الشارقة – السابعة الاخبارية
ياسمين العيساوي، يُعد معرض الشارقة الدولي للكتاب واحداً من أبرز الفعاليات الثقافية في العالم العربي، وفسحة واسعة تتلاقى فيها الرؤى الإبداعية والأفكار الجديدة من أنحاء العالم. هنا، لا يُقدّم الكتاب فقط بوصفه منتجاً ثقافياً، بل بوصفه مساحة للحوار، ولتبادل التجارب، ولإعادة تعريف دور الكاتب في المشهد الفكري المعاصر. وبين أجنحة المعرض وندواته، يتشكّل فضاء تتفتح فيه الأصوات النسائية، وتتحول من قارئات وصانعات محتوى إلى ركائز أساسية في مشروع المعرفة العربي، حيث سجلت الكاتبة المغربية ياسمين العيساوي حضورا مميزا.
في هذا السياق، سجّل هذا العام حضوراً مميزاً للكاتبة المغربية ياسمين العيساوي، التي جاءت إلى المعرض وهي تحمل رواية جديدة تنبض بالبحث والتساؤل والجرأة، رافعة صوت المرأة الكاتبة، والذات التي تنقب في ظلالها الداخلية.
ياسمين العيساوي في الشارقة: حضور يتجاوز الورق
خلال مشاركتها في الحدث الثقافي الكبير، أكدت ياسمين العيساوي أن وجودها في معرض الشارقة الدولي للكتاب ليس مجرد دعوة ولا مناسبة لعرض إصدار جديد؛ بل هو فعل ثقافي وامتداد لرغبة عميقة في الحوار، وفي تمثيل الأصوات النسائية التي باتت أكثر حضوراً في الفضاء الإبداعي.
تقول العيساوي إن المعارض الثقافية هي “مساحات صوت”، تسمح للكاتبات أن يتحدثن بثقة عن تجاربهن ورؤاهن، وأن يثبتن أن المرأة في السرد ليست موضوعاً يُكتب عنه فقط، بل ذاتاً كاتبة، صانعة للخيال والمفاهيم، ومؤسسة لوعي جديد. ومن هنا، جاءت مشاركتها لتكون منصة تعكس تجربتها الأدبية ومسارها النفسي والفكري.
وريثة الظلال… الرواية التي تنفتح في الشارقة لأول مرة
من بين الأعمال الجديدة التي حملتها العيساوي معها إلى المعرض روايتها الجديدة «وريثة الظلال»، التي كشفت عنها لأول مرة بين جمهور الشارقة. الرواية تتنقّل بين عالمين متوازيين، عالم مليكة، العرّافة التي تؤمن بالماورائيات، وعالم ابنتها كارما، الطبيبة النفسية التي ترى الكون بمنظار العلم والتحليل العقلي.
بين هذين العالمين تظهر شخصية الدكتور بدر، الطبيب النفسي الذي يقف في منطقة رمادية بين المنطق والغموض، ليشكل نقطة التماس بينهما. تتقاطع مصائر الشخصيات في رحلة تكشف أسراراً دفينة وتعيد طرح الأسئلة حول الحقيقة وحدود المعرفة.
قدمت العيساوي الرواية بوصفها تجربة استغرقت ثلاث سنوات من العمل والتأمل، تجربة نضج أدبي، تقول إنها “كتبت خلالها وعياً جديداً، وتعمقت في فهم الظلال التي نحملها دون أن ننتبه إليها”. وتضيف أن سعادتها بإصدار الرواية لا ترتبط بصدورها فحسب، بل بكونها محطة مهمة في مسار تطور رؤيتها السردية.

بين العلم والماورائيات… سؤال الرواية وسؤال الإنسان
تتحدث العيساوي عن ميلها الطبيعي إلى الكتابة النفسية، ذلك النوع من الأدب الذي لا يستند إلى صناعة “الخوف الخارجي”، بل إلى كشف الظلام الداخلي الذي يسكن كل إنسان. الرعب الحقيقي، برأيها، يبدأ من الداخل ومن الأسئلة التي نخشى الاقتراب منها.
وبحكم تخصصها في الصحة النفسية، تؤمن العيساوي بأن الأدب قادر على التزاوج مع العلم، وأن السرد يمكن أن يُصبح وسيلة لفهم النفس البشرية بعمق أكبر. ولذلك، يتداخل في «وريثة الظلال» التحليل النفسي مع الخيال، والواقعية مع الماورائيات، ليظهر سؤال مركزي: ماذا يحدث حين يلتقي العقل بما يتجاوز العقل؟ وماذا لو كانت الحقيقة أبعد مما تسمح به مناهجنا العلمية؟
في هذه المساحات الضبابية بين المنطق والغموض، تتحرك الرواية، وتستفز القارئ ليفتح أبواباً في داخله قبل أن يفتح صفحات الكتاب.
المرأة التي تكتب نفسها… وصوت الأنثى في معرض الشارقة
تولي العيساوي أهمية لافتة لدور المرأة الكاتبة في الفضاء الثقافي، وترى أن حضورها اليوم ليس حضوراً هامشياً أو مكملًا، بل حضور مؤثر وقادر على صناعة وعي جديد. وتقول إن معرض الشارقة الدولي للكتاب، بما يوفره من منصات للنقاش واللقاء، يمنح المرأة فرصة لأن تروي قصتها بنفسها، وتمثّل رؤيتها الأدبية وتعيد صياغة علاقتها بالعالم.
لقد بدت في حديثها واعية بأن صوت المرأة ليس مجرد صوت أدبي، بل امتداد لصراعات داخلية وتجارب إنسانية تشكل أساس كل كتابة صادقة. ومن خلال تجربتها، تؤكد أن الرواية ليست أداة للهروب من الواقع، بل أداة لقراءته بعمق أكبر، وتفكيك أسئلته، والغوص في طبقاته الخفية.
الكتابة كرحلة… والشارقة كمحطة مضيئة في المسار
تقول العيساوي إن مشاركتها في معرض الشارقة تمثل بالنسبة لها لحظة اعتزاز، لأنها تجعلها قريبة من القراء، وتتيح لها الاستماع إلى قراءاتهم المختلفة “لِما بين السطور”، والتفاعل معهم حول ما أرادت أن تقوله وما تركته للقارئ كي يكتشفه بنفسه.
وتصف علاقتها بالكتاب بأنها علاقة شغف ومواجهة في الوقت نفسه. فكل عمل تكتبه هو مرآة لما تفكر فيه وما تخشاه، وما ترغب في تقبّله أو الهروب منه. ومن هنا، تشعر بأن «وريثة الظلال» ليست مجرد رواية، بل رحلة نفسية رافقتها طويلاً، وانتهت الآن في محطة الشارقة لتبدأ حياة جديدة مع القرّاء.

الشارقة… حيث تنمو الحكايات وتتجدّد الأصوات
يمثل معرض الشارقة فضاء يلتقي فيه المبدعون ليعيدوا رسم خريطة الأدب العربي. وفي هذا العام، جاءت مشاركة ياسمين العيساوي لتؤكد أن المرأة الكاتبة قادرة على أن تكون صوتاً موازياً لا يقل حضوراً عن أي صوت آخر، بل صوتاً يمتلك الجرأة على طرح الأسئلة ومواجهة الظلال المخبّأة في النفس الإنسانية.
وبين أروقة المعرض، استطاعت العيساوي أن تربط تجربتها الشخصية بتجربة المكان، وأن تجعل من «وريثة الظلال» عملاً ينفتح على القرّاء بقدر ما ينفتح على نفسه، ليصبح جزءاً من الحكاية الكبرى التي يكتبها معرض الشارقة الدولي للكتاب عاماً بعد عام.
