أمريكا – السابعة الإخبارية
القاضي الرحيم.. رحل عن عالمنا القاضي الأميركي الشهير فرانك كابريو، الملقب بـ”القاضي الرحيم”، عن عمر يناهز 88 عامًا، بعد صراع طويل وشجاع مع سرطان البنكرياس. ترك كابريو وراءه إرثًا إنسانيًا نادرًا، إذ لم يكن مجرد رجل قانون يصدر الأحكام من على منصته، بل كان نموذجًا استثنائيًا للتواضع والعطف والرحمة، مما جعله شخصية محبوبة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
القاضي الرحيم : إعلان إصابته بالمرض.. طلب الدعاء من الملايين
قبل أشهر من وفاته، خرج القاضي الرحيم كابريو في فيديو عبر حسابه على فيسبوك ليعلن نبأ إصابته بمرض سرطان البنكرياس. وبصوت يملؤه الأمل رغم وطأة المرض، قال إنه احتفل بعيد ميلاده السابع والثمانين بطريقة مختلفة، بعدما شعر بأعراض صحية دفعت الأطباء إلى إجراء الفحوصات التي انتهت بتشخيص المرض الخبيث.
أكد القاضي الرحيم الراحل حينها أنه سيخوض معركته مع المرض بعزيمة قوية، لكنه لم يخفِ حاجته إلى دعم ومحبة الناس. قال في كلمته المؤثرة: “مجرد معرفتي أنكم تفكرون بي يعني لي الكثير. شكراً لرسائلكم السابقة ودعمكم وحبكم، ولا تنسوا أن تدعو لي،سأقدر ذلك.” وقد تفاعل معه الملايين من مختلف أنحاء العالم، معتبرين أن الرجل الذي منح غيره الأمل والرحمة، يستحق أن يُرد له الجميل بالدعاء والمساندة.

القاضي الرحيم.. برنامج غيّر صورة العدالة
اكتسب فرانك كابريو شهرته العالمية بفضل برنامجه التلفزيوني الشهير “Caught in Providence”، الذي كان يوثق جلساته القضائية في محكمة بروفيدانس البلدية بولاية رود آيلاند الأميركية. لم يكن البرنامج مجرد استعراض قانوني، بل نافذة إنسانية استثنائية أظهر فيها القاضي رحمته ومرونته.
في كل حلقة، كان يظهر متهمون في قضايا بسيطة، مثل مخالفات المرور أو التأخر في سداد الغرامات. غير أن كابريو لم يتعامل معهم كأرقام في ملفات، بل كأشخاص لديهم ظروف وحكايات. كثيرًا ما كان يصغي بإنصات، ويبتسم بروح مرحة، ثم يُصدر أحكامًا تُراعي الجانب الإنساني قبل الحرفية القانونية. هذه الروح جعلت الجمهور يطلق عليه لقب “القاضي الرحيم”.
مواقف إنسانية خالدة
لا تُحصى المواقف التي عكست قلب كابريو الكبير. من بينها حين استمع لامرأة عجوز لم تستطع دفع غرامة مرورية بسبب ظروفها المعيشية، فأعفاها بابتسامة قائلاً: “الرحمة أحيانًا أعدل من القانون.” وفي موقف آخر، خفّض الغرامة على مهاجر مسلم لم يستطع دفع كامل المبلغ بسبب مسؤوليته عن أسرته الكبيرة.
لم يكن كابريو يتعامل مع المحكمة باعتبارها مكانًا للعقاب فقط، بل رأى فيها مساحة للتواصل مع البشر ومساندتهم في محنتهم. لهذا السبب، صارت جلساته تنتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان الملايين يجدون فيها درسًا في الإنسانية قبل أن تكون مجرد مشاهد قانونية.
المسيرة المهنية للقاضي فرانك كابريو
وُلد فرانشيسكو كابريو عام 1936 لأسرة إيطالية مهاجرة في مدينة بروفيدانس بولاية رود آيلاند. ورغم ظروفه العائلية المتواضعة، نجح في استكمال دراسته حتى تخرج في مجال القانون، ليبدأ رحلة مهنية امتدت لعقود.
منذ عام 1985، تولى منصب رئيس قضاة محكمة بلدية بروفيدانس، كما شغل سابقًا منصب رئيس مجلس محافظي رود آيلاند للتعليم العالي لمدة عشر سنوات. لم تكن مسيرته محصورة في قاعة المحكمة فقط، بل امتدت إلى المجال التعليمي والاجتماعي، حيث عُرف بدعمه لبرامج المنح الدراسية ومبادرات التعليم المجتمعي.

شخصية جمعت بين الحزم والرحمة
رغم شهرته بالرحمة واللطف، لم يكن القاضي فرانك كابريو متساهلًا بلا حدود. فقد عرف كيف يوازن بين تطبيق القانون بحزم، وبين التماس الأعذار لمن يستحق. هذه القدرة على الجمع بين العدل والرحمة جعلت منه شخصية فريدة في عالم القضاء، خصوصًا في بلد يُعرف بقوانينه الصارمة.
وقد قال في أحد تصريحاته: “القانون وُضع لخدمة الناس، وليس الناس لخدمة القانون. إذا فقدنا إنسانيتنا ونحن نطبق العدالة، نكونقد خسرنا كل شيء.”
إرث إنساني باقٍ بعد الرحيل
برحيل كابريو، فقد العالم شخصية قانونية نادرة جسّدت فكرة أن العدالة لا تكتمل إلا بالرحمة. ترك القاضي الرحيم إرثًا يتجاوز حدود بروفيدانس أو الولايات المتحدة، فقد ألهم الملايين في مختلف القارات بأن الإنسانية لا تنفصل عن أي مهنة، حتى لو كانت بقدر صرامة القضاء.
مقاطع الفيديو التي وثّقت جلساته لا تزال تُتداول على نطاق واسع، مذكّرةً الجميع بأن خلف المنصة القضائية يمكن أن يقف إنسان يستمع ويبتسم ويغفر. وربما لهذا السبب، يشعر الكثيرون أن القاضي كابريو لم يرحل فعليًا، بل سيبقى حيًا في قلوب من لمسهم بعطفه.
من كان يتابع برنامج “Caught in Providence” لم يكن يشاهد قاضيًا فقط، بل كان يلتقي بإنسان يؤمن أن الرحمة أعدل من العقاب أحيانًا. واليوم، بعد أن أسدل الستار على حياة فرانك كابريو، يبقى السؤال الذي يردده محبوه: هل يمكن أن يملأ أحد فراغ“القاضي الرحيم”؟
قد يكون الجواب صعبًا، لكن المؤكد أن ذكراه ستظل مصدر إلهام، وأن رسالته ستبقى حاضرة: العدل لا يكتمل إلا بالرحمة.
