مصر – السابعة الإخبارية
سيد صادق.. فقد الوسط الفني المصري صباح اليوم الجمعة، الفنان القدير سيد صادق، عن عمر ناهز 80 عامًا، بعد صراع مع المرض، في رحيل يُسدل الستار على مسيرة حافلة امتدت لأكثر من خمسة عقود، ترك خلالها بصمة خاصة في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية.
ورغم أن الجمهور عرفه في الغالب من خلال أدوار الشر ورجال السلطة، إلا أن شخصيته الحقيقية كانت على النقيض تمامًا مما يظهر على الشاشة. كان إنسانًا حساسًا، محبًا للحياة، وفيًّا لأصدقائه، ومخلصًا لفنه. ومن عرفه عن قرب يتذكر دومًا طيبته وخفة ظله، وابتسامته التي كانت تسبق صوته الجهوري في الكواليس.

سيد صادق: بدايات هادئة وموهبة مبكرة
ولد سيد صادق في مصر في منتصف أربعينيات القرن الماضي، وبدأ مسيرته الفنية في سبعينيات القرن العشرين، بخطوات متأنية وأدوار صغيرة، لكنها كانت كافية لتكشف عن موهبة قادرة على لفت الأنظار. في تلك الفترة، كان يشارك في أدوار مساندة في السينما والمسرح، مستفيدًا من ملامحه الحادة وقدرته على إلقاء الحوار بلهجة حازمة.
ومع مرور الوقت، أدرك المخرجون أن تلك الصفات تمنحه قدرة خاصة على أداء أدوار رجال الشرطة، أو الشخصيات المتسلطة، أو حتى الزعماء الذين يفرضون هيبتهم على من حولهم. وبالفعل، أصبح اسمه حاضرًا في الكثير من الأعمال التي تحتاج إلى حضور قوي وشخصية مهيبة.
أدوار صنعت شهرته
قدّم سيد صادق مجموعة من الأفلام التي أصبحت علامات في تاريخ السينما المصرية، أبرزها “الكيت كات” إلى جانب النجم الراحل محمود عبدالعزيز، حيث جسّد دورًا إنسانيًا عميقًا ترك أثرًا لدى المشاهدين، كما شارك مع عادل إمام في عدة أفلام ناجحة مثل الهلفوت، حنفي الأبهة، وجزيرة الشيطان.
في الدراما التلفزيونية، رسّخ حضوره من خلال أعمال مهمة مثل “رأفت الهجان”، الذي لعب فيه دورًا بارزًا، وكذلك مسلسلات بوابة الحلواني، أرابيسك، والعائلة. وبرغم أن أدواره كانت في الغالب ثانوية، فإنها كانت تحمل دائمًا ثِقلًا فنيًا يضيف للعمل ويثري أحداثه.

دموع على خشبة المسرح
أحد المواقف الإنسانية التي ظلّت محفورة في ذاكرة الجمهور، كان أثناء تكريمه في مهرجان القاهرة للدراما عن مجمل أعماله. يومها، لم يتمالك دموعه وهو يسمع كلمات الثناء من زملائه وسط تصفيق الجمهور. تلك اللحظة لم تكن مجرد تكريم، بل كانت شهادة حب من الوسط الفني لرجل قضى حياته في خدمة الفن بإخلاص، بعيدًا عن الأضواء الزائفة والبحث عن الشهرة السريعة.
الفنان خلف الكاميرا
ورغم صورة “الشرير” التي التصقت به فنيًا، إلا أن المقربين منه يؤكدون أنه كان إنسانًا متواضعًا، كريم المعشر، يحب الضحك ويهوى الجلسات الهادئة مع الأصدقاء. كان يحرص دائمًا على دعم زملائه الأصغر سنًا، ويدفعهم لاختيار أدوار قوية تبني مسيرتهم.
كما كان يرى أن الفن رسالة لا مجرد مهنة، وأن على الفنان أن يقدم ما يليق بالجمهور ويحترم عقله، حتى لو لم يكن الدور بطولة مطلقة. هذه الفلسفة جعلته يختار أدواره بعناية، رافضًا أعمالًا كثيرة لا تتوافق مع قناعاته أو لا تضيف لمسيرته.
رحيل يترك فراغًا
رحيل سيد صادق لا يعني فقط غياب ممثل مخضرم، بل فقدان مدرسة خاصة في أداء الأدوار المساندة. كان من ذلك النوع النادر من الممثلين الذين يستطيعون تحويل أي مشهد صغير إلى لحظة لا تُنسى، بفضل حضوره الطاغي وصدقه في الأداء.
اليوم، يبكيه زملاؤه قبل جمهوره، ويستعيدون ذكرياتهم معه في مواقع التصوير، حيث كان يحرص على نشر روح الدعابة وتخفيف التوتر، مهما كانت صعوبة المشاهد أو ضيق الوقت.

إرث فني خالد
ترك سيد صادق وراءه إرثًا فنيًا غنيًا، يتمثل في عشرات الأفلام والمسلسلات التي ما زالت تُعرض حتى اليوم وتجد طريقها إلى الأجيال الجديدة. ستظل أدواره في ذاكرة عشاق السينما والدراما، سواء تلك التي أدّاها بصرامة الشرير، أو بإنسانية الأب والصديق.
الوداع الأخير
برحيله، يفقد الوسط الفني أحد أبرز ممثلي الجيل الذي آمن بأن قوة الممثل الحقيقية لا تُقاس بعدد بطولاته المطلقة، بل بقدرته على إقناع المشاهد وإثراء العمل الفني. رحل سيد صادق تاركًا إرثًا سيظل شاهدًا على فنان أحب فنه وجمهوره حتى اللحظة الأخيرة.
ستظل دموعه على المسرح رمزًا لفنان عاش بقلب طفل، ووقف أمام الكاميرا بصلابة المحترف، ورحل تاركًا خلفه حبًا كبيرًا في قلوب من عرفوه وشاهدوا أعماله.