أمريكا – السابعة الإخبارية
يبدو أن قرار الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي بتوقيع عقد جديد مع إنتر ميامي الأمريكي حتى عام 2028، لم يكن مجرد خطوة مهنية في مسيرته الممتدة، بل إشارة رمزية ذات أبعاد عاطفية ورسالة غير مباشرة إلى ناديه الأم برشلونة، الذي مثّل دائماً الحلم والبيت الأول له.

تجديد العقد في ميامي فريدوم بارك
اختار ميسي أن يُجدد عقده وسط موقع بناء ملعب “ميامي فريدوم بارك” الجديد، المشروع العملاق الذي يعكس رؤية مستقبلية للنادي الأمريكي، وكأنه يعلن من هناك بداية فصل جديد في حياته الكروية، بعيداً عن أسوار أوروبا وضغوطها.
وفي تصريحات لشبكة “إن بي سي نيوز”، قال النجم الأرجنتيني: “أشعر أنني في حالة بدنية وذهنية رائعة لمواصلة اللعب، أنا سعيد في ميامي، وكذلك عائلتي”. كلمات تعكس استقراراً نفسياً واضحاً، بعد سنوات من الصخب الإعلامي والتوترات التي صاحبت خروجه المؤلم من برشلونة عام 2021.
لكن وراء هذا الهدوء الظاهر، يرى كثيرون أن خطوة ميسي تحمل دلالات أبعد من مجرد تجديد عقد، إذ أوضحت صحيفة “موندو ديبورتيفو” الإسبانية أن التوقيع وسط أعمال تشييد الملعب الجديد هو بمثابة “رسالة رمزية إلى برشلونة ومسؤوليه الذين تسببوا في رحيله”.
وأضافت الصحيفة أن كلمات ميسي عن “منزله الجديد” حين قال: “سيكون اللعب على أرضه في مثل هذا الملعب الرائع أمراً مميزاً للغاية”، تحمل رسالة خفية إلى أولئك الذين اضطر إلى مغادرة “منزلهم القديم” على مضض، في إشارة إلى إدارة برشلونة السابقة التي فشلت في تجديد عقده بسبب الأزمة المالية.
ورغم أن كثيراً من جماهير برشلونة لا تزال تأمل في لحظة عودة “البرغوث” ولو لمباراة وداع رمزية، إلا أن تجديد عقده حتى 2028 يجعل هذا الحلم أبعد من أي وقت مضى. فالموعد الذي سيكتمل فيه بناء ملعب كامب نو الجديد بعد التطوير الشامل يتزامن تقريباً مع انتهاء عقد ميسي في ميامي، وكأن القدر كتب أن يفتتح كل طرف ملعبه الجديد دون الآخر.

وفي غياب ميسي، واصل برشلونة مسيرة البحث عن الذات، ونجح في تحقيق لقبي الدوري الإسباني في موسمين متتاليين، الأول تحت قيادة تشافي هرنانديز، والثاني بقيادة هانز فليك، لكن من دون أن يتمكن أي نجم آخر من ملء الفراغ الفني والعاطفي الذي تركه الأسطورة الأرجنتينية.
وبرز خلال هذه الفترة جيل جديد من المواهب القادمة من أكاديمية لاماسيا، يتقدمهم النجم الواعد لامين يامال، الذي يرى فيه كثيرون الخليفة الطبيعي لميسي، والوجه الجديد الذي سيقود برشلونة إلى المستقبل. ومع اقتراب افتتاح الملعب المغطى الجديد الذي يتسع لـ105 آلاف متفرج، تراهن إدارة النادي على هذا الجيل الشاب لإعادة إشعال وهج الفريق الكتالوني في مرحلة ما بعد ميسي.
أما في ميامي، فيبدو أن ميسي يعيش مرحلة النضج الكامل، ليس فقط كلاعب، بل كقائد ورمز يجمع حوله لاعبين من خلفيات مختلفة، يشاركهم الخبرة ويزرع فيهم روح الفوز التي حملها معه من برشلونة. وقد ساهم منذ انضمامه في رفع شعبية الدوري الأمريكي بشكل غير مسبوق، حتى صار اسم إنتر ميامي يُذكر في وسائل الإعلام العالمية كما تُذكر أندية أوروبا الكبرى.
البقاء في الولايات المتحدة
ورغم أن قرار البقاء في الولايات المتحدة قد خيّب آمال الملايين من عشاق برشلونة الذين تمنوا رؤيته مجدداً بقميص النادي الكتالوني، فإن ميسي يبدو اليوم أكثر تصالحاً مع ذاته، وأكثر قدرة على رسم نهايته كما يشاء هو، لا كما تفرضها الإدارة أو الظروف المالية.
إن توقيعه وسط موقع بناء الملعب الجديد ليس مجرد صدفة هندسية أو خلفية تصوير، بل رمز لمرحلة بناء جديدة في حياة الأسطورة — مرحلة فيها من الاستقرار والحرية ما لم يجده منذ رحيله القسري عن برشلونة.
ربما لم يعد ميسي بحاجة ليثبت شيئاً داخل المستطيل الأخضر، لكنه بهذه الخطوة يثبت أنه يعرف جيداً كيف يختار “أين” و”كيف” يكتب فصوله الأخيرة. وبين “فريدوم بارك” و”كامب نو”، تبقى القصة واحدة: رجل صنع التاريخ في مكان، وبدأ كتابة أسطورته الجديدة في آخر.

ربما لم يعد ميسي بحاجة ليثبت شيئاً داخل المستطيل الأخضر، لكنه بهذه الخطوة يثبت أنه يعرف جيداً كيف يختار “أين” و”كيف” يكتب فصوله الأخيرة. وبين “فريدوم بارك” و”كامب نو”، تبقى القصة واحدة: رجل صنع التاريخ في مكان، وبدأ كتابة أسطورته الجديدة في آخر.
