لبنان، محمد الصو- السابعة الاخبارية
نادين لبكي، أضاءت المُخرجة اللبنانية نادين لبكي منصة مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 خلال جلسة حوارية حملت الكثير من الصراحة والشفافية حول رحلتها الفنية، وتحديات صناعة السينما في العالم العربي، وتعاونها مع جهات إنتاجية غربية، إضافة إلى كشف تفاصيل مهمّة عن فيلمها الأشهر “كفرناحوم”، وأخيراً إعلان جديد طال انتظاره حول مشروعها السينمائي المقبل.
نادين لبكي: لم أشعر بأي ضغط من التمويل الغربي… وأصعب ما في السينما هو صناعة الحقيقة
بدأت الجلسة بحديث لبكي عن صعوبات الإنتاج في المنطقة العربية، مؤكدة أنّها لم تواجه أي ضغوط غربية تمسّ طريقتها في سرد قصصها أو تمسّ هويتها الثقافية. وأوضحت أنها لم تتمكن من الحصول على تمويل لبناني لأعمالها، فكان الخيار الوحيد أمامها هو التمويل الأوروبي، إلا أنّها لم تشعر يوماً أنّ هناك أجندة تُفرض عليها أو على أفكارها.
وأشارت إلى أنّ السينما بالنسبة لها ليست مجرد فن بصري، بل وسيلة قادرة على تغيير نظرتنا للحياة وقضايا المجتمع، قائلة إن كل فيلم تبدأ بكتابته يجعلها تتساءل عن أثره العاطفي على الجمهور وعلى ذاتها أيضاً. وأضافت أنّ الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية تجعل من السينما أداة ضرورية للتعبير عن الألم والواقع، معتبرة أن الفن وحده قادر على إحداث التغيير العميق.
عرض هذا المنشور على Instagram
نادين لبكي تسترجع تجربة “كفرناحوم”: فيلم وُلد من قلب الألم
الجلسة لم تخلُ من الحديث عن الفيلم الذي جعل اسم نادين لبكي يُذكر في أهم المحافل السينمائية العالمية، وهو فيلم “كفرناحوم” الذي رُشح للأوسكار وفاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان 2018. لبكي تحدثت عن التجربة وكأنها ما تزال تعيش تفاصيلها حتى اليوم، مؤكدة أن الفيلم لم يكن عملاً عادياً، بل رحلة إنسانية قاسية غاصت خلالها في حياة الأطفال المهمّشين في لبنان.
قالت لبكي إنها اعتمدت على ممثلين غير محترفين لأنهم من نفس الخلفية الاجتماعية التي يتناولها الفيلم، وعلى رأسهم الطفل زين الرافعي الذي عاش ظروفاً قاسية جعلته قادراً على تقديم أداء حقيقي يتجاوز التمثيل التقليدي.
وأشارت إلى أنّ العمل مع طفل يمر بمعاناة حقيقية أصعب بكثير من العمل مع ممثلين محترفين، مؤكدة أن الطفل لم يكن يمثّل الألم، بل كان يشعر به. لذلك كان من المستحيل —بحسب قولها— أن تُطلب منه أداء مصطنع أو مشاهد مبالغ فيها، لأن الألم الحقيقي لا يحتاج إلى تدريب لتمثيله.
وأوضحت أن فريق العمل اضطر لتغيير أسلوب صناعة الفيلم بالكامل، فبدلاً من بناء ديكورات عالمية كما يحدث عادة، دخلوا هم إلى العالم الحقيقي، إلى الأزقّة والشوارع والمناطق المهمّشة، محاولين أن يكون وجودهم غير مرئي كي يتحرّر الممثلون من الضغط والخوف.

كواليس صعبة… ومرحلة شخصية قاسية رغم النجاح العالمي
اعترفت لبكي بأن فترة نجاح “كفرناحوم” لم تكن كما توقعت من ناحية السعادة الشخصية. فبالرغم من وصولها إلى الأوسكار والغولدن غلوب والبافتا والسيزار، قالت إنها مرّت بأصعب عام في حياتها عاطفياً، لأن الفيلم جعلها تغوص بعمق في واقع الأطفال المشردين، وهي تجربة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا عليها.
كما أشارت إلى أنها تعرّضت لانتقادات قاسية حول الفيلم، بعضها اتهمه باستغلال ممثلين غير محترفين أو الاستثمار في معاناة الفقراء، وهي اتهامات قالت إنها آلمتها كثيراً لأنها كانت ترى الفيلم رسالة إنسانية أكثر من كونه مشروعاً سينمائياً.
وقالت لبكي إنها احتاجت إلى التوقف عن الإخراج بعد “كفرناحوم”، فابتعدت عن الكاميرا واتجهت للتمثيل، وظهرت في أعمال حققت انتشاراً واسعاً مثل النسخة العربية من Perfect Strangers وفيلم The Sand Castle، مؤكدة أنّها كانت بحاجة لفن بلا مسؤوليات ضخمة كي تستعيد توازنها العاطفي.
مساعدة زين الرافعي… ومسؤولية الفن تجاه من يروي قصتهم
كشفت لبكي أن فريق “كفرناحوم” ساعد زين الرافعي وعائلته على الانتقال إلى النرويج، إضافة إلى تأسيس صندوق منح تعليمية للأطفال الذين شاركوا في الفيلم. هذا الدعم —وفق قولها— كان أقل ما يمكن أن تقدّمه لهم بعد أن وضعوا قلوبهم وواقعهم الحقيقي داخل العمل.
وأكّدت أنّ هذه التجربة غيّرت حياتها وجعلتها تدرك أن السينما ليست فقط للعرض، بل هي مسؤولية تجاه من تمنحهم صوتًا على الشاشة.
نادين لبكي تُعلنها: بدأت كتابة فيلمي الجديد… وقد يصوَّر في أكثر من بلد
المفاجأة التي خطفت الأنفاس في الجلسة كانت إعلان نادين لبكي أخيراً عن مشروعها السينمائي الجديد، بعد سبع سنوات من الانتظار منذ “كفرناحوم”.
قالت إنها بدأت كتابة فيلمها المقبل بالفعل، وإنه عمل صعب ويحتاج إلى الكثير من التحضير النفسي والزمني، لكنها تتمنى أن يبدأ التصوير العام المقبل.
الأكثر إثارة في حديثها كان تلميحها إلى أن الفيلم الجديد قد لا يكون محصوراً في لبنان كما في أعمالها السابقة، وأن الأحداث قد تدور في أكثر من دولة. هذا التوجه يعطي الانطباع بأن لبكي تستعد لمرحلة أكثر عالمية واتساعًا، وربما أكثر جرأة أيضاً.
ختامًا… نادين لبكي تعود لتكتب فصلاً جديدًا في سينما المنطقة
الجلسة الحوارية كشفت جانبًا عميقًا من شخصية نادين لبكي، المخرجة التي صنعت من الألم جمالاً، ومن الهامش بطولة، ومن أطفال الشوارع قصة وصلت للعالم كله.

واليوم، وبعد سنوات من الصمت الإخراجي، تعود لتعلن مشروعًا جديدًا قد يشكّل نقلة في مسيرتها، ويؤكد مرة أخرى أنها صاحبة رؤية مختلفة تُغيّر مفهوم السينما العربية وتدفعها نحو العالمية.
عودتها ليست مجرد خبر… بل حدث يتوقع الجمهور أن يحمل معه عملاً آخر لا يُنسى.