العراق، السابعة الإخبارية، توفي المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا سينمائيًا طويلًا يعكس تاريخ السينما العراقية ومنجزاتها.
بدأ جميل مشواره السينمائي منذ منتصف القرن الماضي، وقدم العديد من الأعمال التي أسهمت في تطوير الفن السابع في العراق، وتناول خلالها قضايا وطنية واجتماعية ذات أهمية كبيرة.
البداية والتكوين الفني
وُلد محمد شكري جميل في بغداد عام 1937، وبدأت مسيرته الفنية بعد دراسته المتخصصة في المعهد العالي للسينما في المملكة المتحدة. كانت انطلاقته السينمائية في عام 1953، حين انضم إلى وحدة الإنتاج السينمائي لشركة نفط العراق، حيث عمل في إنتاج الأفلام الوثائقية التي كانت تسلط الضوء على الحياة في العراق من زوايا مختلفة.
هذه البداية كانت نقطة انطلاق نحو العمل في السينما العالمية، حيث شارك في أفلام عالمية مثل “اصطياد الفأر” للمخرج بول روثا، و”عين الثعلب في الصحراء”، إضافة إلى فيلم الرعب الشهير “التعويذة”، الذي صُوّر في مدينة الموصل.
السينما العراقية: من التعاون إلى الإخراج
تعد فترة الستينات من أبرز مراحل حياته المهنية، حيث بدأ جميل بالعمل محليًا في السينما العراقية. في عام 1963، تعاون مع المخرج جرجيس يوسف حمد في إخراج فيلم “أبو هيلة”، ثم عمل كمونتير في فيلم “نبوخذ نصر”، أول فيلم عراقي ملون من إخراج كامل العزاوي.
هذه التجارب ساعدت في تشكيل رؤية سينمائية فريدة لدى جميل، حتى جاء أول عمل إخراجي له في عام 1968، وهو فيلم “شايف خير”، الذي كان بداية لمسيرة حافلة في عالم الإخراج السينمائي.
في عام 1973، أخرج فيلم “الظامئون” المقتبس عن رواية الكاتب عبد الرزاق المطلبي، ثم تبع ذلك في 1979 بفيلم “الأسوار”، الذي تناول دعم الشعب العراقي لنظيره المصري خلال العدوان الثلاثي وأحداث انتفاضة عام 1956، وهو العمل الذي أبرز أهمية التلاحم العربي في مواجهة التحديات.
أعماله الأيقونية
عام 1982، أخرج محمد شكري جميل فيلم “المسألة الكبرى”، وهو واحد من أكبر إنتاجات السينما العراقية، الذي تناول كفاح الشعب العراقي في مواجهة الاحتلال البريطاني وثورة العشرين.
كان هذا الفيلم علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية، حيث جمع طاقمًا من الممثلين المحليين والدوليين، من بينهم الممثل العالمي أوليفر ريد، ليحقق بذلك نقلة نوعية في الإنتاج السينمائي العراقي.
وفي نفس العام، أخرج أيضًا فيلم “المهمة مستمرة”، الذي جمع بين الأسلوب التسجيلي والروائي، وقدم فيه قصة طيار عراقي هبط اضطراريًا في أراضٍ معادية وعاش مغامرة استثنائية للعودة إلى وطنه.
استمرار العطاء والابتكار السينمائي
استمرت مسيرة محمد شكري جميل في تقديم العديد من الأعمال السينمائية المميزة التي لاقت نجاحًا محليًا ودوليًا، مثل أفلام “الفارس والجبل”، و”عرس عراقي”، و”اللعبة”، و”الملك غازي”.
كانت أعماله تتميز دائمًا بالاهتمام العميق بالقضايا الوطنية والتاريخية، مع التركيز على تقديم حكايات تحاكي هموم وتطلعات المجتمع العراقي.
بصمته في السينما العراقية
محمد شكري جميل كان أحد الأسماء اللامعة في تاريخ السينما العراقية، وترك بصمة لا تمحى في هذا المجال. تميزت أفلامه بالاهتمام بالتفاصيل الاجتماعية والوطنية، مع تركيز كبير على تصوير معاناة الإنسان العراقي وتطلعاته في مواجهة مختلف التحديات.
كما كان له دور كبير في إثراء الحركة السينمائية في العراق عبر تقديم أفلام تحمل رسائل إنسانية عميقة وواقعية.
رحيل مخرج أثر في السينما العراقية
رحيل محمد شكري جميل عن عمر يناهز 88 عامًا يمثل خسارة كبيرة للفن السينمائي العراقي، لكنه في الوقت نفسه يظل حاضرًا من خلال أعماله التي ستظل خالدة في ذاكرة السينما المحلية والعالمية.
فقد كان أحد أبطال السينما الذين استطاعوا نقل هموم وطنهم إلى الشاشة بطريقة مؤثرة، وفتحوا آفاقًا جديدة لهذا الفن في العراق والمنطقة.
لقد قدم جميل للسينما العراقية تجربة فنية غنية من خلال أعماله المتنوعة التي امتزج فيها الفن والتاريخ والواقع.
ورغم رحيله، إلا أن إرثه السينمائي سيظل حيًا، يشهد على المسيرة الطويلة لعطاء هذا المخرج الفذ الذي حقق العديد من النجاحات التي تركت أثرًا كبيرًا في عالم السينما.