور، بل توظيف التكنولوجيا لخدمة الثقافة ونشر المعرفة على نطاق أوسع.
تأثير يتجاوز حدود الإمارة
إن أثر معرض الشارقة الدولي للكتاب لا يتوقف عند حدود الإمارة أو حتى دولة الإمارات، بل يمتد إلى العالم العربي والعالم كله. فقد أصبح المعرض منصة لتبادل الثقافات وتوقيع اتفاقيات النشر والترجمة، مما ساهم في انتشار الأدب العربي عالميًا، وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام القراء العرب لاكتشاف آداب وثقافات جديدة.

وكل عام، تزداد أهمية هذا الحدث بوصفه جسرًا للتواصل الإنساني، ورسالة تؤكد أن المعرفة لا تعرف حدودًا، وأن الكتاب سيبقى أداة الحضارة الأولى مهما تغيّر الزمان والمكان.
ختام يفتح الباب لبداية جديدة
ومع اقتراب نهاية أيام المعرض، تبقى أصداءه في الذاكرة طويلاً. يخرج الزائر بحقائب مليئة بالكتب، لكنه يحمل أيضًا شعورًا مختلفًا؛ شعور بالانتماء إلى عالم أكبر من ذاته، عالم تحكمه الكلمة ويقوده الحلم. ومع كل عام جديد، يعود الجميع بانتظار موعد الافتتاح القادم، حيث تفتح الشارقة من جديد صفحاتها للعالم، وتؤكد أن الثقافة ليست موسماً عابرًا، بل مسيرة مستمرة.
