أمريكا – السابعة الإخبارية
آبل.. تشهد شركة “آبل” واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخها التقني، حيث تتعرض لهزات داخلية متتالية بسبب نزيف متواصل في كفاءاتها بمجال الذكاء الاصطناعي، مع تزايد وتيرة انتقال كبار باحثيها إلى منافستها الشرسة “ميتا”، التي تقدم عروضًا مالية غير مسبوقة لاستقطاب أفضل العقول في المجال.
وتأتي هذه التطورات في وقت تُعد فيه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في مستقبل الشركات التقنية الكبرى، مما يضفي بعدًا استراتيجيًا بالغ الأهمية على موجة الانتقالات هذه، التي لا تبدو مؤقتة أو عرضية.

الباحث الخامس يغادر.. والوجهة: ميتا
بحسب تقرير حديث نشره موقع PhoneArena المتخصص، فقد انضم خامس باحث رفيع المستوى في الذكاء الاصطناعي من الشركة إلى مختبرات ميتا المتقدمة، وهو ما يعكس تكرارًا مثيرًا للقلق داخل أروقة آبل، ويعزز الانطباع السائد بأن عملاق التكنولوجيا يواجه صعوبات حقيقية في الحفاظ على خبراته الحيوية في هذا القطاع.
الخطير في المسألة لا يكمن فقط في عدد المغادرين، بل في النوعية، إذ إن المغادرين يُعدّون من المؤسسين أو الركائز الأساسية في مشروعات الذكاء الاصطناعي الخاصة بآبل، وعلى رأسها مشروع تطوير المساعد الصوتي “سيري”، وتطبيقات الواقع المعزز القادمة.
مليارات ميتا… نصف مليار دولار للفرد؟
وراء هذا النزيف يقف طموح مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، الذي يرى أن مستقبل التكنولوجيا يتجسد في الواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (XR)، مدعومًا بتطورات مذهلة في الذكاء الاصطناعي التوليدي.
في سبيل تحقيق رؤيته، ضخت “ميتا” خلال الأعوام الأخيرة عشرات المليارات من الدولارات في هذه المجالات، ويبدو أن جزءًا معتبرًا من هذه الميزانية يُوظف اليوم في استقطاب الكفاءات من المنافسين، وخصوصًا من آبل، بعروض قد تصل إلى نصف مليار دولار للباحث الواحد في بعض الحالات، بحسب التسريبات.
ورغم ضخامة هذه الأرقام، فإنها باتت “مبررة” ضمن المنافسة الضارية بين شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوصفه سباقًا على الزعامة التقنية للقرن الجديد.

إدارة آبل تحت المجهر.. وأزمة معنويات داخلية
في المقابل، تشير التقارير إلى أن الروح المعنوية داخل فرق الذكاء الاصطناعي في آبل بدأت تتراجع، ليس فقط بسبب العروض الخارجية، بل أيضًا نتيجة بطء وتيرة التطوير داخليًا، وبعض الخلافات المتعلقة بالتمويل والتوجه الاستراتيجي.
ورغم أن بعض الباحثين رفضوا عروض ميتا – حتى مع إغراءاتها المليارية – لأسباب تتعلق بنمط الإدارة أو قيم العمل، فإن المؤشرات لا تبشّر بأن “النزيف سيتوقف قريبًا”، بل ترجّح أن يشهد المستقبل القريب خروج المزيد من العقول من آبل ما لم تُتخذ خطوات جذرية لعكس الاتجاه.
آبل تحاول الرد.. سيري يدخل غرفة العمليات
أمام هذا الواقع، لم تقف آبل مكتوفة الأيدي. إذ تعمل حاليًا على إعادة إحياء مساعدها الصوتي “سيري”، عبر نسخة محسنة أكثر ذكاءً وسرعة، مدعومة بتقنيات حديثة في معالجة اللغة الطبيعية والتعلم العميق.
كما تطور الشركة تحسينات موسعة في إطار منصة App Intents، تمهيدًا لإطلاق خدمات ومهام جديدة قادرة على التفاعل مع المستخدم بشكل أكثر طبيعية وسياقية، خاصة مع صدور iOS 19 المتوقع أن يدعم إمكانيات AI أكثر تطورًا.
وإلى جانب “سيري”، تسعى آبل إلى الدخول في المنافسة على نظارات الواقع المعزز، في وقت يشتد فيه السباق العالمي بين شركات مثل سامسونغ وغوغل، التي تعمل على مشروع “موهان” المدعوم بنظام أندرويد XR، والمصمم لإطلاق جيل جديد من النظارات الذكية القادرة على منافسة الهواتف الذكية.
صراع أكبر من مجرد موظفين
ورغم أن الخلاف يبدو ظاهريًا متعلقًا بانتقالات موظفين، فإن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. ميتا وآبل تخوضان صراعًا على من يقود حقبة ما بعد الهاتف الذكي، وهي حقبة تعتمد على الحوسبة المحيطة، والمساعدين الافتراضيين، والنظارات الذكية، والذكاء الاصطناعي المدمج في كل زاوية من حياة الإنسان.
وفي هذا الصراع، العقول البشرية هي الوقود الأهم. ولذا، فإن فقدان باحث هنا أو هناك، قد ينعكس مستقبليًا على ميزات أجهزة لم تُطرح بعد، وعلى إبداع منتجات ما تزال في طور التصور.
في عالم تتحكم فيه الخوارزميات والبيانات والواقع الرقمي، تبقى المعركة على الكفاءات الأكثر ضراوة من أي وقت مضى. رحيل باحثي آبل إلى ميتا ليس مجرد خبر تقني، بل إشارة قوية إلى تغيير محتمل في موازين القوى داخل وادي السيليكون، وربما في مستقبل التقنية ذاته.
السؤال الآن: هل تستطيع الشركة إيقاف هذا النزيف؟ أم أن زوكربيرغ سيواصل جمع العقول ليرسم بها مستقبلًا يعيد تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا؟
