القاهرة، محمد الصو – السابعة الاخبارية
من هو طارق الأمير شكّل رحيل الفنان المصري طارق الأمير صدمة مؤلمة داخل الوسط الفني، بعدما غادر الحياة عن عمر ناهز الستين عامًا، تاركًا خلفه مسيرة فنية اتسمت بالهدوء والالتزام والاختيارات الذكية. ورغم أنه لم يكن من نجوم الصف الأول من حيث البطولة المطلقة، فإن حضوره كان دائمًا واضحًا ومؤثرًا، سواء أمام الكاميرا كممثل، أو خلفها كمؤلف وصاحب رؤية فنية خاصة، ونرصد من هو طارق الأمير
من هو طارق الأمير.. نشأته وبداياته الفنية
وُلد طارق الأمير عام 1965، ونشأ في بيئة مصرية بسيطة قريبة من الشارع والناس، وهو ما انعكس لاحقًا على اختياراته الفنية وطريقة أدائه. منذ سنوات شبابه الأولى انجذب إلى عالم الفن، خاصة المسرح والدراما التلفزيونية، وبدأ في تكوين نفسه تدريجيًا داخل الوسط الفني، معتمدًا على الموهبة والاجتهاد أكثر من الاعتماد على العلاقات أو الأضواء السريعة.
مع بداية التسعينيات، دخل طارق الأمير عالم التمثيل من أوسع أبوابه، وبدأ بأدوار صغيرة لكنها لافتة، أتاحت له الاحتكاك بنجوم كبار ومخرجين مهمين، وساعدته على صقل أدواته الفنية وبناء شخصيته كممثل قادر على تقديم أدوار واقعية قريبة من المشاهد.

طارق الأمير ممثلًا في السينما
قدّم طارق الأمير عددًا من الأدوار السينمائية التي تنوعت بين الكوميديا والدراما والأكشن، وكان حضوره دائمًا محسوبًا ومؤثرًا. من أبرز مشاركاته فيلم الطريق إلى إيلات عام 1993، الذي يُعد من الأعمال الوطنية المهمة في تاريخ السينما المصرية، حيث شارك ضمن فريق العمل في فترة مبكرة من مسيرته.
كما شارك في فيلم اللي بالي بالك عام 2003، وقدم دور ضابط الشرطة هاني، وهو دور ترك أثرًا لدى الجمهور، ثم واصل حضوره في أفلام مثل عوكل عام 2004، وكتكوت، وعسل إسود عام 2010، حيث جسّد شخصية عبد المنصف، ونجح في تقديم نموذج إنساني بسيط يحمل ملامح الشارع المصري بروح صادقة.
وفي فيلم صنع في مصر عام 2014، عاد لتقديم شخصية ضابط الشرطة مرة أخرى، مؤكدًا قدرته على تجسيد هذه النوعية من الأدوار بثبات وواقعية دون مبالغة.
طارق الأمير في الدراما التلفزيونية
على شاشة التلفزيون، كانت بصمة طارق الأمير أكثر وضوحًا وانتشارًا، إذ شارك في عدد من المسلسلات المهمة التي حجزت مكانها في ذاكرة المشاهدين. من أبرز هذه الأعمال مسلسل وادي فيران عام 1998، حيث جسّد شخصية حماد، ونجح في تقديم أداء متزن نال إعجاب الجمهور.
كما شارك في المسلسل التاريخي الشهير أم كلثوم عام 1999، وقدم شخصية يوزباشي نافع، ضمن عمل ضخم شارك فيه نخبة من نجوم الدراما المصرية، وكان ظهوره فيه بمثابة شهادة تقدير لموهبته وقدرته على التواجد وسط أسماء كبيرة.
تميّز طارق الأمير في الدراما بأدوار الرجل العادي، المسؤول، الضابط، أو الشخصيات الثانوية التي تحمل وزنًا دراميًا حقيقيًا، دون سعي إلى لفت الانتباه المصطنع.
موهبة طارق الأمير في التأليف
لم تقتصر مسيرة طارق الأمير على التمثيل فقط، بل امتدت إلى عالم التأليف السينمائي، حيث أثبت موهبة واضحة في كتابة السيناريو والحوار. من أبرز أعماله في هذا المجال فيلم كتكوت عام 2006 من بطولة محمد سعد، والذي حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
كما كتب فيلم مطب صناعي في العام نفسه، من بطولة أحمد حلمي، وهو من الأعمال التي جمعت بين الكوميديا والبعد الاجتماعي، إضافة إلى فيلم الحب كده عام 2007، بطولة حمادة هلال، الذي قدّم فيه قصة رومانسية خفيفة بروح شبابية.
تميزت كتابات طارق الأمير بالبساطة والاقتراب من هموم الناس، مع الاعتماد على كوميديا الموقف والرسائل الإنسانية غير المباشرة، وهو ما جعله مؤلفًا يُحسب له حساب داخل الوسط الفني.
شخصية فنية بعيدة عن الضجيج
عرف عن طارق الأمير ابتعاده عن الصراعات الإعلامية والأضواء المفتعلة، وكان يفضّل التركيز على العمل نفسه أكثر من التواجد المستمر في وسائل الإعلام. هذا الهدوء انعكس على مسيرته التي اتسمت بالاستمرارية والثبات، دون صعود مفاجئ أو اختفاء طويل.
ظل لسنوات نموذجًا للفنان المجتهد الذي يعرف حدوده جيدًا، ويؤمن بأن التأثير الحقيقي لا يُقاس بحجم الدور، بل بصدقه وقدرته على الوصول إلى الجمهور.
رحيل يترك فراغًا هادئًا
برحيل طارق الأمير، يفقد الوسط الفني فنانًا من طراز خاص، قدّم الكثير دون ضجيج، وترك أثرًا حقيقيًا في قلوب زملائه وجمهوره. مسيرته تظل مثالًا على أن النجاح لا يشترط دائمًا البطولة المطلقة، وأن الأدوار الصادقة، حتى وإن كانت في الصف الثاني، قد تصنع تاريخًا محترمًا لا يُنسى.

سيبقى اسم طارق الأمير حاضرًا في ذاكرة السينما والدراما المصرية، كفنان آمن بموهبته، واحترم فنه، وترك خلفه أعمالًا تشهد على رحلة فنية صادقة ومخلصة.
