السعودية- السابعة الإخبارية
أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في السعودية عن إيقاف بودكاست “مراية” بعد بث حلقة أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما وُصف بأنه تجاوز للمعايير المهنية والإخلال بالذوق العام، في حلقة استضافت الممثلة رنا جبران.
وجاء القرار بعد أن تبيّن للهيئة أن الحلقة تم تصويرها بطريقة غير مهنية، إذ ظهر المقدم والضيفة وهما يجلسان على كنبة ويغطيان جسديهما ببطانية، في مشهد اعتبرته الهيئة غير لائق بالمحتوى الإعلامي الموجه للجمهور العام.
وأوضحت الهيئة، في بيان رسمي، أنها قررت إيقاف الترخيص الإعلامي “موثوق” الخاص بكلٍّ من مقدم البرنامج محمد السعيدوالضيفة رنا جبران، وذلك بعد التحقق من مخالفات تضمنت “إخلالاً بضوابط العمل الإعلامي، وتجاوزات في المعايير المهنية، ومساساً بالذوق العام”.
وأكدت الهيئة التزامها بمواصلة مراقبة المحتوى المنشور عبر المنصات الرقمية والبودكاست، لضمان احترام القيم المجتمعية، مشددة على أن أي محتوى إعلامي يُبث داخل المملكة يجب أن يعكس احترام الذوق العام ويحافظ على المهنية والحياد.

حلقة تثير الجدل بين الحرية والمهنية
أُذيعت الحلقة المثيرة للجدل عبر بودكاست “مراية”، وهو برنامج حواري يقدمه الإعلامي محمد السعيد عبر المنصات الرقمية، واستضاف خلالها الفنانة رنا جبران التي اكتسبت شهرة واسعة مؤخراً من خلال دورها في مسلسل “أمي” المكوّن من 90 حلقة.
وخلال الحوار، تحدثت جبران بصراحة عن عدد من المواضيع الشخصية والاجتماعية، ما جعل الحلقة تتصدر قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في السعودية على منصة X (تويتر سابقاً).
إلا أن طريقة الجلوس، والمشاهد المصاحبة للتصوير، أثارت انتقادات واسعة من قبل الجمهور، معتبرين أن المشهد لا يتناسب مع طبيعة البرامج الحوارية الجادة ولا مع المعايير الإعلامية في المملكة.
بعض المشاهدين رأوا أن الهيئة تصرفت بحزم في حماية المهنة، فيما دافع آخرون عن فكرة “الحرية في الطرح” واعتبروا أن البودكاست فضاء مفتوح لتجارب أكثر جرأة، ما فتح نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول حدود حرية التعبير في الإعلام الجديد.
رنا جبران ترد: “الانتقادات لا تؤثر فيّ”
وبعد الجدل، خرجت الفنانة رنا جبران عن صمتها عبر حسابها في تطبيق “سناب شات” لتعلّق على الانتقادات، قائلة:
“شفت وجلست أضحك، أنا أتأثر بس مو لهالدرجة، وبعض الناس يدورون الشهرة على حساب اسمي”.
وأضافت أنها تحترم رأي الجمهور، لكنها ترى أن النية من الحوار كانت فنية وإنسانية وليست استفزازية كما صُوّرت، مشيرة إلى أن الحلقة كانت “عفوية وصريحة”، ولم يكن الهدف منها إثارة الجدل.
وتحدثت جبران في الحلقة عن تجربتها في مسلسل “أمي”، مؤكدة أن شخصية “سهام” التي جسدتها رغم كونها شريرة، إلا أنها لاقت تعاطفاً من الجمهور لأنها تمثل واقعاً مأساوياً عاشته أمهات كثيرات.
واستعادت مشهداً مؤثراً بكت فيه بحرقة وهي تنادي ابنتها المختبئة في الدولاب، مشيرة إلى أن المشهد ترك أثراً نفسياً كبيراً فيها حتى بعد انتهاء التصوير.

تجربة إنسانية بعد فقدان الأم
في الجانب الشخصي، كشفت الفنانة عن تأثير فقدان والدتها في حياتها، قائلة:
“بعد وفاة أمي قررت ما أزعل من شيء، اللي جرب الفقد يعرف أنه ما في وجع أكبر منه”.
وأكدت أنها باتت أكثر نضجاً وهدوءاً بعد التجربة، وأنها أصبحت ترى الحياة بعيون أكثر تسامحاً وسلاماً.
وفي ردّها على أسئلة حول ارتباطها العاطفي، قالت إنها لا تفكر في الزواج حالياً، موضحة:
“أنا آخر إنسانة ممكن تفكر تدخل علاقة الحين، ما عندي وقت، وما أبغى أظلم أحد”.
وأكدت أنها وصلت إلى مرحلة من السلام الداخلي والرضا عن الذات، معتبرة أن انشغالها بالعمل والنجاح أهم من أي ارتباط في الوقت الحالي.
“جيل القيم القديمة”.. رسالة إلى المجتمع
في ختام الحلقة، تحدثت رنا جبران عن رؤيتها للعلاقات الاجتماعية اليوم، مشيرة إلى أنها تنتمي إلى ما وصفته بـ “الجيل القديم” في القيم والمبادئ، وقالت:
“أنا أحب الرجل الأولد سكول، اللي عنده شهامة واحترام، وما أحب البنت اللي ما عندها حياء، ولا الرجل اللي نسى معنى الرجولة”.
وأثارت هذه العبارات موجة أخرى من الجدل، حيث اعتبرها البعض تناقضاً مع طريقتها في الظهور بالحوار، فيما رأى آخرون أنها تعكس وجهة نظر شخصية حول القيم الاجتماعية.
بين الجرأة والمساءلة.. الدرس الإعلامي
أعاد قرار الهيئة الجدل حول حدود الجرأة في الإعلام الرقمي، ومدى التزام صناع المحتوى بضوابط المهنة في ظل الانفتاح الإعلامي الكبير الذي تشهده السعودية.
ويؤكد خبراء الإعلام أن هذا القرار يعكس توازن الدولة بين دعم حرية التعبير وحماية القيم العامة، إذ لم يكن الهدف تقييد الإبداع، بل ضمان أن يبقى المحتوى ضمن الأطر المهنية التي تحترم المجتمع.
ومع توسّع إنتاج برامج البودكاست في السعودية خلال السنوات الأخيرة، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ممارسات إعلامية مسؤولة، تراعي الذوق العام وتحافظ على مصداقية الرسالة الإعلامية، خصوصاً في ظل الانتشار السريع للمحتوى عبر المنصات الرقمية.
وفي النهاية، تبدو قضية بودكاست “مراية” أكثر من مجرد حلقة مثيرة للجدل، فهي جرس إنذار مهني ورسالة واضحة مفادها أن الإبداع لا يتناقض مع الالتزام، وأن الجرأة لا تعني تجاوز القيم.
