لبنان – السابعة الاخبارية
نادين الراسي، في خطوة جريئة ومحمّلة بشحنة وجدانية عالية، خرجت الفنانة اللبنانية نادين الراسي باعتذار علني إلى الفنان فضل شاكر ونجله محمد، بعد أن وجهت إليهما انتقادات حادة إثر تداول تسجيل صوتي منسوب إليهما. وجاء اعتذارها صريحًا ومباشرًا، أعاد فتح النقاش حول حدود التعبير والانفعال، والفرق بين ردّات الفعل الآنية وعمق الإدراك اللاحق.
في زمن يندر فيه أن يعترف أحد بخطئه، اختارت نادين أن تتراجع، لا من باب الضعف، بل من باب الشجاعة والوضوح، مبرهنة أن الإنسان، مهما علا شأنه، يبقى عرضة للخطأ، وأن الاعتذار لا يقلل من قيمة صاحبه، بل يزيده احترامًا.
نادين الراسي في اعتراف علني… وندم صادق
من خلال منشور عبر حسابها الرسمي على “إنستغرام”، كتبت نادين الراسي كلمات تحمل الكثير من الصدق والانكسار الإيجابي، تقول فيها:
“بعد ما بدر مني بالأمس، وبعد ما اكتشفت فعل الظلم اللي وقع على الفنان فضل شاكر، بعتذر منه ومن محمد فضل شاكر، جلّ من لا يخطئ.”
هذه الكلمات لم تكن مجرد جملة مكتوبة بلغة رسمية. بل جاءت كصرخة ضمير، ورغبة حقيقية في تصحيح مسار موقف اندفع بشكل لحظي، وتحوّل لاحقًا إلى قناعة بأنه لم يكن صائبًا.
في عالم الفن والإعلام، حيث تغلُب الانفعالات وتُستثمر الأخطاء في تصدّر العناوين، اختارت نادين الطريق المعاكس: طريق الوعي بعد الاندفاع، والصفح بعد الهجوم.
شرارة الأزمة: تسجيل صوتي وغضب فني
القصة بدأت حين تم تداول تسجيل صوتي نُسب إلى الفنان فضل شاكر ونجله محمد، أثار حفيظة نادين الراسي، التي عبّرت عن غضبها بعبارات حادّة، اعتبرت فيها أن الصوت الجميل وحده لا يكفي، وأن الأخلاق تبقى الأساس.
قالت حينها:
“الأخلاق أساس كل شيء، صوتك الرائع لا يكفي، بس بدون أخلاق النتيجة صفر.”
لم تكتفِ نادين بذلك، بل تابعت هجومها في منشور لاحق:
“إذا كلامك في غضب وعندك حقد، المحصلة تكون صفر. الحب والمحبة هما اللي بيبنوا الفن والفنان والإنسان، ويلي ما عنده حب ومحبة وتصالح، محصلته صفر.”
كان واضحًا أن نادين شعرت بخيبة أمل، وربما بصدمة، مما سمِعَته أو فُهِم منها، ما دفعها إلى اتخاذ موقف حاد وسريع، تمثل في إعلانها الامتناع عن الاستماع لأغنيات فضل شاكر، رغم تقديرها الكبير لصوته وفنه.
الجمهور منقسم… هل كانت محقة؟
تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع ما كتبته نادين، وانقسم الجمهور بين من رأى في موقفها جرأة في الدفاع عن الأخلاق، وبين من اعتبره تسرّعًا لا يليق بتاريخ الفنانين المعنيين، ولا بالعلاقة الإنسانية التي تجمع بينهم.
بعض المتابعين دعموا موقفها، معتبرين أن الفنان يجب أن يكون نموذجًا في السلوك قبل أن يكون صوتًا على المسرح. بينما ذهب آخرون إلى أن نادين وقعت في فخ الانفعال، وأن ردّ فعلها اعتمد على معلومة لم يتم التحقق منها بشكل كافٍ.
لكن الموقف تغيّر تمامًا حين أعلنت الفنانة اللبنانية أنها أدركت خطأها، واعتذرت عنه دون مواربة أو تبرير.
الشجاعة في الاعتذار… لا في الهجوم
نادين الراسي ليست غريبة عن لحظات الاندفاع، لكنها كذلك ليست بعيدة عن لحظات الإدراك والصدق. في مسيرتها، عرفت بأنها صاحبة مواقف واضحة، حتى وإن كانت أحيانًا حادّة، لكنها غالبًا ما كانت تعبّر عن شخصيتها العفوية والصريحة.
هذه المرة، جاء اعتذارها ليفتح صفحة جديدة، ليس فقط مع فضل شاكر ونجله، بل أيضًا مع جمهورها، الذي رأى فيها امرأة قادرة على الاعتراف والتراجع، دون أن تبحث عن أعذار أو تحاول تبرير نفسها بظروف أو مشاعر آنية.
فضل شاكر… تاريخ فني وشخصي معقّد
لا يمكن فصل أي موقف تجاه فضل شاكر عن الخلفية المعقّدة لمسيرته، التي مرت بتحولات حادة، من نجم غنائي كبير، إلى موقف سياسي مثير للجدل، ثم محاولة العودة إلى الفن بعد سنوات من الغياب القسري والاضطرابات القانونية والإعلامية.
بالنسبة للكثيرين، يبقى فضل شاكر فنانًا استثنائيًا، بصوت لا يُنسى وأغنيات خالدة. وبالنسبة لآخرين، ما زالت قناعاتهم حذرة تجاه شخصه، حتى بعد ظهوره مرارًا لتوضيح مواقفه ومحاولة تبرئة نفسه من بعض الاتهامات.
لكن، في النهاية، تبقى الكلمة الفصل لدى الرأي العام، الذي يتأرجح ما بين الفن والإنسان، بين الذاكرة والعاطفة، وبين الخطأ والفرصة الثانية.
محمد فضل شاكر… بين الفن والإرث
أما محمد فضل شاكر، ابن الفنان الكبير، فهو أيضًا يسير بخطى ثابتة في عالم الفن، مستندًا إلى موهبة صاعدة وإرث فني ضخم. وقد أصبح اسمه مرتبطًا مباشرة باسم والده، ما يجعله عرضة دائمًا للتقييم المزدوج: هل هو امتداد لفضل؟ أم فنان مستقل بذاته؟
نادين، حين وجهت انتقاداتها، لم تفرق كثيرًا بين الأب والابن، ما جعل الاعتذار لاحقًا يشمل الاثنين، وكأنها أرادت أن توصل رسالة واضحة: “أخطأت في الحكم، وظلمت الاثنين”.
الأزمة كمرآة… والتراجع كقوة
في هذه الحادثة، يمكن قراءة ما هو أبعد من مجرد خلاف عابر. هي أزمة تُظهر هشاشة الحكم السريع في زمن “السوشيال ميديا”، حيث تصل التسجيلات إلى الجميع، وتنتشر الشائعات، وتُبنى الآراء في لحظة، ثم تتغير في اللحظة التالية.
كما تُظهر أيضًا أن الفنان، مثل أي إنسان، قد يتأثر، يغضب، يندفع، لكنه حين يملك الشجاعة للتراجع، يكبر في نظر جمهوره.
نادين الراسي، من خلال هذا الموقف، لم تُظهِر فقط احترامها لفضل ومحمد شاكر، بل أظهرت احترامها لنفسها، ولمحبيها الذين رأوا في اعتذارها دليلاً على النضج الإنساني والفني.
ما بعد الاعتذار… هل تُغلق الصفحة؟
من غير المعروف بعد كيف سيكون رد فعل فضل شاكر ونجله على هذا الاعتذار، وإن كانت العلاقات ستُرمم أم ستبقى مشروخة. لكن المؤكد أن الاعتذار خطوة إيجابية، وتفتح بابًا للتسامح، خصوصًا بين فنانين يجمعهم حب الفن وجمهور مشترك.
وحتى إن لم يُعلَن أي رد علني، يكفي أن الاعتذار قد كُتب، وتلقاه الناس، وأدركوا أن النزاعات، مهما تعقّدت، يمكن حلها بكلمة طيبة، وبتراجع صادق.
في الختام: الخطأ إنساني… والاعتذار فن
الحياة، كما الفن، لا تسير على وتيرة واحدة. هناك لحظات نخطئ فيها، وأخرى نصيب، وهناك ما نندم عليه، وما نعتز به. لكن قليلون هم من يمتلكون جرأة أن يقولوا: “أنا أخطأت”، ويفتحون الطريق لترميم ما انكسر.
نادين الراسي فعلت ذلك، وكسرت حاجز الكبرياء لتُعيد للأخلاق مكانها. وبين كلماتها، كانت هناك دعوة غير مباشرة لكل من يخطئ: لا تتردد، فالاعتذار لا يُنقصك، بل يرفعك.
وبينما تطوى هذه الصفحة من الخلاف، يبقى السؤال الأهم: كم نحتاج من الشجاعة لنكون صادقين مع أنفسنا، كما كانت نادين؟